في تصعيد ميداني جديد، دخلت القوات الإسرائيلية إلى المنطقة العازلة بين سوريا وإسرائيل في هضبة الجولان، وهي المنطقة التي كانت تحت مراقبة الأمم المتحدة بموجب اتفاقية فض الاشتباك التي أُبرمت عام 1974. هذا التوغل العسكري، الذي جاء بعد انهيار نظام الرئيس السوري بشار الأسد، يعكس تحولًا كبيرًا في الوضع العسكري في المنطقة، ويثير ردود فعل غاضبة من الأطراف المعنية، بما في ذلك الأمم المتحدة وواشنطن.
في تطور لافت، قال مصدران أمنيان إقليميان ومصدر أمني سوري لوكالة رويترز، إن القوات الإسرائيلية توغلت داخل الأراضي السورية، تحديدًا إلى المنطقة الواقعة نحو 25 كيلومترًا إلى الجنوب الغربي من العاصمة دمشق.
وأوضح المصدر الأمني السوري أن القوات الإسرائيلية وصلت إلى منطقة قطنا، وهي نقطة داخل الأراضي السورية على بعد 10 كيلومترات شرق المنطقة العازلة التي تفصل بين هضبة الجولان وسوريا.
وفي وقت سابق، أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، "انهيار" اتفاقية فض الاشتباك بين سوريا وإسرائيل، حيث أشار إلى أن "الجيش الإسرائيلي يعيد فرض وجوده في المنطقة بعد انهيار النظام السوري". وأعقب هذا الإعلان توغلاً إسرائيليًا في المنطقة العازلة، وهو ما اعتبره مراقبون انتهاكًا صارخًا للاتفاق الدولي.
من جانبها، انتقدت الأمم المتحدة التوغل الإسرائيلي في المنطقة العازلة، حيث أعلن المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة، ستيفان دوجاريك، أن "الأفعال الإسرائيلية تمثل انتهاكًا مباشرًا لاتفاق 1974 لفض الاشتباك"، مؤكداً أن "المنطقة العازلة يجب أن تظل خالية من الأنشطة العسكرية أو أي قوات غير قوات حفظ السلام".
وأوضح دوجاريك أنه "يجب على سوريا وإسرائيل الاستمرار في تنفيذ اتفاق 1974 والحفاظ على استقرار هضبة الجولان، بما يتماشى مع بنود الاتفاق".
أُبرم اتفاق فض الاشتباك بين سوريا وإسرائيل في 31 ايار 1974 في مدينة جنيف، بحضور ممثلين عن الولايات المتحدة والأمم المتحدة والاتحاد السوفييتي السابق. كان الهدف من الاتفاق فصل القوات الإسرائيلية والسورية في الجولان وإنشاء منطقة عازلة بينهما، مع فرض قيود على انتشار القوات والأسلحة الثقيلة على جانبي المنطقة.
وقد أسست الأمم المتحدة بعثة "يوندوف" (قوة مراقبة فض الاشتباك) لمراقبة تنفيذ الاتفاق، حيث تتواجد بعثة حفظ السلام في المنطقة بشكل مستمر منذ ذلك الحين، وتمكنت من الحفاظ على الهدوء النسبي في المنطقة على مدار عقود من الزمن.
في حزيران 2024، جدد مجلس الأمن الدولي التفويض لقوة "يوندوف" لمواصلة مراقبة تنفيذ اتفاق 1974 حتى نهاية العام الجاري.
وأكد المجلس في قراره على ضرورة احترام "الدقيق والكامل" لشروط الاتفاق، وطالب من الأمين العام للأمم المتحدة توفير الدعم اللوجستي والموارد اللازمة لتمكين القوة من أداء مهامها بشكل آمن وفعال.
وتتكون قوة "يوندوف" من 1309 أفراد من جنسيات متعددة، بما في ذلك نيبال وأوروغواي والهند، بالإضافة إلى دول أخرى مثل فيجي وكازاخستان. هذه القوة التي تعمل بموجب قرار من مجلس الأمن الدولي تقوم بدور بالغ الأهمية في الحفاظ على الاستقرار في المنطقة ومراقبة وقف إطلاق النار بين الطرفين.
في موقف نادر من واشنطن، أكد المتحدث باسم الخارجية الأميركية، ماثيو ميلر، في تصريحات يوم الإثنين أن الولايات المتحدة ترغب في رؤية تطبيق دقيق لاتفاق فض الاشتباك في هضبة الجولان لعام 1974. وأضاف ميلر أن واشنطن تأمل في أن تلتزم إسرائيل بالاتفاق، بما في ذلك شروط المنطقة العازلة وعودة القوات الإسرائيلية إلى مواقعها السابقة.
وأشار المتحدث الأميركي إلى أن إسرائيل أبلغت الولايات المتحدة بأن الإجراءات المتخذة في الجولان هي "مؤقتة"، وأنها جاءت في إطار استجابة لانسحاب الجيش السوري من المنطقة العازلة. في الوقت نفسه، شدد ميلر على أن إدارة الرئيس الأميركي ستراقب الوضع عن كثب لتقييم تطور الأحداث في المنطقة.
ومع استمرار الأزمة في سوريا والانسحاب العسكري السوري من العديد من المناطق الإستراتيجية، يزداد التوتر في هضبة الجولان بشكل كبير. فقد أعلن نتنياهو مرارًا أن الجولان "جزء من إسرائيل إلى الأبد"، مما يضيف بعدًا جديدًا للصراع القائم في المنطقة. هذا التوغل الإسرائيلي قد يكون مقدمة لمزيد من التصعيد العسكري في الجولان، خاصة في ظل التوترات الأمنية على الحدود السورية الإسرائيلية.
ومع الانسحاب العسكري السوري التدريجي، تزداد أهمية الجولان بالنسبة لإسرائيل، التي تعتبره نقطة استراتيجية للأمن القومي، خصوصًا مع تهديدات محتملة من القوات المدعومة من إيران أو الجماعات المسلحة في سوريا. في الوقت نفسه، يبقى الوضع في الجولان حساسًا، حيث تنظر الأمم المتحدة إلى تحركات إسرائيل في المنطقة على أنها خرق للاتفاقات السابقة، مما يزيد من تعقيد الموقف.