تسلّمت «حكومة أبو محمد الجولاني» التي كانت تدير الشؤون في منطقة سيطرة «هيئة تحرير الشام» (جبهة النصرة – الفرع السابق لتنظيم القاعدة) في إدلب، السلطة من الحكومة السورية التي أبدى رئيسها، محمد غازي الجلالي، تعاوناً كبيراً في إتمام العملية، حسبما ذكرت «إدارة العمليات العسكرية» التي يترأسها أحمد الشرع (أبو محمد الجولاني).
ويأتي ذلك في وقت استعادت فيه الخارجية السورية نشاطها، وفقاً لكتاب عاجل موجه إلى جميع السفارات للعودة إلى العمل، وسط استعجال كبير تُظهره الدول المستضيفة للاجئين السوريين لبدء عملية التخلص من هؤلاء.
وفور تسلمها السلطة، أعلنت الحكومة التي يترأسها محمد البشير وتتألف من عشر وزارات (جميع الوزراء ذكور) أنها ستدير شؤون البلاد خلال المدة الانتقالية لمدة ثلاثة أشهر تنتهي مطلع آذار المقبل، من دون توضيحات إضافية حول ما سيتم إجراؤه خلال هذه المدة، لناحية تنفيذ قرار مجلس الأمن 2254، والذي ينص على الاتفاق على دستور جديد للبلاد، يتم بعده إجراء انتخابات، تنتهي بإبصار حكومة سورية جديدة النور.
ويأتي هذا علماً أن القرار الأممي كان يضع نظام الرئيس السابق بشار الأسد شريكاً فيه، ما يعني أنه ومع هروب الأسد، ثمة ثغرات عدة تحتاج إلى توضيح من قِبل الحكومة الانتقالية. كذلك، تعرضت الحكومة ورئيسها (البشير) لانتقادات حادة بعد ظهور الأخير خلال لقاء تلفزيوني وخلفه راية «هيئة تحرير الشام»، في ما اعتبره كثيرون مؤشراً إلى استفراد «الهيئة» بالحكم.
وعلى الصعيد الشعبي، بدأت تظهر بعض ملامح الهدوء في دمشق واللاذقية، أكثر المحافظات السورية التي شهدت أعمال سرقة وتخريب وفوضى بعد سقوط نظام الأسد، إثر صدور تعليمات حازمة بقمع هذه المظاهر من قبل قوات «إدارة العمليات العسكرية». إذ كثفت الأخيرة حضورها في شوارع المدن، وافتتحت عدداً كبيراً من مراكز التسوية، والتي يتم عبرها تسليم السلاح سواء ممن سرقوه من مؤسسات الدولة أو من عناصر الجيش السوري الذين تم إصدار عفو عنهم، وإعادة هوياتهم الشخصية لهم وتسلم الهويات العسكرية منهم.
كما بدأت بعض المؤسسات الحكومية تعود إلى العمل بشكل جزئي، وجرى تسيير باصات النقل الداخلي في بعض المدن، وإعادة تشغيل الأفران لتأمين الخبز للمواطنين، عن طريق البيع المباشر بسعر 4 آلاف ليرة سورية للربطة الواحدة، ما خفّف من أزمة الخبز التي شهدتها اللاذقية على وجه التحديد، وفقاً لتقارير صحافية سورية.
وعلى هامش حالة الفوضى القائمة، وثّق ناشطون عمليات اغتيال وقتل قيل إن من نفذها «مجهولون»، ضد أشخاص ادُعي أنهم تورطوا في «حوادث جرمية» خلال السنوات الماضية، بينها سحل وإعدام ميداني. كما سُجلت اغتيالات ضد بعض العلماء في سوريا، وآخرهم الدكتور في الكيمياء العضوية حمدي إسماعيل، الذي فارق الحياة في منزله في دمشق، في وقت لا يزال فيه مصير معظم قادة النظام السابق مجهولاً بعد هروبهم إلى جهات غير معلومة.
وتناقل ناشطون لائحة طويلة تضم 169 اسماً لشخصيات مطلوبة للعدالة في سوريا، على رأسهم بشار الأسد وشقيقه ماهر، بالإضافة إلى وزير دفاعه وقادة أفرعه الأمنية، وضباط وقادة فصائل، وذلك بعد إعلان أحمد الشرع البدء بملاحقتهم داخل سوريا، ودولياً، وعرض مكافآت مالية لمن يدلي بمعلومات عنهم.
أما على الصعيد الإقليمي والدولي، وفي وقت لا تزال الدول تحاول فيه التعرف إلى شكل سوريا الجديد من دون اتخاذ أي خطوات فعلية، ففتحت تركيا حدودها على مدار الساعة للسماح بتدفق آلاف العائدين من أراضيها، فيما ينتظر الأردن هدوء الأوضاع ليقوم بإجراء مماثل.
كما أعلنت دول أوروبية عدة وقف منح اللجوء للسوريين الذين تقدموا بطلبات في الوقت الحالي، في انتظار الاطلاع على الأوضاع في البلاد، وسط مخاوف من عمليات إعادة قسرية قد يواجهها هؤلاء الأشخاص، الذين دفع معظمهم مبالغ طائلة وسافروا عبر رحلات بحرية خطيرة للوصول إلى الضفة الأخرى من البحر المتوسط.
وفي تناغم واضح بين المساعي الإقليمية والدولية للتخلص من عبء اللاجئين، أعلنت «إدارة العمليات العسكرية» و«حكومة الجولاني» العمل على تهيئة المطارات للعودة إلى العمل في الـ18 من الشهر الحالي، بالإضافة إلى تنظيم عمليات عبور الحدود من المنافذ الرسمية مع لبنان والأردن في أسرع وقت ممكن.
كما قامت «حكومة الجولاني» بإصدار توجيهات عاجلة للسفارات السورية ببدء منح الجوازات السورية للسوريين بشكل مجاني لمدة ستة أشهر.
ومن جهتها، أعلنت الولايات المتحدة، التي كان مسؤولوها قد تحدثوا عن بدء النظر في إمكانية رفع «هيئة تحرير الشام» من قائمة العقوبات، أمس، فرض عقوبات جديدة استهدفت والد أسماء زوجة بشار الأسد ومسؤولين سابقين في المخابرات الجوية للنظام السابق، متهمة إياهم بالتورط في جرائم حرب شملت تعذيب مدنيين وأميركيين.
وقالت وزارة الخزانة الأميركية إنها فرضت عقوبات على فواز الأخرس الذي يقيم في المملكة المتحدة، وانتقل إلى روسيا خلف الأسد وعائلته بعد سقوط النظام.