كتب نيكولاي بلوتنيكوف:
تعتبر المملكة الهاشمية الاردنية من أكثر الدول التي تعاني من الإجهاد المائي في العالم. وتحصل الاردن على المتوسط 70 لترا للشخص الواحد يوميا ، وقد أوصت المنظمه الصحة العالمية للاردن 150 لترا من المياه يومياً. وتستنزف المياه الجوفية بسرعة (في بعض أجزاء البلاد بنخفض المستوى بأكثر من متر سنوياً )، وانخفض هطول الامطار بنسبة 60 بالمئة في السنوات الاخيرة، وجفت ستة من أصل 14 خزانة .ويحدث كل هذا على خلفية النمو السكاني في المملكة وتدفق أكثر من مليون لاجئ سوري.
الى ذلك تعاني الاراضي التي تحتلها إسرائيل في السلطة الفلسطينية وقطاع غزة من أزمة مياه حادة. ويحصل الفلسطينيون على 20 الى 70 لترا يومياً فحسب. وفي الوقت نفسه، يستطيع الاسرائيليون الحصول على 250 لترا من المياه للشخص الواحد يومياً ، وترتفع كمية المياه للمستوطنين الإسرائيليين في الضفة الغربية الى 300 . ووفقا لمنظمة الصحة العالمية، أصبح 97% من المياه في غزة غير صالحة للاستعمال بعد ان فرضت اسرائيل حظر التجول في عام 2006.
ومنذ توقيع اتفاقية السلام بين الاردن واسرائيل بدعم أمريكي في عام 1994، تزود الدولة اليهودية الاردن بما يتراوح بين 25 و50 مليون متر مكعب سنوياً . وفي أواخر تشرين الثاني/ نوفمبر أو أوائل كانون الاول/ ديسمبر في عام 2023، كان من المقرر التصديق على اتفاقية مياه جديدة بين البلدين على هامش المؤتمر الدولي الذي عقد في دبي، والذي يتوخى استبدال الاردنية لزيادة احتياطات المياه في البلاد لمواجهة التصحر.
وكجزء من الصفقة، تقوم الامارات في بناء محطة للطاقة الشمسية في الاردن. وستنتج 600 ميغاوات من الطاقة الشمسية لتصديرها سنويا الى إسرائيل . ومن المقرر تقسيم العائدات بين الامارات والاردن. وفي المقابل، ستقوم اسرائيل بارسال مياه البحر المحلاة من خليج العقبة (200 مليون متر مكعب) الى المملكة . ولكن ، نتيجة الاحداث في غزة، لديهم شكوك حول ما اذا كانت هذه الصفقة ستتم الآن .
ووقفت السلطات الاردنية مع شعوبها في المظاهرات . وأكثر من ثلثي سكان المملكة هم فلسطينيون. لقد تضامنوا مع سكان غزة في المظاهرات التي شاركت فيها عدة آلاف كل يوم جمعة. ويرى معظم الأردنيين أن إسرائيل تشكل أكبر تهديد للأمن القومي للمملكة والعالم العربي بأكمله. وتخشى السلطات أن يخرج الوضع عن نطاق السيطرة وسط تزايد المشاعر المعادية لإسرائيل في البلاد. وقد يفسر هذا تصريح نائب رئيس الخارجية ومجلس الوزراء أيمن الصفدي بأن الاردن لن توقع اتفاقا حول تبادل الطاقة والمياه مع إسرائيل ، لان الاردن ستدعم الشعب الفلسطيني .
تدهورت العلاقة القديمة بين إسرائيل والاردن. وبعد انشاء دولة إسرائيل في عام 1948 واندلاع الحرب العربية الاسرائيلية الاولى، تقاتلت عدة دول من أجل السيطرة على موارد المياه في المنطقة. وفي عام 1955، توصلت سوريا ولبنان والارد واسرائيل الى اتفاق يحصل بموجبه الاردن على 740 مليون متر مكعب من المياه وإسرائيل على 400 مليون متر مكعب من المياه من حوض النهر.
في عام 1964، بنت إسرائيل سدين على نهر الاردن، ونقلت المياه الى أراضيها الزراعية بواسطة شركة المياه الوطنية التابعة لها، مما ادى الى سرقة المياه على نطاق واسع. كما بنت سوريا سدود على المجرى العلوي لنهر اليرموك، مما أدى إلى نقل المياه من نهر الاردن. وأدت الى انخفاض تدفقه الى أقل من 200 مليون متر مكعب، وهذا بسبب نهر الملوث في الاردن الذي لا يمكننا استخدامه للري.
أصبحت المياه سلاحا في الصراعات في الشرق الأوسط . واحتلت إسرائيل الكثير من المناطق الغنية بالمياه : نهر الاردن ، وبحيرة طبرية ، ومرتفعات الجولان. ونتيجة لذلك، سمحت المياه المحولة بتحويل صحراء النقب الى منطقة زراعية.
منذ عام 2005، نجحت إسرائيل في تطوير تقنيات جديدة. وبنت الكثير من محطات تحلية المياه التي جعلت مياه البحر صالحة للاستهلاك البشري، وأصبحت ناجحة على مستوى العالم في مياه الصرف الصحي التي هي صديقة للبيئة في إدارة وإعادة تدوير النفايات والتقنيات. ومن مليارين متر مكعب من المياه التي تحتاجها البلاد في هذا العام، يتم انتاج نصفها بواسطة تحلية المياه وإعادة التدوير.
تثير السيطرة الإسرائيلية على موارد المياه الاردنية والفلسطينية احتجاجات في المملكة. وتزعم منظمات حقوقية أن الفلسطينين يعيشون تحت "احتلال مائي" ، ويحرمهم الجيش الإسرائيلي من الوصول الى نهر الاردن وآبارهم وينابيعهم، ويضطرون الى شراء المياه من شركة "ميكوروت" الإسرائيلية بأسعار مرتفعة. ووفقا لعدد من الباحثين العرب، فإن 85 بالمئة من موارد المياه الفلسطينية تقع تحت السيطرة الإسرائيلية .
ومنذ أن بدأت إسرائيل عمليتها في قطاع غزة، أصبح وضع المياه كارثة ، ويحصل السكان على أقل من ثلاثة لترات يوميا. ومن أجل البقاء، يضطرون الى جمع مياه الامطار. وأدت ظروف الصرف الصحي السيئة إلى زيادة في أمراض الجهاز الهضمي . ووفقا آخر الارقام فقد وصل عدد المرضى الى 360 ألف شخص، ومن بينهم الكثير من الأطفال وكبار السن.
إن مشاكل إمدادات المياه ليس فحسب في الاردن وفلسطين . ولكن أيضًا في منطقة الشرق الأوسط كما كلهم تحتاج الى حل صعب. إذا لم يتغير الوضع بحلول نهاية عام 2100، سينخفض استهلاك الفرد من المياه الى النصف من المستوى الحالي في الكثير من بلدان الشرق الأوسط.
يمكن حل الوضع من خلال التقنيات الحديثة لتنقية المياه البحر، وتحلية المياه، ومعالجة مياه الصرف الصحي ،واعادة استخدامها لكي تلبي الاحتياجات المائية لبلدان المنطقة. لتحقيق هذا الهدف ، تحتاج إسرائيل الى وقف سياستها العدوانية تجاه جيرانها ، والاعتراف بحق الفلسطينين في إقامة دولتهم داخل حدود عام 1967، وعرض التعاون المتبادل المنفعة على اادول المجاورة في مجال توفير الموارد المائية. ويمكن أن تصبح دبلوماسية المياه أساساً للاستقرار في الشرق الأوسط.