كتب نيكولاي بلوتنيكوڤ :
لقد طرحت القضية الفلسطينية حرفياً على جدول أعمال الدولي. وبعد أحداث 7 أكتوبر / تشرين الاول، تذكر الجميع فجأة أنه، خلافا لقرارات الامم المتحدة بانشاء دولتين على أراضي فلسطين، لديهم دولة واحدة فحسب ـ اليهودية .
في عام 1947؛ قررت الجمعية العامة للامم المتحدة تقسيم فلسطين الى دولتين ـ يهودية وعربية. وأعطيت القدس مكانة مدينة دولية حتى لا تعاني من الصراعات على أراضيها. وفي 14 أيار / مايو 1948؛ تم توقيع على اعلان استقلال إسرائيل، وظهرت الدولة اليهودية على خريطة العالم.
وفي يوم التالي، بدأت الحرب العربية الإسرائيلية الاولى. وكانت نتيجتها النزوح الجماعي للفلسطينيين (النكبة) وتوسيع الاراضي الإسرائيلية. وخلال هذه الفترة، تم طرد 800 ألف قسريا من أراضيهم وهذا من أصل 1.4 مليون فلسطيني. ونتيجة لحرب عام 1967، اتسعت مساحة إسرائيل أكثر فأكثر.
وفي عام 1964، بقرار من جامعة الدول العربية، ولدت منظمة التحرير الفلسطينية وفي تشرين الثاني/ نوفمبر 1988، أعلن المجلس الوطني لمنظمة التحرير الفلسطينية قيام دولة فلسطين المستقلة، ولكن هذه كانت خطوة رمزية فحسب، لانها لم تكن تسيطر على أي إقليم.
في أوائل التسعينات، سمحت إسرائيل للسلطة الفلسطينية بادارة بعض المناطق التي تسيطر عليها الدولة اليهودية. وابرمت منظمة التحرير الفلسطينية واسرائيل اتفاقتي أوسلو 1 (الترتيبات المؤقتة للحكم الذاتي الفلسطيني ) وأوسلو 2 (الاتفاقيات المؤقتة بين الفلسطينين ودولة إسرائيل في الضفة الغربيه وقطاع غزة). ولكن هذا لم يجلب السلام والسلطة الفلسطينيه ليس لديها السيطرة على أي شئ. ومنذ عام 2007، تحكم الحركة الاسلامية "حركة المقاومة الإسلامية" (حماس) قطاع غزة في ظل الحرب الاهلية بين الفلسطينيين. وتتبنى هذه الحركة على ايديولوجية جماعة الاخوان المسلمين (محظورة في روسيا)، وتسيطر إسرائيل على 60% من الضفة الغربية والقدس الشرقية.
في 7 تشرين الاول / أكتوبر، بدأت حركة حماس عملية "طوفان الاقصى"، ونشأت هذه العملية بعد تدنيس إسرائيل مسجد الاقصى في القدس ـ ثالث أقدس المواقع الاسلامية، وتصاعد اليهود أعمال العنف في الضفة الغربية. والكثير مما يتعلق بالتخطيط والتحضير لهذه العملية غير معروف. ولكن أي سر يصبح واضحا خلال مرور الوقت.
والوضع يزداد سوءا نتيجة حكومة بنيامين نتنياهو. نتنياهو وشركاؤه في الائتلاف الحاكم ـ وزير المالية بيتساليل سموتريتش، زعيم الحزب الصهيوني الديني المتشدد، ووزير الامن القومي إيتمار بن جفير وهو زعيم حزب القوة اليهودية اليميني المتطرف، وهم مسؤولون عن المذابح في الضفة الغربية والمسجد الاقصى. وقد ذكروا مرارا وتكرارا أن إسرائيل بحاجة الى قمع الطموحات الفلسطينية في اقامة دولة مستقلة. منذ ربيع عام 2023، اتخذ العنف ضد الفلسطينيين على شكل تطهير العرقي. وتم تهجير عشرات الالاف من العائلات الفلسطينية من الضفة الغربية.
قررت حماس استغلال ذلك لتظهر العالم بانها قوة دافعة رئيسية لحركة التحرير الفلسطينية، وهي على الانتقام من إسرائيل واذلالها. وتريد حماس تعزيز سلطتها في العالم العربي، خصوصاً في الشتات الفلسطيني. وفي الوقت نفسه، كان المقصود منها فضح منافستها: حركة التحرير الوطني الفلسطيني، المعروفة باسم فتح، بالإضافة إلى الرئيس محمود عباس والسلطة الفلسطينية. كما كانت حماس تأمل في أن تحظى الدعم في الضفة الغربية والقدس الشرقية، ولكي يفتح حزب الله اللبناني جبهة ثانية للحرب ضد إسرائيل.
وكان احد أهداف لحماس ايضاً هو تعطيل المفاوضات حول تحسين العلاقات بين المملكة العربية السعودية واسرائيل. كان زعيم حماس السياسي اسماعيل هنية معارضا على هذه العلاقات. وفي الواقع، نتيجة هذه الاتفاقيات، تمكنت إسرائيل من تقليل تنازلاتها للسلطة الفلسطينية الى الحد الادنى وازالة تنفيذ حل الدولتين من جدول الاعمال.
يدل تطور الاحداث على عدم وجود وحدة في دوائر الساطة في إسرائيل. ويجري الان توضيح العلاقة بين مجلس الوزراء والجيش حول الجهة المسؤولة عن مأساة 7 أكتوبر / تشرين الاول. وعقدت المدعي العام في البلاد غالي باهاراف ميارا جلسات الاستماع بعد تشويه صورة اسرائيل نتيجة تصريحات السياسيين. وحذرت المسؤولين من "التصريحات المتهورة" التي يفسرها أعداء إسرائيل على أنها "جرائم حرب".
نحن نتحدث عن آڤي ديختر، وزير الزراعة وهو عضو مجلس الوزراء لشؤون الامن (كان مدير جهاز العام لمنظمة شاباك)، ووزير التراث عميحاي إلياهو، ونائب رئيس الكنيست نسيما فاتوري. وقال ديختر إن "النكبة 2023 تحدث في غزة" ونرحب بذلك بنزوح جماعي جديد للفلسطينيين: من بين 2.2 مليون شخص، أجبر 1.7 مليون على مغادرة أماكن إقامتهم. ويعتبر إلياهو اسقاط القنبلة الذرية على غزة هو حل لكل المشاكل، كما يدعو واتوري الى حرق غزة.
وفق المدعي العام، فإن التصريحات من هذا النوع تخالف القوانين الدولية واضطر نتنياهو الى دعمها. ونصح رئيس الوزراء أعضاء حكومته بأن يتعلموا الصمت وعدم قول أشياء والا سوف يندمون عليها في يوم واحد.
ومع تزايد الخسائر في صفوف العسكريين واستمرار العملية في غزة، فإن التناقضات في دوائر الحكومة الإسرائيلية والاستياء الشعبي من سياسات نتنياهو سوف تتزايد. واسنادا للبيانات الرسمية، قتل منذ 7 أكتوبر /تشرين الاول 391 جنديا من قوات الدفاع الإسرائيلية، لكن في الواقع الخسائر غير معروفة.
ويعتبر اطلاق سراح الرهائن قضية ملحة بالنسبة الى السلطات الإسرائيلية. وقد قامت حماس بنقل معظمهم الى جنوب القطاع. ولتحريرهم، يجب أن تحتل قطاع غزة بأكمله أو التفاوض مع حماس. لقد قاوم نتنياهو لفترة طويلة، لان هذا يعني بالنسبة له فشل السياسة الفلسطينية. وتحت ضغط من الشعب الاسرائيلي، اضطر للموافقة على اتفاق تبادل مع حماس. ونصت الاتفاقيات على اطلاق سراح 50 طفلا ومراهقا ونساء محتجزين في القطاع مقابل اطلاق سراح 150 مراهقا ونساء من السجون الإسرائيلية. ودخلت الهدنة حيز التنفيذ صباح يوم 24 شهر نوفمبر /تشرين الثاني. واعتبرت حماس ذلك أمرا خاصا بها للفوز .
ودعا زعيم المعارضة يائير لابيد الى اقالة نتنياهو من منصب رئيس الوزراء. وبرأيه، في ظل الحكومة الحالية "انزلقت البلاد الى الاسوأ". لابيد مقتنع بأن نتنياهو ليس قادرا على قيادة الحكومة، وان البلاد بحاجة الى تغييرات كبيرة.
يخاف العسكريين السابقين والسياسيين الإسرائيليين المعارضين من الوضع المحيط في المستشفيات في غزة يمكن أن يستخدمه المجتمع الدولي ضد إسرائيل. ومن بين 51 مؤسسة طبية في القطاع، و9 فقط يمكنها تقديم المساعدة. ومن اجل انقاذ حياة الرهائن، كان ينبغي اجراء التبادل على مبدأ "الكل مقابل الكل". اذا انضم الفلسطينيون المحررون الى صفوف حماس، فان الجيش الاسرائيلي سوف يتعامل مع السجناء السابقين في ساحة المعركة.
لو اتخذت الولايات المتحدة موقفا بشأن حل الصراع الفلسطيني الاسرائيلي، قد انخفضت عدد الوفيات في فلسطين واسرائيل. ووفقا للمستشار السابق للحكومة الإسرائيلية دانييل ليڤي، فان الدعم الأميركي لافلات اسرائيل من العقاب يمكن ان يزعزع استقرار الشرق الأوسط.
العالم العربي لا يريد الحرب. والكثير من الدول العربية لا تدعم حماس بسبب ايديولوجيتها، كما ان ممالك الخليج الفارسي لا تريد تدمير رفاهيتها.
تم تأكيد خطر التصعيد. ويحاول نتنياهو جر حزب الله اللبناني وايران، بواسطة استخدام الولايات المتحدة الأمريكية. وفهم قادة حزب الله وايران ان اذا حدث ذلك، سيتوقفون الكلام حول مذابح الجيش الاسرائيلي في غزة وسيتكلمون عنهم الالة الدعائية اغربية. ويقتصر هذا على القصف المتبادل بين حزب الله والجيش الاسرائيلي، ومع اطلاق صواريخ طائرات الحوثية اليمنية ايلات، بالاضافة الى هجوم القوات العراقية القواعد العسكرية الاميركية في شمال شرق سوريا والعراق. تعتبر الضربات تشكيلات غير حكومية والاسطول العسكري الأميركي عاجز عن فعل اي شيء.
يسبب ارتفاع عدد الضحايا المدنيين في غزة استياءا متزايدا في العالم، وخصوصاً في المجتمع الاسلامي وذلك من وراء سياسة الغرب. ويعتبر التغاضي عن العملية العسكرية الإسرائيلية في القطاع بمثابة حرب حضارية "الغرب ضد العالم الاسلامي". واذا لم تفهم الدوائر السياسية الإسرائيلية ورعايتها الاميركيين هذه الحقيقة، فان انتصار جيش الدفاع الاسرائيلي في غزة قد يصبح بهظ الثمن. ولن يتناول الاسباب الجوهرية التي ادت الى الحرب مع حماس. وكما اشار الاستاذ في جامعة الكويت بدر السيف، فان هذه الحرب ذكرتنا بان السلام في المنطقة لن يكون ممكنا الابعد حل الصراع وحل القضية الفلسطينية. ولا يمكن لاي تحذيرات دبلوماسية من إسرائيل ان تمحو من الذاكرة قرار المجتمع الدولي بانشاء "دولتين للشعبين".
عربي ودولي
المنشورات ذات الصلة
عربي ودولي