المصدر: رويترز
مع سقوط نظام بشار
الأسد، بدأ العديد من المعتقلين الذين أُفرج عنهم حديثًا في كشف الأسرار المظلمة
للسجون السورية، التي كانت مسرحًا لأبشع أنواع التعذيب والظلم. من بين هؤلاء، يروي
باسم فايز، أحد الناجين من "مهجع الموت"، تجربة مريرة مليئة بالعذابات
التي عايشها في أقبية سجون دمشق. فايز، الذي كان يعتقد أن آلامه لن تنتهي أبدًا،
وقف في السجن الذي طالما شهد على معاناته، ليكتشف أن النظام الذي عذبه طوال سنوات
قد زال أخيرًا.
في حديثه، قال
فايز (48 عامًا): "جئت اليوم فقط لأرى أنه حتى أقوى الأنظمة لا تدوم، وأن
الحال من المحال". فايز لم يكن وحده في هذه التجربة، بل كان معه زميله محمد
حنانيا الذي عانى أيضًا من التعذيب الوحشي في سجون الأسد. خرجا معًا ليجدا عائلاتهما
التي ظنت أنهما قد أُعدما، بعد أن طال اختفاؤهما لسنوات.
"مهجع الموت":
حياة على حافة الفناء
كان "مهجع
الموت" في أحد السجون السورية، الذي شهد على مئات القصص المأساوية، مكانًا لا
يعرف فيه السجناء معنى الأمل. يروي حنانيا (35 عامًا) عن الظروف القاسية التي عاشها
هناك: "في كل يوم كان يموت أحدهم في هذا المكان، إما بسبب الجوع، أو التعذيب،
أو المرض". يضيف حنانيا: "الشاويش كان يقتل السجناء إذا شعر بأنهم ضعفاء
للغاية، وكان يضربهم بلا رحمة أو حتى يقتلهم بأبشع الطرق".
وكانت جدران
الزنازين ملأى بأسماء المعتقلين الذين كانوا يكتبون أسماءهم وتواريخهم، حتى لا
تُنسى معاناتهم بعد أن تختفي آثارهم. كما كانت الأرض مغطاة بملابس السجناء
وأغراضهم، التي تمثل جزءًا من ماضيهم الممزق. وفي الزنازين الباردة، كانت
البطانيات البالية هي كل ما يملكه السجناء لتغطية أجسادهم المرهقة.
طرق التعذيب: من
الموت البطيء إلى الفتك الجسدي
لم يكن التعذيب في
سجون الأسد يقتصر على الضرب فقط، بل كان يشمل أساليب وحشية لا تُحتمل. يصف فايز
كيف كان يتم تعصيب عينيه ويجبر على صعود سلم حديدي صدئ، ثم يُركل السلم ليبقى
معلقًا في الهواء، بينما تتهشم أكتافه تحت وطأة التعذيب. يقول: "كان الألم لا
يُحتمل، وكان من المستحيل أن أتحمل أكثر من بضع دقائق من هذا العذاب".
إعدامات جماعية
وحرق الجثث: جحيم لا يُنهيه الموت
لم تقتصر
الانتهاكات في سجون الأسد على التعذيب الجسدي، بل تم توثيق حالات إعدام جماعي
للسجناء المعارضين. في عام 2017، أكدت تقارير حقوقية وجود محرقة في سجن صيدنايا
العسكري، حيث كانت السلطات تتخلص من جثث المعتقلين الذين أُعدموا بطرق وحشية. كانت
بعض العائلات تندفع إلى السجون بحثًا عن أحبائها، ليجد البعض منهم بين القتلى،
بينما لا يزال مصير آلاف آخرين مجهولًا حتى اليوم.
الحرية: بداية
جديدة بعد سنوات من الظلم
رغم سنوات العذاب،
لا يزال الناجون مثل فايز وحنانيا يحملون في ذاكرتهم صورًا عن معاناتهم، لكنهم
أيضًا يتطلعون إلى المستقبل. ورغم أن النظام قد سقط، فإنهم يؤكدون أن معركتهم من
أجل العدالة لم تنتهِ بعد. يقول فايز: "حريتنا لم تأتِ فقط لإنهاء معاناتنا،
بل لبناء سوريا جديدة، سوريا لا مكان فيها للظلم والاضطهاد".
قصص هؤلاء الناجين
تشكل شهادة على قدرة الإنسان على الصمود أمام أقسى الظروف. ورغم أن جراحهم لن
تُشفى تمامًا، إلا أن إرادتهم في العيش والتحرر من ظلم الماضي تظل أملًا جديدًا
لسوريا الحرة.