قفزت مفاجأة سياسية بارزة في اليوم الثاني إلى الواجهة مع تصدّر ملف انتخابات رئاسة الجمهورية المشهد الطالع من الحرب. ولعل ما حصل في هذا السياق أكد المعطيات التي واكبت ولادة اتفاق وقف النار، والتي أشارت إلى أن مقدمات الجهود الأميركية والفرنسية لإنهاء الحرب استبطنت مشاورات سرية وضغوطاً لاستكمال إعلان وقف النار باستعجال انتخاب رئيس للجمهورية في لبنان ايذاناً بترميم الوضع المؤسساتي الدستوري وقيام حكومة بحيث يتعذر بل يستحيل المضي في تحصين التسوية التي أنهت الحرب والحصول بعدها على مساعدات خارجية لاعادة الإعمار ودعم تسليح الجيش اللبناني وتقويته إلا بوضع مؤسساتي كامل.
ولذا اكتسب الحضور السريع للموفد الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان إلى بيروت بعد ساعات من إعلان وقف النار دلالات مهمة إذ اندفعت باريس بالتنسيق مع واشنطن لاستعجال انجاز الاستحقاق الرئاسي، ويبدو أن أجندة لودريان، بدفع قوي وشخصي من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، كانت تهدف إلى انجاز الاستحقاق في أقرب موعد ممكن. ولكن رئيس مجلس النواب نبيه بري سارع إلى إعلان تحديد التاسع من كانون الثاني (يناير) موعداً للجلسة الانتخابية الرئاسية فيما كان العديد يميلون إلى توقع موعد أقرب نظراً إلى الاعتبارات الكارثية التي خلفتها الحرب.
ومع ذلك يمكن إيراد أسباب ودلالات أساسية ارتسمت وراء تحديد بري لهذا الموعد، وأبرزها، أولاً أنه أراد ترجمة تعهداته في الفترة الأخيرة بإنجاز الانتخاب لاحتواء زلزال سياسي يُدرك تماماً أن البلد سيقبل عليه إذا تمادت تداعيات الحرب من دون احتواء، فكان أن أعلن غداة إعلان وقف النار الموعد لانتخاب الرئيس. ثم إن بري أعلن الموعد في مطلع جلسة التمديد لقائد الجيش العماد جوزف عون والقادة الأمنيين والعسكريين مستبقاً اجتماعه بالموفد الفرنسي الذي وصل إلى المجلس وحضر جانباً من المناقشات، لئلا يُفسر تحديد الموعد لاحقاً بأنه جاء تحت إلحاح وضغط الموفد الفرنسي. أما إطالة أمد موعد الجلسة الانتخابية إلى التاسع من كانون الثاني، فبدا بمثابة رسالة حمّالة أوجه، أولاً لجهة افساح المجال لمدة أربعين يوماً للتوافق على الرئيس العتيد، وثانياً، وهنا الأهم للإيحاء بأن الثنائي الشيعي راغب في فتح صفحة توافقية ولكنه لا يريد الظهور في موقف ضعيف أو متراجع.
أما لودريان، فأكد الذين التقوه من النواب أنه استعجل انتخاب رئيس الجمهورية خصوصاً في ظل تداعيات الحرب، ولكنه لم يفصح عن أي أسماء لمرشحين ولو أن “طيف” المرشح التوافقي طغى على معظم اللقاءات التي عقدها. وشدد في أحاديثه على أن الطريق أصبح معبداً لاعادة بناء الدولة وأنها فرصة تاريخيّة.
وبعد لقائه الرئيس بري عقب جلسة التمديد، اجتمع لودريان مع رئيس الحكومة نجيب ميقاتي وشدد على أنه “بعد كلام الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون من أنّ استعادة سيادة لبنان تتطلّب انتخاب رئيس للجمهورية من دون تأخير، أردت القيام بهده الجولة لاستطلاع الاوضاع والبحث مع مختلف الأطراف في إمكان التفاهم على انتخاب رئيس، خصوصاً وأن رئيس مجلس النواب نبيه بري دعا إلى جلسة انتخاب في التاسع من كانون الثاني المقبل”. وهو عقد سلسلة لقاءات في بيروت شملت كتلة “تجدد” ونواب معارضين و”اللقاء التشاوري المستقل” والنائب نعمة افرام واتصل برئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل الموجود في الخارج، ثم زار معراب والتقى رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع ثم رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي سابقاً وليد جنبلاط .
واتصل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مساء بكل من الرئيسين بري وميقاتي وعرض معهما مجريات تنفيذ اتفاق وقف النار والوضع اللبناني.
مواقف
وبرزت مواقف لافتة بعد جلسة مجلس النواب، إذ أعلن عضو كتلة “الوفاء للمقاومة” النائب حسن فضل الله أن “كتلتنا جاءت لتقوم بما عليها ولتأكيد التمسك بالجيش الذي قدّم دماءً وكان إلى جانب أهلنا، وصوّتنا لمصلحة الجيش كي لا يكون هناك شغور في قيادته وصوّتنا أيضاً لمصلحة العمداء والقوى الأمنيّة، فالجيش هو صمّام السلم الأهلي ونريده أن يكون قوّياً”، مؤكّداً أنّه “لن يكون هناك أيّ مشكلة بين المقاومة والجيش بل تعاون، ونحن نريد أن تبسط الدولة سلطتها في كلّ مكان وأن تُدافع عن أرضها”.
من جهته، النائب جورج عدوان أوضح باسم “تكتل الجمهورية القوية”، عشية اجتماع مرتقب للتكتل اليوم لمناقشة اتفاق وقف النار، “نحن كتكتل لن نقبل أن يكون هناك بعد اليوم أيّ سلاح خارج الدولة اللبنانيّة ولن نقبل إلّا بأن تستعيد الدولة كامل قرارها في كلّ المناطق وتطبيق القوانين”. ووصف دعوة الرئيس نبيه برّي لجلسة انتخاب رئيس بانها “خطوة مهمّة”، وقال: نحن ندعم قائد الجيش على رأس المؤسّسة العسكريّة، أمّا ترشّحه لرئاسة الجمهوريّة، فهو ملفّ آخر وكل شخص لم يلتزم بكلّ ما قلناه اليوم لن نؤيّده لرئاسة الجمهوريّة”.
وأُفيد أن جعجع تلقى اتصالاً هاتفياً مطوّلاً من وزير خارجية مصر بدر عبد العاطي أكد خلاله الاول أن “حزب “القوات” سيعمل مع الحكومة الحالية لتنفيذ بنود اتفاق وقف النار كاملة من أجل ان تستعيد الدولة اللبنانية سيادتها على كامل أراضيها بقواها الذاتية، وأن تحتكر وحدها السلاح، وأن تكون مسؤولة حصراً عن الدفاع عن لبنان”.