أصبح رئيس النظام السوري بشار الأسد في موقع لا يُحسد عليه إطلاقاً. فعملية "ردع العدوان" للفصائل المسلّحة ما زالت تتمدّد في معظم المناطق حيث تتوغل بسهولة نسبيّاً، بسبب تضعضع صفوف قوات النظام وحلفائها من الأذرع الإيرانية "المعطوبة" من جرّاء المواجهة ضدّ إسرائيل، فضلاً عن إعادة تموضع جيش النظام في مناطق معيّنة تمهيداً لشنّ هجوم مضاد.
ومع خروج ثاني أكبر مدن سوريا، أي حلب، كاملة عن سيطرة دمشق، للمرّة الأولى منذ اندلاع الثورة التي تحوّلت حرباً أهلية، بسقوط كلّ أحيائها باستثناء تلك الخاضعة لسيطرة القوات الكردية، في قبضة "هيئة تحرير الشام" وفصائل حليفة لها، سارع الأسد إلى طلب النجدة خلال لقائه وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي، مؤكداً "أهمية دعم الحلفاء والأصدقاء" في "التصدّي للهجمات الإرهابية المدعومة من الخارج وإفشال مخطّطاتها"، فيما كان الأسد قد توعّد بأن "الإرهاب لا يفهم إلّا لغة القوّة وهي اللغة التي سنكسره ونقضي عليه بها".
ولمس عراقجي خلال زيارته دمشق الوضع السوداوي لحليفه السوري المأزوم، إذ رأى أن الوضع في سوريا "صعب"، لكنّه تعمّد حقن دمشق بـ "المعنويات العسكرية"، زاعماً أن نظام الأسد سينجح في التغلّب على المسلّحين مثلما فعل في الماضي. ووسط التدهور الدراماتيكي في صفوف جيش النظام والميليشيات التي تدور في فلكه، اضطرّ رئيس هيئة الأركان العامة لقوات دمشق العماد عبد الكريم محمود إبراهيم إلى إجراء جولة ميدانية في ريف حماة الشمالي، حيث تفقد بعض المواقع الأمامية التي دُعّمت بتعزيزات عسكرية ضخمة.
وكان لافتاً كلام مسؤول الشؤون العسكرية في لجنة الأمن القومي البرلمانية في إيران النائب إسماعيل كوثري، وهو لواء في "الحرس الثوري"، إذ لفت إلى احتمال إرسال طهران "قوات استشارية" إلى سوريا، معتبراً أن الهجمات في حلب "تهدف إلى قطع طريق الدعم الإيراني لـ "حزب الله" بتخطيط من أميركا وإسرائيل". كما رأى أن الجيش الإسرائيلي سيشن هجوماً جديداً بعد 60 يوماً على جنوب لبنان، لزيادة الضغط على "حزب الله" و"جبهة المقاومة"، بعد إعادة تموضعه.
وفي ما يتعلّق بـ "الحليف الأكبر" لدمشق، أي روسيا، كان معبّراً ما كشفه مدوّنون عسكريّون روس عن إقالة موسكو للجنرال المسؤول عن قواتها في سوريا سيرغي كيسيل. وأفادت تقارير غير مؤكدة بأن الكولونيل جنرال ألكسندر تشيكو سيحلّ مكان كيسيل، في وقت تشنّ فيه مقاتلات روسية وسورية غارات مكثفة على المناطق الخاضعة لسيطرة المسلّحين، مستهدفة خصوصاً أرتال التعزيزات العسكرية في أرياف إدلب وحلب وحماة، ما يؤدّي إلى سقوط قتلى في صفوف المسلّحين والمدنيين على السواء.
وواصل مقاتلو الفصائل تقدّمهم جنوب مدينة حلب وسيطروا على بلدة خناصر في محاولة لقطع طريق الإمدادات الرئيسي لجيش النظام إلى المدينة. كما سيطروا على منطقة الشيخ نجار، وهي إحدى المناطق الصناعية الكبرى في البلاد. وأفاد مصدران في الجيش السوري وكالة "رويترز" بأن عدم وجود عدد كاف من آلاف المسلّحين الشيعة الذين كانت قد أرسلتهم إيران في السابق، أدّى إلى التراجع السريع لقوات النظام.
في الأثناء، اتهمت "الإدارة الذاتية" الكردية، العمود الفقري لـ "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد)، أنقرة، بقيادة الهجوم الذي تشنه الفصائل المسلّحة في سوريا، معلنة التعبئة العامة، بينما انقطعت الاتصالات عن مناطق ريف حلب الشمالي التي تقطنها غالبية كردية تزامناً مع هجوم منفصل عن ذلك الذي تشنّه "هيئة تحرير الشام"، المصنّفة على لوائح الإرهاب الأممية، تقوده الفصائل الموالية لتركيا على المناطق الكردية تحت اسم "فجر الحرّية"، وسط مخاوف من ارتكاب مجازر بحق 200 ألف كردي محاصرين في المنطقة، بعد خطابات الكراهية والحضّ على "ذبح الكرد"، بحسب "المرصد السوري".
وسيطرت فصائل "الجيش الوطني" الذي يدور في فلك أنقرة على مدينة تل رفعت الاستراتيجية في شمال سوريا وعلى قرى وبلدات مجاورة لها، بعدما كانت في أيدي القوات الكردية. كما تخوض فصائل "الجيش الوطني" اشتباكات ضدّ قوات النظام في ريف حلب الشرقي، حيث تمكّنت من التقدّم والسيطرة على بلدتي السفيرة وخناصر الاستراتيجيّتين، إضافةً إلى مطار كويرس العسكري، وفق المرصد.
ويجزم خبراء عسكريون أنّه ما لم تُلبِّ روسيا وإيران مطالب دمشق بإرسال تعزيزات عسكرية سريعة إلى البلاد، فلن يتمكّن جيش النظام من شنّ هجوم مضاد ذي فعالية قريباً. وحذّروا من أن استمرار "زخم" هجوم الفصائل قد يُعطيهم دفعاً للاستمرار بتحقيق مكاسب ميدانية، مشيرين إلى أن مدينة حماة ستكون هدفهم التالي جنوباً، وإن نجحوا في إسقاطها سيفتح الأمر شهيّتهم لإسقاط مدينة حمص، وتالياً "قطع الطريق" ما بين الساحل السوري والعاصمة دمشق، ما سيُهدّد وجود النظام ويُصعّب الموقف على حلفائه.
وفي إسرائيل، أكد رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو خلال زيارته مجنّدين جدداً في الجيش في قاعدة بوسط البلاد، أن تل أبيب تُراقب التطورات في سوريا باستمرار، مبدياً تصميمه على "الدفاع عن مصالح إسرائيل الحيوية، والحفاظ على إنجازات الحرب".