عاجل:

"M5" الطريق الأسرع للسيطرة على سوريا ومقدراتها... أو "كش ملك" (النهار)

  • ١٢١

كتبت رولا عبدالله في جريدة النهار:

تحكم لعبة "الشطرنج" طريق سوريا السريع، المعروف بـ"M5"، وفق مجموعة أدوات رئيسية: حاكم ووزير وقلعتان وثمانية جنود، إنما بقواعد "مونوبولي" لجهة قسمة الأراضي بميزان "من يربح ومن يخسر". فما حكاية هذا الطريق "المتربص" بأمر البلاد من شمالها إلى جنوبها؟

من المعروف أن من يسيطر على طريق "M5"، والذي يبلغ طوله نحو 450 كلم، ويمتد من الحدود التركية حيث مدينة حلب مروراً بمعرة النعمان وحماة وحمص والنبك ودمشق ومحافظة درعا وصولا الى نصيب على الحدود الأردنية، يفرض شروط اللعبة على الأرض السورية المغمسة بكثير من الدماء منذ ما قبل الثورة، وما بعدها من أحداث راهنة مستجدة، حيث تقارع الفصائل السورية المعارضة لإقصاء الجيش السوري والسيطرة على طريق تمر بها أعمال تجارية بلغت قيمتها قبل الحرب نحو 25 مليون دولار في اليوم الواحد، والطريق نفسه مفتاح محافظات سورية بينها حلب وحماة وحمص ودمشق واللاذقية، ولذلك وصف بأنه الطريق الأهم استراتيجيا في منطقة الشرق الأوسط، واللاعب الرئيسي الذي سعى للسيطرة عليه كل من: روسيا وتركيا وإيران، وما تبع ذلك من تسويات أبرزها "مناطق خفض التصعيد"، والتي ضمنها "الثلاثي" وتوزعت في إثرها الفصائل المسلحة في لعبة كر وفر مع الجيش السوري على مر السنوات الأخيرة. 

حلب

من شمال الطريق الدولي، على الحدود التركية، انطلقت شرارة الثورة في مدينة حلب عام 2011، وهي النقطة نفسها التي انطلقت منها عملية "ردع العدوان"، وفي إثرها دخلت البلاد في حرب استنزاف ما بين أعوام 2013 و2016، نجح بعدها الجيش السوري بدحر الفصائل المسلحة واستعادة نفوذه على طول الطريق "M5"، إلى حين إعلان جبهة تحرير الشام "النصرة سابقاً"، بدء عمليتها الأخيرة التي وصلت سريعاً إلى حدود حماة، تساندها فصائل مسلحة أطلقت عملية موازية اسمتها "فجر الحرية"، وذلك قبل أن تنقلب الأولى على الفصائل وتدخل في عملية "تحرير المحرر".

لماذا حلب؟

من المتوقع أن تؤدي سيطرة الفصائل المسلحة على حلب إلى خسارة كبرى لسوريا كونها العاصمة الاقتصادية وقبلة التجار والمسافرين عبر العصور.

 قبل الحرب، شكل مردودها ربع الاقتصاد السوري، وثلث القطاع الصناعي... ونحو 13 في المئة من القطاع الزراعي. تضم أكثر من 4 آلاف منشأة صناعية وحرفية من جميع انواع الصناعات. تنتج 60 في المئة من احتياجات سوريا من الادوية. و35 بالمئة من صناعة النسيج الذي يغزو العالم. كما يعمل في حلب نحو  23 في المئة من القوة العاملة في سوريا ويعبر منها الخط الدولي السريع "أم فايف" الذي شكل منذ القدم ممر العبور للقمح والقطن من الشرق والشمال السوري الى بقية أنحاء البلاد، واستخدم لتبادل السلع مع دول عربية وإقليمية.

وقد كانت المدينة، التي شهدت بداية المواجهات، محوراً لمعركة طاحنة خلال السنوات الأولى من الصراع في سوريا الذي اندلع عام 2011، إثر مظاهرات مناهضة للرئيس بشار الأسد. وقد تعرضت الأحياء الشرقية للمدينة لاحقا لقصف مدمّر من قِبَل الجيش السوري والقوات الموالية له، قبل أن تستعيد الحكومة السورية السيطرة عليها بالكامل عام 2016.

من هي الفصائل المتنازعة؟

بعد أن كان الطريق الدولي "M5" تحت سيطرة الجيش السوري المدعوم من قوات روسية وإيرانية وكتائب تابعة لحزب الله، حققت فصائل المعارضة منذ إطلاق عملية "ردع العدوان" في 27 تشرين الثاني (نوفمبر)، تقدما كبيرا خولها السيطرة على محافظة حلب ومناطق مهمة في محافظة إدلب التي تقع على الطريق الدولي السريع، ولاسيما منطقتا سراقب ومعرة النعمان وصولا إلى مطار أبو الضهور العسكري شرقي المحافظة، وبالتالي الدخول في مواجهات مباشرة مع الجيش وقوات سوريا الديمقراطية "قسد".

وبالتزامن مع إطلاق هيئة تحرير الشام التي يتزعمها "أبو محمد الجولاني"، برفقة فصائل أخرى عملية "ردع العدوان"، أطلق "الجيش الوطني السوري" عملية أخرى تحت مسمى "فجر الحرية"، استهدفت الفصائل الكردية المسلحة، وفي مقدمتها "قسد" شمالي شرق سوريا، إضافة إلى الجيش. فمن هم المشاركون؟

تضم عملية "ردع العدوان" الفصائل الآتية: "هيئة تحرير الشام، الحزب الإسلامي الكردستاني، الجبهة الوطنية للتحرير، أحرار الشام، نور الدين زنكي.

في حين تضم عملية "فجر الحرية" الجيش الوطني السوري الذي يتألف من ثلاثة فيالق:

الفيلق الأول:  يتكون من مجموعة كبيرة من الفصائل، أبرزها "لواء الشمال"، و"اللواء 113"، "تجمع أحرار الشرقية"، "جيش الشرقية"، "اللواء 112"، "لواء محمد الفاتح"، "فيلق الشام".

 الفيلق الثاني:أبرز فصائله، "فرقة السلطان مراد"، و"فرقة الحمزة"، و"فرقة المعتصم"، إضافة إلى "جيش الإسلام"، و"فيلق الرحمن".

الفيلق الثالث: يضم "الجبهة الشامية"، و"لواء السلام"، و"فيلق المجد".

إلى أين؟

تسلك الفصائل المتنازعة السورية خط سير الطريق الدولي "M5"، لكونه صمام الأمان الذي يحصنها من خطر تعرضها للحصار من قبل الجيش السوري.  ومن خلاله بدأت العملية في ريف حلب الغربي ممتدة من قبتان الجبل إلى منطقة عندان، ومنها اخترقت الفصائل الخط الدولي "M4"، للوصول إلى إدلب ومن ثم معرة النعمان باتجاه شمالي غرب محافظة "حماة" التي تمثل نقطة استراتيجية حاسمة في الصراع، إذ تأخذ إلى محافظة حمص من خلال الطريق الدولي "M1"، ما يعزز إمكانية تهديد اللاذقية والعاصمة دمشق.

"حماة"...القلعة 

تكتسب حماة أهمية كبرى في تحديد مسار المعركة الأخيرة كونها تتوسط سوريا وتربط بين جهاتها الأربع: شرق-غرب وشمال-جنوب، وتضم مقرات عسكرية وأمنية حساسة منها مطار حماة العسكري، ومستودعات أسلحة، وألوية للجيش ومدارس، مثل "مدرسة المجنزرات"، عدا فرع الأمن العسكري، وغيرها من المقرات. أما محاورها الرئيسة: خطاب، شمال غرب، ومعردس، شمالاً، ومعر شحور، شمال شرق.

علاوة على ذلك، تعد حماة رمزا للمحطات التاريخية في سوريا، بخاصة بعد أحداث عام 1982. وشكل هذا الحدث جزءا من الذاكرة الجماعية في البلاد إذ تعرضت في حينه لحملة عسكرية جرى خلالها قتل وتشريد عشرات الآلاف من سكانها، في حدث كان له الدور الأبرز في انضمام حماة عام 2011 للاحتجاجات الشعبية على نحو واسع النطاق، قبل أن يتم إخماد الحراك والتحول نحو الصراع المسلح.

ويعد ريف حماة من النقاط الساخنة في المعركة الأخيرة حيث عملت إيران على تغلغل "حزب الله" هناك مستغلة الفقر وحاجة أبناء الريف. ومن مخاطر السيطرة عليه، أنه يشكل بوابة التقدم باتجاه البادية السورية وريف حماة الجنوبي وحمص الشمالي، والذي يمكن الفصائل المسلحة في حال سيطرتها على حمص من عزل دمشق عن مناطق الساحل وقطع طريق الإمداد (m5)، وهو الطريق الرابط بين دمشق وحمص وحماة وحلب.

وتتزامن المساعي للسيطرة على حماة مع بدء تحرك في القلمون بريف دمشق وفي جنوب سوريا درعا والسويداء بغية فرض واقع عسكري جديد.

"شاهين"... الأسرع من الطريق

وباحتدام المعركة على أسوار قلعة حماة، بعد أن غدت قلعة حلب بيد الفصائل المسلحة، تنافس المسيرات التي أطلقتها كتائب شاهين الطريق الدولي السريع في رحلة الانقضاض على الأهداف حيث أظهرت "الانتحارية" منها براعة باستهداف نقاط تمركز الجيش ومواقع إطلاق الطائرات ومخابئ الأسلحة.

وبانتظار الآتي من ساعات حاسمة، من يفقد السيطرة على الطريق الدولي الأطول في الشرق الأوسط "M5"، حتماً مصيره "كش ملك". ولحجارة "النرد" بقية...


المنشورات ذات الصلة