عاجل:

"الغارديان": وصلت أختي إلى نقطة الانهيار في مخيم جباليا ما الذي يتطلبه الأمر لوقف هذا الكابوس؟

  • ٣٠

إيست نيوز ـ ترجمة باسم اسماعيل

عائلتي محاصرة في مخيم جباليا للاجئين في مساحة لا تزيد مساحتها عن 1.4 كيلومتر مربع مع أكثر من 119,000 لاجئ آخر حيث تتمركز الدبابات الإسرائيلية على بعد 500 متر فقط. إنهم محاصرون وطائرات بدون طيار تحوم فوقهم باستمرار وقناصة يجثمون في كل زاوية ويراقبون دائماً. إنه أسوأ من الكابوس وأسوأ من الخيال البائس. لم يغادر والداي وأختي وعائلتها وإخوتي الثلاثة وعائلاتهم منزلهم منذ أيام باستثناء بعض المحاولات اليائسة والمرعبة للعثور على الماء. في إحدى المرات وبفضل الحظ المحض تمكنوا من الحصول على بعض الماء وفي مرة أخرى انتظروا في الطابور لأكثر من ثماني ساعات مؤلمة إلا أن المياه نفدت قبل أن يصلوا إلى المقدمة.

في كل مرة أتحدث إليهم كل يومين وإذا كنت محظوظاً واستطعت الوصول إليهم يمكنني سماع الخوف الذي يسيطر على أصواتهم ورعبهم الذي يتسرب عبر الهاتف. إنهم يعيشون في جحيم فالقصف لا هوادة فيه والانفجارات تهز الأرض تحت أقدامهم.

يوم الخميس قتلت الغارات الإسرائيلية 28 شخصاً من بينهم أطفال في مدرسة في جباليا. أخبرتني عائلتي أنه في كل مرة يحدث فيها شيء كهذا فإن الانفجارات تصم الآذان لدرجة أنك تشعر وكأن الأرض نفسها تنفجر. إنه هجوم مستمر وعنيف وليس لديهم أي فكرة عن مكان الضربة التالية ولا يعرفون أي منزل من جيرانهم سيسوى بالأرض بعد ذلك أو ما إذا كان منزلهم سينهار من حولهم. إنهم محاصرون في منزلهم ويستبد بهم الخوف من احتمال تعرضهم للقتل في أي لحظة واحتياطاتهم الضئيلة من الطعام والماء تتضاءل. إنهم يخشون ألا ينتهي هذا الكابوس هذا الحصار وأن يُتركوا ليموتوا جوعاً أو يُقصفوا حتى النسيان دون أن يأتي أحد لمساعدتهم.

قبل بضعة أيام تحدثت إلى أختي في مخيم جباليا لقد انهارت في البكاء وأخبرتني أنها لم تعد قادرة على التحمل أكثر من ذلك وأنها تريد الموت. لقد ظلت تبحث لأيام عن الأدوية الأساسية (الباراسيتامول والإيبوبروفين) لكنها لم تجد شيئاً كانت منهكة حتى النخاع ووصلت إلى نقطة الانهيار وماذا عساي أن أقول لها عبر الهاتف وأنا على بعد آلاف الأميال وأنا في منزلي في لندن؟

كان عليّ أن أحبس دموعي وأجبر نفسي على أن أبدو قوي وأن أطمئنها أن الأمور ستكون على ما يرام وأن الأمور ستتحسن ولكنني أعلم في أعماقي أنني أكذب عليها وأن الأمور قد لا تتحسن على الإطلاق. قد تظن أنه عندما يصل الرعب إلى هذا المستوى لا يمكن أن تسوء الأمور لكنها دائماً ما تسوء.

مع الغارات الإسرائيلية التي تقصف جباليا الآن اعتقدت أن هذا أسوأ ما يمكن أن يحدث إلى أن شاهدت مقابلة الأسبوع الماضي مع غابور ماتي وهو خبير يهودي في الصدمات النفسية وناجٍ من الهولوكوست لقد كانت كلماته كالصاعقة فقد تحدث عن كيف أنه عندما يغض بقية العالم الطرف عن الوحشية فإن الأمر يزداد سوءاً. هذه الفكرة ترعبني إنها تؤرقني لأنني أرى التاريخ يعيد نفسه لقد رأينا بالفعل الفلسطينيين يُحرقون حتى الموت. ما الذي يجب أن يحدث أكثر من ذلك حتى يهتم العالم؟ ما الذي يجب أن يشهده الغرب أكثر من ذلك قبل أن يتوقف عن تسليح إسرائيل؟ لا شيء يبدو مروعاً بما يكفي لجعل العالم يتوقف عن هذا الجنون.

لقد استنفذت عائلتي مثل العديد من العائلات الأخرى في غزة سبل البقاء على قيد الحياة لقد نفذ منهم الأمل ونفذت منهم سبل التأقلم. إنهم يحاولون ببساطة أن يبقوا على قيد الحياة وأن يصمدوا لأطول فترة ممكنة ولكن إلى متى يمكنهم تحمل ذلك؟ ماذا يمكنهم أن يفعلوا غير ذلك؟

قال ابن أخي: "الأمر أشبه بيوم القيامة .. فالناس يركضون في اتجاهات مختلفة ويضربون بعضهم البعض وهم يركضون ولا يبدو أن أحداً يعرف إلى أين هم ذاهبون". وماذا يمكنني أن أفعل من المملكة المتحدة وأنا أشاهد عائلتي تعاني بلا حول ولا قوة غير قادر على الوصول إليهم وغير قادر على حمايتهم؟ أستيقظ كل صباح وأنا خائف من الأسوأ مرعوب من أن يكون اليوم هو اليوم الذي أتلقى فيه المكالمة اليوم الذي أسمع فيه أن شيئاً ما قد حدث لهم وأنهم رحلوا. أشعر بالعجز التام وتطاردني فكرة أن عائلتي قد تكون التالية وأنهم قد يُقتلون ولن أتمكن من فعل أي شيء حيال ذلك.

حتى هنا في لندن أعيش في خوف دائم أرى دعم الحكومة البريطانية لهذه الإبادة الجماعية التي تتكشف وهذا يصيبني بمرض لا أستطيع وصفه. كيف يمكنهم أن يكونوا غير مبالين بحياة أشخاص مثلي؟ كيف يمكنهم مشاهدة هذا الرعب ولا يفعلون شيئاً؟ كيف يمكنهم الاستمرار في تسليح إسرائيل وكأن حياة عائلتي لا تعني شيئاً؟ كيف يمكن للعالم أن يقف متفرجاً على الفلسطينيين وهم يُذبحون ويُحرقون أحياءً ويُجوّعون ويُقصفون ويُسحقون؟

ماذا حدث للعالم؟ ماذا حدث لإحساسنا بالعدالة واللياقة والرحمة الإنسانية الأساسية؟ كم من المعاناة الإضافية التي يجب أن يتحملها الشعب الفلسطيني قبل أن يقول العالم "كفى" ويتدخل أخيراً لوقف هذا؟ كم عدد الأطفال الذين يجب أن يموتوا قبل أن يهتم العالم؟

أنا خائف على عائلتي وعلى جميع الفلسطينيين وعلى الإنسانية لأننا إذا سمحنا لهذا الأمر أن يستمر، إذا وقفنا متفرجين ونحن نشاهد شعباً بأكمله يُدمَّر فأي أمل لدينا؟ ماذا يقول هذا عنا وعن عالمنا وعن مستقبل أطفالنا؟ إذا لم نتمكن من وقف هذا الأمر وإذا لم نتمكن من المطالبة بالعدالة وإنهاء هذه المعاناة فإننا نكون قد خذلنا ليس فقط الفلسطينيين بل خذلنا البشرية جمعاء.

المنشورات ذات الصلة