- كتب ألوف بن في صحيفة هآرتس الإسرائيلية: ذكّرتني أحداث الأيام الماضية في سورية بصديق طفولة، والده جنرال في جيش الاحتياط، عُين في منصب حاكم دمشق في حالة طوارئ. لم يتسنَ للأب شغل هذا المنصب الكبير والمليء بالتحدّيات خلال حياته، لكن الجيش الآن يقترب من الهدف الذي وضعه لنفسه خلال أعوام طويلة في خطط الحرب على الجبهة الشمالية؛ تثبيت خط على مشارف العاصمة السورية.
- لا تزال دمشق بعيدة عن فوّهات بنادق الجيش الذي احتل المنطقة العازلة الملاصقة للحدود ولم يتخطَ حدودها. وقد جرى تصوير السيطرة على المنطقة العازلة بلا أي مقاومة على أنها خطوة دفاعية للسيطرة على منطقة انسحب منها الجيش السوري الذي ترك الحدود، واحتفل بعدها الجيش بصور نصر برفع أعلام إسرائيل على قمة جبل الشيخ ودبابات في القنيطرة، وطمس حقيقة أن هذه الأراضي هي أراضٍ سورية وليست منطقة متروكة. كما أن إسرائيل قالت للمجتمع الدولي إن الخطة محدودة، وإن الجيش لم يسيطر إلاّ على مواقع معدودة.
- وترافقت هذه المناورة البرّية مع موجة قصف من الجو والبحر قامت خلالها إسرائيل بإبادة سلاح الجو والأسطول البحري ومنظومات الصواريخ والبحث التابعة لسورية، كما تم التعامل مع هذه العمليّات بجو احتفالي غير مسبوق منذ حرب الأيام الستة على الرغم من أن الجيش نفذها من دون أي مقاومة من طرف الجانب المُهاجَم. وبعد قليل سيطبعون صور وألبومات النصر لرئيس هيئة الأركان وقائد سلاح الجو لتعليقها في الممرات كما حدث سنة 1967.
- والآن، بعد نهاية الضربة السريعة، تُطرح الأسئلة بشأن المستقبل؛ إلى متى ستسيطر إسرائيل على توسيع هضبة الجولان؟ وما المتوقّع أن يحدث في حال تزايدت الفوضى داخل سورية وتوجّه جزء منها ضد إسرائيل؟ هل سيبقى الجيش في المواقع نفسها، أم سيتقدّم نحو دمشق لتوسيع الحزام الأمني؟
- لقد سجّل رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو لنفسه الفضل بأنه مَن أدى إلى إسقاط النظام في سورية الذي كان يبدو وكأنه قوّة طبيعية في المنطقة، ومن وجهة نظر نتنياهو التي تعزّزت فجأة من جانب منافسه قائد إيران علي خامنئي، فإن خطوات إسرائيل ضد إيران وحلفائها في غزة ولبنان ساهمت في الانقلاب في سورية، إلاّ إن نتنياهو لم يكتفِ بذلك، وتقدم خطوة إضافية معلناً إلغاء الترتيبات الدبلوماسية في المنطقة. في يوم الأحد، وقف نتنياهو على هضبة الجولان، وأعلن أن "اتفاق فصل القوّات انهار"، وبذلك أنهى الاتفاق الذي تم توقيعه في نهاية "حرب الغفران"، وتمت المحافظة عليه على مدار 50 عاماً. وبحسب المنطق الإسرائيلي، فإنه في حال انهيار الاتفاق، فإنه يمكن تحريك الحدود شرقاً على الرغم من الانتقادات من جانب الأمم المتحدة ودول عربية صديقة.
- ولم يكتفِ نتنياهو بمحو الحدود في الجولان، بل أيضاً إنه ذهب خلال شهادته أمس في محاكمته بقضايا فساد أبعد من ذلك، وقال: "ما حدث هنا هو شيء ضخم، وزلزال لم نشهد مثله منذ 100 عام، وتحديداً منذ اتفاق سايكس - بيكو." وهو يبالغ كعادته - خلال الـ100 عام الماضية، حدثت في المنطقة أمور أكثر دراماتيكية من سقوط النظام في سورية - لكن أقواله لها إسقاطات سياسية؛ فذِكر الاتفاق بين القوتين العظميين الكولونياليتين، بريطانيا وفرنسا، منذ سنة 1916، اللتين قسمتا أراضي الإمبراطورية العثمانية فيما بينهما في الشرق الأوسط، وأقامتا الأنظمة السياسية الموجودة حتّى اليوم، لم يكُن الهدف منه تثقيف القضاة بالتاريخ فقط، بل أيضاً هو يرمز إلى أن منظومة الحدود السابقة في المنطقة لم تعُد موجودة.
- كان يُعتبر نتنياهو على مدار أعوام حكمه أنّه يكره المخاطرة ويرتدع عن الحروب، حتّى هذه الحرب. وكتبت الباحثة سوزان ملوني، من معهد بروكينز في واشنطن، هذا الأسبوع في مجلّة "Foreign Affairs" أن "نتنياهو اكتشف أن الضغط العسكري الأقوى يحقّق أرباحاً استراتيجية كبيرة جداً، وأيضاً قوّة سياسية داخلية." فبعد أن اتضح حجم الصدمة من دخول "حماس" غلاف غزة وأداء الجيش المخجل، في 7 تشرين الأول/أكتوبر، هرب نتنياهو من المسؤولية عن الكارثة، وتبرأ من تخوّفاته، وبات منفتحاً على المصادقة على خطوات كانت تُعتبر سابقاً كارثية، إن لم تكن انتحارية.
- والقائمة طويلة: احتلال وخراب قطاع غزة، وقتل كثير من الفلسطينيين، وتطهير عرقي في شمال القطاع، وإلحاق ضرر كبير جداً بحزب الله، وقتل آلاف اللبنانيين، واجتياح جنوب لبنان، وهدم القرى الشيعية، وقصف اليمن وإيران، وتهجير الفلسطينيين من غور الأردن وجنوب جبل لبنان، بالإضافة إلى قصف جوي من الجو في جنين وطولكرم. هذا بالإضافة إلى أن الأفكار بشأن إلغاء فك الارتباط والاستيطان من جديد في غزة باتت مدعومة بصورة واسعة، والائتلاف ينظر إليها كخطط عملية، حتّى لو لم يتبن نتنياهو الفكرة بعد.
- يبدو أن رئيس الحكومة يسعى لإعادة صوغ إرثه كسياسي وسّع من حدود دولة إسرائيل بعد 50 عاماً من الانسحابات والانكماشات. هذا بالإضافة إلى الرغبة الكبيرة لدى اليمين في التوسّع في المنطقة، كنوع من العقاب الرادع لأعداء إسرائيل، ولدى نتنياهو شريك دعْمه سيكون مصيرياً لخطوات كهذه؛ إنه دونالد ترامب. وبحسب ملوني، فإن "الإدارة الجديدة في واشنطن ستكون متساهلة مع طموحات إسرائيل التوسّعية." وفعلاً، خلال المؤتمر الصحافي هذا الأسبوع، شكر نتنياهو "الصديق الرئيس المنتخب ترامب" على اعترافه بهضبة الجولان وضمِّها إلى إسرائيل سنة 2019، الذي شكّل صدمة قومية سورية.
- وبحسب جميع المؤشرات، فإن نتنياهو يريد أن يذكره التاريخ كمن حقّق فكرة "إسرائيل الكبرى"، وليس فقط كمتّهم بتهم فساد ولاعب سياسي ترك 100 مخطوف في غزة. لذلك، فإنه سيحاول التزام سيطرة إسرائيل على شمال غزة، ولن يسارع في الانسحاب من المناطق الجديدة التي تم احتلالها في الجولان، والتي يمكن أن تتوسّع بسيناريوهات معيّنة، حتّى لو أوقَف الجيش الإسرائيلي قبل أن يختبر الحاكم الحالي لدمشق منصبه.