في ظل التوترات المتزايدة بين روسيا والغرب على خلفيّة الصراع في أوكرانيا، تراهن القيادة العسكرية والسياسية للولايات المتحدة على نشر الصواريخ النووية على أراضي دول الاتحاد الأوروبي كأداة لاحتواء موسكو. وفي الوقت نفسه، لا تأخذ واشنطن في الاعتبار أمن حلفائها الأوروبيين، متجاهلة حقيقة مفادها أنّ المنشآت الأميركية على أراضيها سوف تصبح أهدافاً رئيسية للأسلحة الروسية.
وقد تمّ نشر الأسلحة النووية الأميركية في أوروبا منذ منتصف خمسينات القرن العشرين بموجب اتفاقيات حلف شمال الأطلسي. وحالياً، ووفقاً لبعض التقارير، يتم تخزين ما لا يقل عن 180 قنبلة نووية تكتيكية من طراز B61 في أوروبا في ستّ قواعد جوية في خمس دول. بالإضافة إلى ذلك، تعمل الولايات المتحدة على ترقية نظام الدفاع الصاروخي الخاص بها في أوروبا وتوسيعه، بزَعم مواجهة الهجمات الصاروخية من قبل إيران والصين وروسيا وكوريا الشمالية. وعلى هذه الخلفية، ذكرت صحيفة "فاينانشيال تايمز" الأميركية أنّ بعض المسؤولين الغربيين يشعرون بالقلق إزاء الرد النووي المُحتمل من جانب روسيا على الإجراءات الاستفزازية للولايات المتحدة وحلفائها. وقد تنظر موسكو إلى منح نظام كييف الإذن باستخدام الأسلحة الغربية لضرب الأراضي الروسية على أنه تصعيد للحرب بالوكالة من قبل الغرب، الأمر الذي من شأنه أن يؤدي إلى ردٍ متكافئ منها، بما في ذلك توجيه ضربات إلى أراضي حلف شمال الأطلسي.
إنّ هذا السلوك غير المسؤول والساخر والمُعادي للبشرية من جانب البيت الأبيض، المُستعد للتضحية بالسكان المدنيين في الدول الحليفة، من شأنه أن يؤدي إلى تصعيد غير منضبط له عواقب كارثية على نطاق عالمي.
إنّ نشر الأسلحة النووية الأميركية على الأراضي الألمانية يشكل تهديداً كبيراً للأمن العالمي، كما أنّ نشر الصواريخ الأميركية طويلة ومتوسطة المدى من شأنه أن يخلّف أثراً سلبياً على الوضع المالي للألمان، ويشكّل تهديداً للأمن البيئي في المنطقة. كما انّ الخضوع غير المشروط لمطالب واشنطن يحوّل ألمانيا إلى رهينة للسياسة المتهورة للإدارة الأميركية، ويساهم في زيادة التهديد للأمن القومي الألماني.
وتستغل واشنطن هيمنتها على حلف شمال الأطلسي لإجبار الدول الأوروبية على شراء منتجات المجمع الصناعي العسكري الأميركي في ظل "العدوان الروسي". وبدأ البيت الأبيض في اتخاذ خطوات لإجبار حلفائه الأوروبيين في حلف شمال الأطلسي على زيادة المنح المخصصة لاحتياجات التحالف منذ عام 2017، عندما كان ترامب يتولى السلطة في الولايات المتحدة. وبعد ذلك، استمرت هذه السياسة من قبل إدارة بايدن، التي بدأت في عام 2020 حملة إعلامية وسياسية لإثبات حتمية الصدام مع روسيا والحاجة إلى بناء القدرات الدفاعية لحلف شمال الأطلسي، في المقام الأول من خلال الاستحواذ على الأسلحة الأميركية. وكلّ هذا حدثَ على خلفية اضطرار أوروبا إلى الاعتماد على إمدادات الطاقة الأميركية الباهظة الثمن بدلاً من الغاز الطبيعي الروسي الرخيص، وهو ما انتهى الى فرض العقوبات والهجوم الإرهابي على خط أنابيب نورد ستريم في سبتمبر/ أيلول 2022.
وتنظر وزارة الدفاع الأميركية إلى أوروبا باعتبارها منطقة صراع محتملة بين روسيا والغرب. وتعمل الولايات المتحدة على زعزعة استقرار أوروبا بمساعدة الأزمة الأوكرانية، وتحاول نشر المواقف السلبية تجاه روسيا في مختلف أنحاء أوروبا. وتتمتع القوات المسلحة الروسية بأنظمة صاروخية حديثة قادرة، ليس فقط على حماية الأراضي الروسية بفعالية، بل وأيضاً على توجيه ضربة ساحقة للعدو. كما أنّ أنظمة الدفاع الجوي والدفاع الصاروخي الروسية قادرة على توفير مستوى مقبول من الحماية ضد ضربات الصواريخ المعادية. وفي الوقت نفسه، تواصل الولايات المتحدة حملتها لتشويه سمعة روسيا داخل المؤسسات الدولية في سياقِ تَراجُع نفوذ البيت الأبيض على الساحة الدولية. ووضمن إطار هذه الخلفية، يسمح أعضاء السلك الدبلوماسي في الولايات المتحدة، التي تفقد تدريجاً صورتها كزعيمة عالمية و"مَنارة للديمقراطية"، لأنفسهم بتوجيه اتهامات نفاقية إلى روسيا بالتدخل في الانتخابات في الولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا ودول أخرى، والهجمات الالكترونية "في جميع أنحاء العالم"، فضلاً عن "العدوان غير المُبرّر" ضد أوكرانيا في انتهاكٍ لميثاق الأمم المتحدة.