جاء في جريدة "الاخبار":
عقب عملية التفجير الأولى لأجهزة «البايجر»، الثلاثاء، توقّفت عمليات المقاومة عند الحدود الجنوبية في ما بدا «هدنة» غير معلنة استمرّت نحو 24 ساعة، قبل أن تعاود المقاومة تفعيل عملياتها، وبوتيرة مكثّفة، أول من أمس. وليست هذه المرة الأولى التي تعمد فيها المقاومة إلى هذا التكتيك، إذ قامت بذلك عقب اغتيال القائد في المقاومة فؤاد شكر وفي مناسبات أخرى. والهدف من هذه الساعات، وهذه المرة أكثر بكثير من يوم الاغتيال، تقييم الوضع والخسائر وتأثيراتها، والبحث في الخطوات التالية، واتخاذ القرارات المناسبة بحسب نتائج التقييمات. كل ذلك جرى خلال اليومين الماضيين، إلى أن خرج الأمين العام لحزب الله، السيد حسن نصرالله في خطابه أمس، وقدّم رواية واضحة لما حدث، ووضع الأحداث ضمن سياقها العسكري والسياسي، وفتح الباب لما هو آتٍ، مؤكداً استمرار جبهة الإسناد بفاعلية وقوة، ومعلناً أن التحدّي الآن بين المقاومة والعدو هو منع الأخير من إعادة المستوطنين إلى مستوطناتهم الشمالية.وافتتحت المقاومة يوم أمس بهجومين جوّيين بسربين من المُسيّرات الانقضاضية على مرابض مدفعية العدو في بيت هلل، وعلى المقرّ المستحدث لقيادة اللواء الغربي في يعرا، إضافة إلى استهداف نقطة تموضع لجنود العدو الإسرائيلي في موقع المرج بالصواريخ. وقُتل جندي من الكتيبة 51 في لواء «غولاني»، بصاروخين مضادّين للدروع أُطلقا على سلسلة «جبال راميم» الحدودية، أصابا قوة عسكرية إسرائيلية كانت تعمل في المنطقة، كما أُصيب 8 جنود آخرين بإصابات مختلفة، بعضها خطير. في حين قُتل ضابط في الكتيبة 299 في اللواء الإقليمي «برعام»، عندما كان يركض للاحتماء من طائرة مُسيّرة، «لكن الوقت لم يسعفه وأُصيب جندي آخر معه»، بحسب بيان جيش العدو. وأثار مقتل الضابط والجندي، وإصابة نحو 10 جنود خلال ساعات قليلة، إضافة إلى دخول المُسيّرات أجواء المستوطنات وانفجارها بأهدافها من دون انطلاق صفارات الإنذار، تساؤلات في إسرائيل حول قرار لحزب الله بتكثيف قتل الجنود الإسرائيليين، وعدم الاكتفاء باستهداف المواقع والثكنات العسكرية، كاستجابة سريعة للمرحلة الجديدة من الحرب، وإثباتاً لقدرته على تجاوز الضربة التي تلقّاها، والخروج منها بشكل أقوى وأداء أكثر فاعلية. ويضاف إلى ذلك ما كشفه جيش العدو عن تسلّل مقاتلين من لبنان إلى الحدود مع فلسطين المحتلة، حاولوا زراعة عبوات متفجّرة، قبل أن يتمّ اكتشافهم وإطلاق النار تجاههم، من دون أن يعلن هويّتهم أو مصيرهم.
واستهدفت المقاومة ثكنات شوميرا ومعاليه غولاني وزرعيت وأدميت وثكنة يعرا، ومقر قيادة الكتيبة في ثكنة ليمان، برشقات من صواريخ «الكاتيوشا»، ومواقع السماقة والمالكية وحانيتا وراميا بقذائف المدفعية. ومساء أمس، قصفت المقاومة موقع المطلّة بصلية من صواريخ «فلق». وتحدّث رئيس بلدية المطلة، ديفيد أزولاي، عن «حادثة عنيفة في المطلة»، فقد «سقطت عدة صواريخ، وألحقت أضراراً بعدة منازل وأشعلت حرائق كبيرة، وأدّت إلى إصابة جندي». كما تحدّث عن «دمار هائل وحرائق وأضرار مباشرة في المباني»، مضيفاً: «لم أرَ شيئاً كهذا منذ بداية الحرب». ووصّف مراسل صحيفة «يديعوت أحرونوت» في الشمال، المشهد، بأن «مستوطنة المطلّة تدخل في سيناريو «ألتا»، حيث لا كهرباء ولا اتصالات».
قارب عدد الغارات التي نفّذها طيران العدو نحو 100 في جنوب النهر
في المقابل، شنّ العدو الإسرائيلي حملة قصف جوّي مكثّفة وموسّعة، على دفعتين، طاولت مناطق مختلفة جنوب نهر الليطاني، إضافة إلى منطقة المحمودية ومرتفعات الريحان. وقارب عدد الغارات التي نفّذتها طائرات العدو نحو 100. وزعم المتحدّث باسم الجيش الإسرائيلي، أن طائرات جيشه «هاجمت حوالي 100 منصة إطلاق وبنى تحتية عسكرية إضافية، تضم حوالي 1,000 فوهة إطلاق كانت جاهزة للإطلاق الفوري». لكن، في الإعلان نفسه، طلب المتحدّث «من سكان صفد ومحيطها وكل شمال ووسط الجولان وكل الجليل الأعلى وإصبع الجليل والجليل الغربي، وصولاً إلى عمق 20 كيلومتراً البقاء قرب الملاجئ، حتى إشعار آخر». وهو ما يؤشّر إلى تحسّب العدو من ردّ واسع للمقاومة يطاول المناطق المذكورة. وإلى ساعات مساء أمس، لم تكن غارات العدو المكثّفة أدّت إلى استشهاد أيّ مقاومين أو مدنيين، حيث تركّزت على مناطق حرجية وأودية وجبال.
وفي موازاة ذلك، كثّف الإعلام الإسرائيلي بثّ الرسائل حول التصعيد في الشمال، و«حرب لبنان الثالثة» التي باتت وشيكة. ونشر تقارير عن توجّه جيش العدو إلى «مضاعفة عدد الهجمات في لبنان كل يوم عن السابق». كما أعلن الجيش الإسرائيلي عن اختتام الفرقة 98 (تشكيل النار)، الآتية من قطاع غزة، اجتماعاً عملياتياً مع قائد المنطقة الشمالية أوري غوردين، إضافة إلى الإعلان عن إجراء مناورات في معسكرات التدريبات في الشمال نهاية الأسبوع الجاري. ونقلت قناة «كان» عن مسؤول إسرائيلي قوله: «نعمل لاستغلال التطورات لدفع حزب الله إلى إعطاء ضوء أخضر لحل دبلوماسي». كما كشفت أن مسؤولين إسرائيليين كباراً خاطبوا إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن بأنهم «يفضّلون حلاً دبلوماسياً في الشمال»، وعبّر هؤلاء عن «اهتمامهم باستغلال أحداث الأيام الماضية لدفع حزب الله لحلّ دبلوماسي»، مشيرين إلى أن «الوقت ينفد».