إيست نيوز- ترجمة باسم اسماعيل
توضح المجلدات الموجودة في قبو فرع المخابرات العامة في حلب ما حدث بتفاصيل دقيقة وتقوم بتصنيف كل ضحية وكل جريمة، لكنها لا تصور الخوف ولا التعذيب ولا الرائحة.
لقد رحلت العائلة الحاكمة الآن لكن الملفات الموجودة داخل الفرع 322 في حلب تقدم لمحة عن الانتهاكات التي ارتكبوها.
عندما زار مراسلو الواشنطن بوست المبنى يوم الجمعة كانت الزنازين متعفنة وباردة ومظلمة وكانت الفئران تهرول فوق أكوام البطانيات الرمادية وكانت أبواب الزنازين تحمل نقوشاً تشير إلى الأيام التي قضاها السجناء هناك.
قال محققو جرائم الحرب التابعين للأمم المتحدة هذا الشهر إن الأسد استخدم نظام الاعتقال بأكمله كسلاح وإن تعليمات من مكتب الأمن الوطني في البلاد وُزعت على جميع فروع المخابرات تأمرهم بـ"تطهير" كل قطاع جغرافي من المطلوبين، وتشير الوثائق الموجودة داخل الفرع 322 إلى أن هذه السياسة لم تتوقف أبداً.
كان السكان في السابق يسرعون خطواتهم أثناء مرورهم أمام الفرع أو يشيحون بنظرهم عن السيارات الداخلة أو الخارجة.
يقول رفيق حكيم صاحب معرض سيارات والذي كان يشرب القهوة على الرصيف مع أصدقائه: "لقد اعتقلوا الفقراء وابتزوا الأغنياء .. لقد زرع النظام الخوف في نفوسنا جميعاً .. كان يجب أن ينمو شرطي صغير في قلب كل رجل في حلب".
أمّا محمود أحمد العطار (47 عاماً) وهو صاحب متجر فقد قضى أسبوعين في الفرع 322 في عام 2019 وعندما أُطلق سراحه طلب منه سجّانوه ألا يتحدث أبداً عما فعلوه أما الآن فقد أصبح مستعداً للكلام: "كان أصدقائي يسألونني وكنت أقول لهم أنه لم يحدث شيء .. لكنني لم أنسَ أبداً". كانت قوات الأمن قد اقتحمت محل العطار لبيع المثلجات في أواخر عام 2019 دون سابق إنذار واعتقلوه حيث أمضى أسبوعين وحيداً في زنزانة صغيرة يستمع إلى صراخ رجل كان الضباط يقطرون حمض البطارية على رأسه كما أخبره الرجل فيما بعد. وتعرض للتعذيب بـ"الدولاب" حيث كان المحققون يجبرون المعتقلين على الانحناء من الخصر وإدخال أجسادهم في إطار سيارة.
كانت قضية العطار تضم مجموعة من 33 شخصاً متهمين بأنهم على صلة بتفجير سيارة مفخخة قبل ثلاث سنوات وقالت متهمة له في وقت لاحق إنها تعرضت للتعذيب قبل أن تفصح عن اسمه كما طلب منها الضباط واتهمته في النهاية بتخزين عملة أجنبية كانت مخصصة "للإرهابيين".
تم إطلاق سراح المجموعة بأكملها دون توجيه أي تهمة بعد أسبوعين وقد اعتذر له أحد الضباط أثناء مغادرته قائلاً: "أنت تعلم أنه كان واجبنا .. علينا التحقيق في جميع التقارير".
لم يتحدث العطار مع جيرانه أبداً عما حدث معه وكان يبذل قصارى جهده لتجنب المرور أمام الفرع.
كان العطار متماسك وهو يصف محنته ولكن عند سؤاله عن شعوره عند رؤية الفرع الآن بدأ بالبكاء وقال: "عندما وصل المتمردون إلى هنا ذهبت إلى هناك في الساعة الرابعة مساءاً .. وقفت هناك فقط .. نظرت إلى الفرع .. ركعت على الأرض وصليت .. لقد زال الخوف .. نظرت إلى البوابات السوداء ولم أشعر بشيء".