كتب علاء حلبي في جريدة الأخبار:
يستمر الحراك السياسي التصاعدي غير المسبوق حول سوريا، بالتزامن مع تواصل الهجمات التي تنفذها فصائل عديدة بقيادة «هيئة تحرير الشام» (جبهة النصرة – فرع تنظيم القاعدة السابق في سوريا).
وتأتي هذه الهجمات في ظل دعم تركي كبير، وحرب إعلامية غير مسبوقة مكّنت الجماعة المصنفة على لوائح الإرهاب من السيطرة على حلب وبعض المناطق في ريف حماة الشمالي، والتي زجّ الجيش السوري بقوات كبيرة فيها لإنهاء تقدم المسلحين، وبدء استعادة المناطق، بمؤازرة سلاح الجو الروسي – السوري.
وفي وقت كثّفت فيه وسائل إعلام سورية معارضة تنشط من تركيا، وأخرى عربية، بثّ أخبار حول حدوث اختراق في حماة ودخول المسلحين المدينة، نفت وزارة الدفاع السورية صحة هذه الأنباء، مؤكدة أنها تندرج ضمن الحملة الإعلامية الشرسة المرافقة للهجوم.
وفي الوقت نفسه، بثّت وسائل إعلام سورية صوراً حية من داخل حماة التي بدت هادئة بالفعل.
على أن الهجوم الذي تشنه الفصائل المتشددة، والذي كثّفت خلاله استخدام الطائرات المسيرة في محاولة لاستهداف خطوط الجيش السوري والتعزيزات الوافدة لصالحها، تركّز بشكل أساسي حول جبل زين العابدين الاستراتيجي، والذي يشكل بوابة حماة، ويشرف على مناطق تمتد حتى ريف حمص.
ويأتي ذلك في محاولة لتكرار تجربة سابقة نفذها تنظيم «جند الأقصى» قبل نحو 9 أعوام، انتهت باستعادة الجيش السوري الجبل، وتأمين المحافظة، قبل بدء عملية عسكرية حصرت المسلحين في إدلب، لتتوقف الاشتباكات إثر ذلك؛ مع توقيع اتفاقية «خفض التصعيد» بين تركيا وروسيا، ضمن مسار «أستانا» الذي تلعب فيه الدولتان، إلى حانب إيران، دور الضامن.
وعلى خط مواز، تشهد الساحة السياسية حراكاً كبيراً يلعب فيه العراق دوراً بارزاً عبر الاتصالات المستمرة التي يجريها رئيس الحكومة العراقية، محمد شياع السوداني، الذي أكد دعم بلاده للسلطات في سوريا في مواجهة هذه الهجمات الإرهابية.
ومن جهتها، أعلنت إيران، بعد جولة أجراها وزير خارجيتها عباس عراقجي، شملت دمشق وأنقرة، الاتفاق على عقد لقاء وفق «مسار أستانا» في السابع والثامن من الشهر الحالي، في العاصمة القطرية الدوحة، في ما ينبئ بدور تلعبه الأخيرة في هذه الهجمات، تبعاً لعلاقتها المتينة مع التنظيم المتفرع عن «القاعدة».
كما أعلنت طهران استعدادها لإرسال قوات إلى سوريا، في حال طلبت دمشق ذلك، مؤكدة، على لسان المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية، إسماعيل بقائي، أنها أوصلت رسالة واضحة وصريحة خلال زيارة عراقجي إلى دمشق وأنقرة، بشأن دعمها الحاسم لسوريا ضد الإرهاب.
وفي الوقت نفسه، عقد «مجلس الأمن» جلسة بطلب من سوريا - أعلن المندوب الروسي لدى الأمم المتحدة، فاسيلي نيبنزيا، أنها جرت بالرغم من عدم تأييد الغرب لها-، للنظر في الهجمات الإرهابية الأخيرة التي تتعرض لها البلاد، في حين أعلنت «جامعة الدول العربية» عقد جلسة طارئة على المستوى الوزاري يوم الأحد المقبل، بطلب من دمشق.
كما بحث رؤساء الأركان، الإيراني محمد باقري، والعراقي عبد الأمير يار الله، والسوري عبد الكريم إبراهيم، مع وزير الدفاع الروسي، أندريه بيلوسوف، الأوضاع في سوريا، ضمن مساعي هذه الدول لتنسيق جهودها السياسية والعسكرية بمواجهة الهجوم الأخير.
وفي تطور سياسي يمكن اعتباره الأبرز، أكد الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، خلال اتصال هاتفي مع نظيره التركي، رجب طيب إردوغان، دعم موسكو للسلطات السورية في استعادة سيطرتها، مشدداً على ضرورة وقف هذه الهجمات بالسرعة القصوى.
وبحسب بيان للكرملين، أكد بوتين خلال الاتصال الذي جرى بمبادرة من الجانب التركي، «ضرورة الوقف الفوري للعدوان الإرهابي ضد الدولة السورية من قبل الجماعات المتطرفة، والدعم الشامل لجهود السلطات الشرعية لاستعادة الاستقرار والنظام الدستوري على كامل أراضي البلاد، وخصوصاً مع استخدام أنقرة لإمكانياتها المتوفرة في المنطقة».
وأشار البيان إلى أن «الرئيسين أعربا عن تأييدهما لتعزيز التعامل ضمن الإطار الثنائي وفي إطار عملية أستانا على حد سواء. وتمت الإشارة إلى الأهمية الرئيسة لمواصلة التنسيق الوثيق بين روسيا وتركيا وإيران في ما يتعلق بتطبيع الأوضاع في سوريا».
وأعلنت تركيا، بدورها، عبر بيان لدائرة الاتصال في الرئاسة التركية، أن إردوغان «أكد دعم بلاده لوحدة الأراضي السورية وبذلها جهوداً للتوصل إلى حل عادل ودائم في سوريا، داعياً إلى فتح مساحة أكبر للدبلوماسية في المنطقة، وضرورة انخراط الحكومة السورية في عملية الحل السياسي في هذه المرحلة». كما ذكر البيان أن الرئيس التركي أكد لنظيره الروسي استمرار العمل على مكافحة «الإرهاب»، في إشارة إلى»قوات سوريا الديموقراطية» الكردية، والتي تعتبرها أنقرة امتداداً لحزب «العمال الكردستاني» المصنف على لوائح الإرهاب التركية.
وعلى الصعيد المعيشي، لا تزال الأوضاع في مدينة حلب ضبابية، في ظل التزام معظم السكان منازلهم، والانقطاعات في الاتصالات، في وقت تحدثت فيه تقارير إعلامية عن حدوث عمليات سطو وسرقة في بعض الأحياء، بالإضافة إلى عمليات سرقة للمعامل في المدينة الصناعية، الخالية من العمال والبعيدة عن دائرة الضوء. وفي خضم ذلك، تتفرد وسائل الإعلان المعارضة والموالية لـ»هيئة تحرير الشام» بنقل ما تشاء من الصور من حلب المحاصرة، ضمن عملية تجميل مستمرة لنشاط هذه الجماعات، بالتوازي مع استمرار التعتيم الإعلامي حول عدد قتلى المسلحين.