كتب درور زئيفي في صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية:
لسقوط النظام السوري أهمية في تاريخ الشرق الأوسط، فسورية هي حجر الزاوية للعروبة، ومنها بدأت الثورة العربية (النهضة) في نهاية الحقبة العثمانية، وفيها أقام قائد الثورة العربية الكبرى فيصل بن حسين [الذي انتصر على الجيش العثماني على طول خط القتال من المدينة المنورة حتى دمشق] مقر حُكمه في نهاية الحرب العالمية الأولى، وفيها تبلورت الفكرة القومية مع تأسيس حزب البعث في الأربعينيات.
يعرف سكان المنطقة الأهمية الرمزية لبلاد الشام، وما يجري هناك يؤثر في المنطقة كلها. وإن تصريحات الزعماء الإسرائيليين وأفعالهم مؤذية بصورة خالصة.
يوجد بين المتمردين الذين سيطروا على سورية سلفيون، وجهاديون، ومعتدلون، وموالون لتركيا، وأعضاء في تنظيمات كردية، ودرزية، وإسلامية – سنّية، لكن جميعهم يعلنون ولاءهم لسورية في حدودها الحالية، وهُم يحاولون في هذه الأيام أن يرسموا للشعب السوري مستقبلاً من دون بشار الأسد وأعوانه، والجميع ينادي بالديمقراطية، حتى التنظيمات الراديكالية تبدي انفتاحاً.
ويعلن زعيم المتمردين أحمد الشرع (أبو محمد الجولاني) من على كل منبر سعيَه لإقامة نظام تمثيلي ومتسامح، حتى إزاء العلويين الذين يتماهون مع النظام السابق، ومن الممكن أن يَظهر لاحقاً كـ "إرهابي" يقود أنصاره في هجوم ضد إسرائيل، لكن الهستيريا في هذا الشأن مبالغ فيها؛ فإسرائيل أقوى من كل هذه التنظيمات، ومنذ قيام سلاح الجو بضرب وسائل القتال الكيميائية والسلاح الاستراتيجي، لم تعد لدى هذه التنظيمات القدرة على تهديد إسرائيل، وأكثر من ذلك، فإنهم مدينون بنجاحهم في إسقاط النظام إلى حد بعيد إلى الجيش الإسرائيلي والمعركة ضد حزب الله وإيران، وهم يعلمون ذلك.
ويشكّل وجود نظام ديمقراطي في سورية أو قريب من الديمقراطي، ويعارض التدخل الإيراني، ميزة مهمة بالنسبة إلى إسرائيل؛ فهو سيضمن عدم انتقال السلاح إلى حزب الله، وسيطرد الميليشيات الإيرانية التي استقرت في سورية، ويقتلع المشروع الإيراني للعمل المشترك المتعدد الجبهات للقضاء على إسرائيل من جذوره، كما سيفتح الباب نحو السلام في المستقبل.
إن الأزمة السورية تفتح أبواباً؛ فاستقرار سورية هو مصدر قلق مشترك لإسرائيل وتركيا، الأمر الذي يسمح لهما بالجلوس معاً والتحاور فيما بينهما. كما يمثل ذلك مصلحة مهمة لروسيا والولايات المتحدة، الأمر الذي يضع إسرائيل في موقع مؤثر إزاء الدول الكبرى. بالإضافة إلى ذلك، وبعد الضربة المباشرة التي تلقتها إيران وانهيار أذرعها، يوجد في إيران أطراف قوية يهمها فحص السياسة العسكرية. صحيح أن المرشد الأعلى علي الخامنئي يعارض خطوة كهذه، لكن صوت المجموعات المعتدلة آخذ في الارتفاع.
وفي مواجهة هذا كله، تتصرف إسرائيل بعنف وقِصَر نظر؛ فهي تحتل أراضيَ، وتضع نفسها من البداية في موقع معادٍ لسورية. بدلاً من ذلك، فإنه فور سقوط النظام السوري، كان يتعين على قادة إسرائيل تهنئة الشعب السوري على الإطاحة بالنظام، وإعلان سرورهم لإقامة علاقة سلام وأُخُوَّة.
ومن شأن التفكير الاستراتيجي الذكي أن يحضن سورية الجديدة ويدعوها إلى الانضمام إلى الكتلة المعتدلة، وإن توجهاً كهذا كان يمكن أن يساعد في إعادة صوغ "الحلف الإبراهيمي"، وفي التقرب والتطبيع مع السعودية، والتخفيف من العداء في العالم ضد إسرائيل، لكن مع قِصَر النظر في المستوى السياسي، فإن من يوجه السياسة هو المنظومة الأمنية، ويجب على قادة هذه المنظومة أن يتوقفوا عن رؤية كل التطورات عبر فوهة البندقية، وأن يفكروا في طريقة استراتيجية.