كتب فؤاد بزي في "الأخبار"
في 13 آب الماضي، وجّه أربعة أعضاء في مجلس إدارة الضمان (عادل عليق، غسان غصن، رفيق سلامة، فضل الله شريف)، كتاباً إلى نائب رئيس مجلس إدارة الصندوق، يطلبون منه تكليف اللجنة الفنية إجراء تدقيق معمّق في حسابات توظيف أموال الصندوق وعملياتها منذ 2013 حتى اليوم، لأنها تمّت بلا سند شرعي أو قانوني. هذا الطلب، جاء بعد إحالة من المدير العام للضمان، إلى مجلس الإدارة يطلب منه تعديل نسب توظيف أموال الصندوق في المصارف بما يفوق السقف المحدّد في آخر قرار اتخذته اللجنة المالية قبل أن تنتهي ولايتها في عام 2012. طوال هذا الوقت، استمرّت الإدارة في توظيف الأموال وفقاً لهذا القرار ووقف مجلس الإدارة متفرّجاً، إلى أن أتى الانهيار النقدي والمصرفي وأطاح بقيمة كل الأموال.في مطلع 2013، انتهت ولاية اللجنة المالية في الضمان، وهي المسؤولة عن إدارة أموال الصندوق وتوظيفها. يومها بادرت إدارة الصندوق إلى تولي مهمات اللجنة إنما «من دون أي سند شرعي، أو قانوني، أو تكليف من مرجع مسؤول»، وفقاً لكتاب الأعضاء الأربعة في مجلس إدارة الصندوق، مشيرين إلى أن الإدارة «مستمرة في تجاوزاتها حتى الآن»، أي إنها تابعت توظيف أموال الصندوق «وتخطّت في تصرّفاتها صلاحيات وزارة العمل ومجلس الإدارة كجهات رقابية» وفقاً لما ورد في الكتاب. وخلص الأعضاء إلى «اعتبار مدير عام الضمان موظفاً واقعياً، يمارس وظيفةً ماليةً من دون صفة، وعليه تقديم كشف حساب عن إدارته المالية، وفقاً للفقه والاجتهاد».
واللافت أن شبهة تعدّي إدارة الضمان على مهمات اللجنة المالية منذ 10 سنوات، لم يتم تحريكها من أي من الجهات الرقابية في الصندوق، أو حتى من وزارة العمل الوصية عليه، إلى أن أثير الأمر مجدداً في أيار الماضي عندما تلقّى مجلس الإدارة كتاباً من المدير العام يخيّر المجلس إما بأن «يقوم بتعيين لجنة مالية لتحديد أسس الاستثمار لتوظيف الأموال، أو السماح بتوظيف أموال الصندوق بنسبة تزيد عن 50% من الأموال الموظفة منعاً من تراكمها في الحساب الجاري لدى مصرف لبنان». الأعضاء الأربعة في مجلس الإدارة يرون في هذا السلوك طلباً لـ«رفع مسؤولية الإدارة، وأخذ العلم بما قامت به خلال كلّ المدة الماضية» بحسب ما قال أحد الأعضاء الأربعة لـ«الأخبار». وهم يرون أن كتاب الإدارة ينطوي على «محاولة لتحصيل براءة ذمة عن إدارة الأموال منذ عام 2013»، ويعتقدون أن محاولات الإدارة لغسل يديها من التصرف بمال عام هو «محاولة فاشلة»، إذ لا يملك المجلس صلاحية الحلول محل اللجنة المالية في توظيف أموال الصندوق، أو تعيينها، وبالتالي لا يمكنه تفويض صلاحيات لا يملكها. لذا فنّد الأعضاء الأربعة طلب الإدارة محدّدين 16 مخالفة ارتُكبت على مدى 11 سنة. يلخّص غصن هذه المخالفات بالإشارة إلى أن «الإدارة كلّفت نفسها بالاستثمار، ولم تُسجّل القيود». ويعتقد أنه كان على الإدارة «ترك الأموال من دون استثمار، إذ لا صلاحية للتصرف بالمال العام لا للإدارة ولا للمجلس».
ولكن حتى مع بداية الأزمة المالية والمصرفية في لبنان، وخسارة أموال الضمان 96% من قيمتها، واصلت الإدارة ما يصفه الأعضاء الأربعة بـ «التجاوزات»، إذ عمدت إلى توظيف أموال بالدولار وصلت قيمتها إلى 507 ملايين دولار، وجُمد 89 مليوناً منها في حسابات جارية في مصرف لبنان حتى 30 حزيران الماضي فيما هناك 418 مليوناً موجودة في حسابات جارية لدى المركزي أيضاً. اللافت أن إدارة الضمان لم تُطلع مجلس الإدارة أو وزير العمل، على ما يحصل، ولم تقدم إيضاحات حول علاقة التوظيفات بالحسابات الجارية في المركزي. «لا نعرف عن الأموال شيئاً»، يقول غصن. قالت لنا إدارة الضمان في الاجتماع الأخير، «إنّها توظف وتحرّك الأموال، وإما أن تقولوا لي أكملي، أو تتحملون مسؤولية وضع الأموال من دون فائدة»، يضيف غصن. لذا، يسأل: «هل إن التوظيف الآن آمن، وما الضمانة بأن تبقى أموالنا موجودة، ولماذا نريد دعم المصارف بالليرة بأموال المضمونين، فبسبب النقص في العملة الوطنية، ترتفع فائدة الإنتربنك إلى أكثر من 100%، فهل نستغل وارداتنا بالليرة لتسيير أمور المصارف لجهة السيولة؟».
ولتبرير تصرفاتها، استندت الإدارة قانونياً إلى آخر قرار اتخذته اللجنة المالية عام 2013، قبل نهاية ولايتها. حينها، قررت توظيف الأموال التي تجمعها من الإيرادات وفقاً للآتي:
- استثمار 80% من الأموال بالليرة، توضع 50% منها في المصارف لمدة 12 شهراً، و50% في سندات خزينة الدولة.
- استثمار 20% بالعملات الأجنبية على شكل ودائع قصيرة الأجل لمدة 12 شهراً، والشراء مباشرة في سوق اليوروبوند.
ولكن «قرار اللجنة المالية الأخير قبل نهاية ولايتها ليس نظاماً دائماً»، بحسب فضل الله شريف، بل «ينحصر تنفيذه ومفعوله بالسنة اللاحقة فقط». بالتالي، «لا يعدل النصوص القانونية التي لم تلتزم إدارة الضمان بها». فلم تنظّم عمليات محاسبة التوظيفات وفقاً للعرف التجاري، ولم تعد توزيع التوظيفات سنوياً، ولم تمسك بالحسابات، وأخفت نتائجها من الموازنة العمومية، من دون تبيان نتائج كلّ صندوق مستقل. لذا، «يفرض طلب إبراء الذمة المقدّم تسجيل القيود بشكل صحيح، لا قطع الحساب من دون تفاصيل»، يضيف غصن.
84997 مليار ليرة هي قيمة الموجودات المالية لفرع تعويض نهاية الخدمة في الضمان لغاية حزيران 2024 بحسب التقرير المالي الصادر عن الصندوق، وهي تعادل 946.5 مليون دولار وفق سعر صرف السوق ومنها 508 ملايين دولار اشترتها إدارة الضمان في بداية الأزمة بمبلغ 2051 مليار ليرة بمعدل 4 آلاف ليرة للدولار. وهذه الموجودات موظّفة على شكل سندات خزينة بقيمة 16350 مليار ليرة إضافة إلى 13512 مليار ليرة في حسابات مجمّدة في المصارف التجارية، و89 مليون دولار في حسابات مجمّدة بالدولار و418.9 مليون دولار في حسابات جارية بالدولار. ويضاف إلى هذه المبالغ موجودات غير سائلة هي عبارة عن عقارات يملكها الصندوق في حوش الأمراء في زحلة ومبنى في منطقة الباشورة وعقارات في البوشرية فضلاً عن مساهمة بسيطة من الصندوق في مصرف الإسكان.
أنشأت المادة الثانية من المرسوم 12180، الصادر عام 1969، اللجنة المالية في الضمان. وشكلت اللجنة من 6 أعضاء، على رأسهم مدير عام وزارة المالية، ومعه مدير عام الضمان كعضو مقرّر، وممثل عن مجلس الإنماء والإعمار، ومندوبان عن مجلس إدارة الصندوق، ومندوب عن جمعية المصارف. وتعيّن اللجنة بمرسوم يصدر عن مجلس الوزراء، بحسب المادة 13 من المرسوم نفسه. وحدّدت ولاية اللجنة بأربع سنوات قابلة للتجديد. ورسم المرسوم بدقة مهمات اللجنة المالية، وهي «القيام بتوظيف أموال الصندوق لآجال قصيرة ومتوسطة وطويلة». وفرض عليها عرض التوظيفات سنوياً على مجلس إدارة الضمان لاتخاذ القرار.
ووضع نظاماً خاصاً لكلّ توظيف مالي، وأوجب المصادقة عليه من مجلس الإدارة. كما حدّد المرسوم أحكام النظام المالي للجنة، وفتح حسابات خاصة لمخصّصات التوظيف، وحدّد مهمة كلّ منها.
ثمة الكثير من الروايات المتناقلة على ألسنة أعضاء في مجلس إدارة الصندوق عن توظيف أموال الضمان بطرق ملتوية وتنفيعات وسمسرات بأرقام هائلة تشبه ما جرى اكتشافه في حساب الاستشارات لدى مصرف لبنان، لكن لم تظهر أي دلائل على حصول أمر كهذا. رغم ذلك، يشير المطلعون إلى أن الثغرة التي أمكن استغلالها لحصول مثل هذه التنفيعات والسمسرات، إن حصلت، تكمن في اختيار المصارف التي سيتم توظيف الأموال فيها. فمن يختار هذا المصرف أو ذاك؟ من يحدد المبلغ الذي سيتم توظيفه في المصرف المختار؟ على أي أسس وقواعد؟ هل كانت هناك دراسات جدوى ومخاطر لهذا الأمر أم إنه كان يتم باستنسابية وبقرارات إفرادية؟ هل كانت هناك رقابة جدية وفعلية من اللجنة الفنية السابقة على هذا الموضوع؟ هل كان هناك تواطؤ من أعضاء في مجلس الإدارة للسكوت عن كل مسار توظيف الأموال؟ هذه الأسئلة التي يتوجب الإجابة عنها في أي تدقيق، ومنها يتم الانطلاق نحو تدقيق معمّق في الحسابات المصرفية بعد تحديد المتواطئين، ثم رسم خريطة لانتقال الأموال في الحسابات المصرفية بين الضمان وبين المصرف والمتواطئين.