كتب عاموس هرئيل في صحيفة "هآرتس":
قدّر بنيامين نتنياهو، واعتقد وأمِل بهذه النتيجة: انتصار ساحق لدونالد ترامب في انتخابات الرئاسة الأميركية. إلّا إن تداعيات الأمر قد تكون معقدة، بل متضاربة في بعض جوانبها، فلطالما كان ترامب لغزاً محاطاً بالغموض: فهو متقلب المزاج، أناني ومن الصعب توقع ردات فعله. وفي نسخته 2025، سيقدم، على الأرجح، نموذجاً جديداً من فترته الرئاسية الأولى: بلا كوابح، أو ضوابط، وتكاد تكون من دون أيّ جنرالات متقاعدين حوله ممن يعتقدون – بلا جدوى – أنهم قادرون على السيطرة عليه، كما كانت عليه الحال قبل ثمانية أعوام.
ما من فائدة من التكهن بسياسة الرئيس المقبل الخارجية في هذه المرحلة المبكرة. عدد من الأشخاص المقربين منه، مثل مايك بومبيو، هم من مؤيّدي إسرائيل ومحبّي نتنياهو. لكن، في ولايته الأولى، كانت السياسة الخارجية لإدارته متناقضة في أساسها. أظهر ترامب ميولاً إلى الانعزال، ورفضاً شديداً للاستثمار الأميركي في حماية حلفاء أميركا، وعدم الرغبة في التورط في حروب جديدة وغير ضرورية. في المقابل، تبنّى ترامب حجج نتنياهو، وانسحب من الاتفاق النووي مع إيران، وهو ما جعل النظام في طهران أقرب من أيّ وقت مضى إلى إنتاج قنبلة نووية.
الأمر المؤكد هو أن الإيرانيين يخشون ترامب، بسبب طبيعته غير المتوقعة. من المحتمل أن ينعكس ذلك في إعادتهم النظر في استراتيجيتهم المستقبلية. سيتعين على إيران فعلاً أن تفكر ملياً في تنفيذ تهديداتها بإطلاق هجمات صاروخية وطائرات مسيّرة أُخرى ضد إسرائيل، بعد الضربة الإسرائيلية الأخيرة في 26 تشرين الأول/أكتوبر.
لطالما عبّر ترامب عن دعمه لإسرائيل، علناً، وأظهر تعاطفاً شخصياً مع نتنياهو. ففي تشرين الثاني/نوفمبر 2020، حدثت أزمة استثنائية عندما غضب من نتنياهو الذي اتصل لتهنئة جو بايدن بفوزه في الانتخابات الرئاسية (تعلّم نتنياهو الدرس، وكان من أوائل مهنّئي ترامب، بمجرد أن أصبح فوزه واضحاً). في المقابل، بعد "المجزرة" في 7 أكتوبر، وصف ترامب الإسرائيليين (وخاصة وزير الدفاع يوآف غالانت، الذي أقاله نتنياهو أول أمس) بأنهم "خاسرون" بسبب مفاجأة "حماس". ثم دعا إلى إنهاء الحرب في غزة، وأكد في الأيام الأخيرة، قبل الانتخابات، ضرورة إنهاء القتال في لبنان.
إن سِجل ترامب في الشأن الإسرائيلي معقد أكثر مما يتذكره البعض. لذا، يأتي المديح والثناء في غير أوانهما الآن. سيهتم ترامب أولاً بمصالحه، وهذه المصالح قد لا تتماشى دائماً مع توقعات ائتلاف نتنياهو. إن الدول التي ينبغي أن تكون قلقة بشكل خاص هي تلك الموجودة على الخط الأمامي ضد أعداء الغرب، وفي مقدمتها تايوان (ضد الصين) وأوكرانيا ودول بحر البلطيق (ضد روسيا). لم يخفِ ترامب قط إعجابه بالديكتاتوريين، حتى بأولئك "الغريبي الأطوار"، مثل زعيم كوريا الشمالية. لقد تحقق صمود أوكرانيا في وجه الغزو الروسي "الوحشي" مدة تزيد عن عامين ونصف بفضل الدعم الأمني والاقتصادي الذي قادته إدارة بايدن. من المتوقع أن يتصرف ترامب بطريقة مختلفة. ليس من المستغرب أن يزداد التوتر في أوروبا – وهناك مَن يتحدث عن خطر حقيقي على نهاية عصر الديمقراطيات الليبرالية الغربية.
هناك قضية واحدة لن تشغل ترامب على الإطلاق، وهي الانقلاب القضائي في إسرائيل. في سنة 2016، بعد فوز ترامب الأول، ذُكر أن نتنياهو طلب من مساعديه "أن يكونوا مثل ترامب"، وطالبهم باتباع نهج أكثر عدوانيةً في مواجهة الخصوم السياسيين والردود على الصحافة. المثال الأبرز كان رداً طويلاً وعنيفاً من مكتبه على تحقيق أجرته الصحافية الإسرائيلية إيلانا ديان في برنامج "عوفدا" [برنامج تحقيق استقصائي إسرائيلي شهير]. يبدو أن نتنياهو، من كانون الثاني/يناير فصاعداً، لن يكون بحاجة إلى القلق من الإدانات الأميركية له في الوقت الذي يواصل الدفع في اتجاه تشريعات مناهضة للديمقراطية هنا. فهذا النهج الصارم الذي اتبعته إدارة بايدن ضد خطواته، بما في ذلك التدخل الصارخ في الشؤون الداخلية الإسرائيلية، لن يتكرر مع ترامب الذي يحلم بمزيد من الصلاحيات الأوتوقراطية.
عائق آخر تمت إزالته قبل يومين، هو غالانت. في المرة السابقة، في شهر آذار/مارس من العام الماضي، كانت إقالة غالانت عبارة عن ردة فعل من نتنياهو على تحذيرات وزير الدفاع من الضرر الذي تُلحقه الإصلاحات القضائية بقدرة الجيش على تنفيذ عملياته بكفاءة. إلاّ إن رئيس الوزراء اضطر، حينها، إلى التراجع عن قراره تحت ضغط احتجاجات جماهيرية هائلة. هذه المرة، بات الوضع مختلفاً. فعلى الرغم من وجود تظاهرات كبيرة مجدداً، فإنه من الواضح أن زخم الاحتجاجات قد تراجع، على الرغم من أن تصرفات الحكومة أصبحت أكثر خطورة. لا يُتوقع من يسرائيل كاتس، في وزارة الدفاع، عرقلة الخطط الجذرية التي يسعى نتنياهو لتنفيذها. كاتس لن يدعم رئيس الأركان هرتسي هليفي، أو كبار ضباط الجيش ورئيس جهاز الشاباك رونين بار، عندما يواصل نتنياهو جهوده لتحميلهم المسؤولية الكاملة عن إخفاق "المذبحة".
من المثير في هذا السياق ما حدث في الأستوديوهات، بعد نحو ساعة على بثّ تقرير عمّيت سيغال في القناة 12 بشأن رسالة الإقالة التي أرسلها نتنياهو إلى غالانت. إذ جرى تبليغ الصحافيين أن رئيس الوزراء يفكر في إقالة هليفي وبار قريباً. وأصدر مكتبه بياناً أفاد بإجراء محادثات بين نتنياهو ورئيس الأركان، ورئيس جهاز الشاباك، ورئيس الموساد دافيد برنياع، أكد لهم خلالها أنه "يتوقع استمرار العمل المشترك مع وزير الدفاع الجديد". وفي الوقت نفسه، ربما اعتقاداً منه أنه ذهب بعيداً جداً، أصدر المكتب نفياً: "إن التقارير المتعلقة بنية رئيس الوزراء إقالة كبار المسؤولين غير صحيحة، وتهدف إلى بث الانقسام والتفرقة". وهذا الأمر تبدو موثوقيته بمقدار موثوقية ادعاء مكتب نتنياهو قبل أيام أن إيلي فلدشتاين المعتقل والمتحدث باسم نتنياهو [على خلفية قضية التسريبات] لم يعمل حقاً لمصلحة نتنياهو.
يبدو أن هذه المرة أيضاً، جرى حرق أسماء في المنظومة الأمنية، ومن هنا، جاء التراجع السريع من نتنياهو. لكن مع ذلك، وصلت الرسالة التهديدية إلى رئيس هيئة الأركان ورئيس الشاباك: عليكما الالتزام بالخط، أو ستتم إقالتكما أيضاً.
هناك قضيتان مُلحتان: جهود نتنياهو من أجل تمرير تشريع يتجاوز غالانت، ويضمن استمرار إعفاء المتدينين من الخدمة العسكرية، وهو ما يؤمّن بقاء حكومته؛ واستمرار التحقيقَين الجاريَين في مكتب رئيس الوزراء – في قضية فلدشتاين ومزاعم تزوير محاضر الاجتماعات في بداية الحرب. الأسماء التي تم ذكرها ذات صلة بكلا الأزمتين: بار للتحقيق في قضية فلدشتاين، وهليفي للتشريع الخاص بالإعفاء من الخدمة. ليس مجرد تشريع عادي، بل قانون يضمن استمرار الضغط غير المحتمل على جنود الاحتياط، الذين خدم كثيرون منهم أكثر من 200 يوم في الجيش خلال العام الماضي. بعد إقالة وزير الدفاع والتهديد بإقالة كبار المسؤولين الآخرين، يبقى السؤال: ماذا سيتطلب الأمر لإخراج مئات الآلاف من الإسرائيليين إلى الشوارع؟