عاجل:

ترميم اقتصاد لبنان وسوريا حيوي لابعاد ايران وتقييد حزب الله (هآرتس)

  • ٢١

كتب تسفي برئيل محلل الشؤون العربية في صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية:

آلاف المواطنين اللبنانيين طلب منهم في الاسبوع الماضي البقاء في بيوتهم أو قرب ما بقي منها من اجل استقبال اعضاء لجان التخمين الذين كانوا سيقدرون حجم الاضرار. معظمهم انتظروا عبثا لساعات فقط من اجل تبشيرهم بأنه في اعقاب النقص الكبير بالمهندسين سيتأخر عمل هذه اللجان.

حسب تقديرات شركات لبنانية ومنظمات اغاثة غربية فان نحو 150 مبنى وشقة دمرت في الحرب بين اسرائيل ولبنان. بيانات مفصلة اكثر قدرت أن حوالي 50 ألف شقة تدمرت بالكامل، وحوالي 36 ألف جزئيا والمتبقية تضررت بشكل خفيف. الضرر المباشر يقدر بنحو 6 مليارات دولار، و7 مليارات دولار لاضرار غير مباشرة مثل فقدان المداخيل والعمل. حزب الله تعهد بتعويض جميع المواطنين الذين تضرروا، وحتى أنه شكل لذلك جهاز خاص – يشمل لجان تقدير وتخمين – يفحص في هذه الاثناء حجم الدمار الى جانب الجهاز الحكومي.

لكن السكان اللبنانيين لا يعرفون من سيدفع حقا مقابل هذه الاضرار ومن توجد لديه الاموال لتحمل هذا العبء الكبير. الامين العام لحزب الله، نعيم قاسم، وعد في بداية هذا الشهر بأنه في المرحلة الاولى سيدفع الحزب أجرة شهرية لكل عائلة تدمر بيتها ولا يمكن ترميمه. حسب قوله المساعدة ستبلغ 6 – 8 آلاف دولار في السنة، ذلك وفقا لمكان سكن العائلة. واضاف قاسم بأنه بعد ذلك حزب الله سيمول ترميم البيوت وبناءها من جديد.

حزب الله طلب من اصحاب البيوت الذين يمكنهم تغطية النفقات البدء في ترميم بيوتهم بأنفسهم والاحتفاظ بالوصولات من اجل تسلم التعويض عن كل النفقات. ايران يتوقع أن تكون مصدر من مصادر التمويل الاساسية، وحتى أن قاسم شكر ايران في خطابه لأنها خصصت الاموال للترميم، لأن اعادة البناء حسب قوله، هي جزء لا يتجزأ من “المقاومة”.


على الورق الوعود تبدو مقنعة، والسكان في لبنان يذكرون أنه ايضا بعد حرب لبنان الثانية دفع حزب الله تعويضات للمواطنين كما وعد، لكن في حينه الاضرار كانت صغيرة بشكل واضح مقارنة مع الاضرار في السنة الاخيرة. ايضا الوضع الاقتصادي للبنان كان في حينه افضل بكثير. هكذا، خلال فترة قصيرة نسبيا نجح اقتصاده في التعافي. وحسب تقارير لبنانية فان الاموال التي خصصتها ايران تقدر بنحو 5 مليارات دولار، ولكن لا أحد يعرف اذا كانت ستفي بتعهدها. 

أيضا توقع أن حكومة لبنان ستفي بتعهدها في مساعدة اعادة اعمار الدولة يعتمد على دعامة مكسورة. خزينة الدولة فارغة، وهي سيتعين عليها اعادة ترميم البنى التحتية الحيوية، شبكة الكهرباء والمياه والمباني العامة التي دمرت في سنة الحرب. تعهد الدول المانحة بمساعدة لبنان يبلغ نحو مليار يورو، منها 200 مليون خصصت لتمويل تأهيل الجنود الجدد في الجيش اللبناني، الذي بدأ في الانتشار في جنوب نهر الليطاني. ولكن حتى الآن لم يتم تحديد آلية معينة التي عبرها ستنتقل التبرعات. قاسم دعا في الواقع الدول الغربية ورجال اعمال لبنانيين يعيشون في الخارج الى تقديم التربعات من اجل اعادة اعمار الدولة. ولكن حتى الآن، باستثناء المساعدات الانسانية، لا نعرف عن نية دول عربية للبدء في ضخ مساعدات ملموسة للدولة.

لكن مشكلة لبنان الحقيقية هي أنه بعد الانقلاب في سوريا وتشكيل نظام جديد هناك، فان سوريا ستكون الدولة المفضلة لضخ اليها المساعدات العربية والدولية، في حين أن لبنان يمكن ابعاده الى آخر الطابور. في المنافسة المتوقعة بينه وبين سوريا على مصادر التمويل لاعادة الاعمار، ستكون لسوريا الافضلية بسبب أهميتها الاستراتيجية.

التعاطف الدولي والعربي الذي تدفق من سقوط نظام الاسد هو فقط جزء من التفسير. الانقلاب في سوريا اعتبر سقوط كبير لايران، وهو يرمز الى تحطم “المحور الشيعي”، ومثله ايضا ابعاد روسيا عن مواقعها في شرق البحر المتوسط. الهدف المشترك لدول الغرب وعلى رأسها الولايات المتحدة والدول العربية سيكون من الآن فصاعدا تعزيز العلاقات واعتماد النظام السوري الجديد على العالم العربي المؤيد للغرب.


سوريا هي ايضا دولة رئيسية، لديها القدرة على منع اعادة ترميم حزب الله، ومنع نقل السلاح والوسائل القتالية من ايران عبر العراق الى لبنان. وايضا يمكنها تقويض نفوذ حزب الله في الفضاء السياسي في لبنان. من ناحية الدول الاوروبية فان سوريا “الجديدة” ستعتبر دولة آمنة، لذلك فانه يتوقع أن تستوعب ملايين اللاجئين الذين هاجروا الى الدول الاوروبية. هذا الهدف تشارك فيه ايضا تركيا التي تستضيف اكثر من 3 ملايين لاجيء سوري، اضافة الى طموحها تجنيد النظام الجديد في النضال ضد الاكراد. وقد اعلنت في السابق بأنها ستساعد أحمد الشرع، زعيم سوريا، في تاسيس “جيش وطني سوري” لهذا الغرض. 

لبنان لا توجد له موارد استراتيجية مشابهة لعرضها على الدول المانحة. وهي في هذه الاثناء دولة اختبار، يجب عليها الاثبات بأنه يمكنها على الاقل تنفيذ اتفاق وقف اطلاق النار. الزعيم السوري اصبح خلال بضعة اسابيع شخصية يطلب ودها، وهو يبث قدرات ادارية وحكومية ويحصل على اعتماد سياسي دولي، لكن لبنان، المفلس، تتم ادارته منذ ثلاث سنوات من قبل حكومة مؤقتة، صلاحياتها وقدراتها محدودة جدا.

رئيس الحكومة اللبناني، نجيب ميقاتي، مقيد بالقيود الدستورية والسياسية التي لا تسمح له باجراء اصلاحات اقتصادية أو تشريعية، والشخص القوي في الدولة هو رئيس البرلمان نبيه بري (88 سنة)، الذي لديه صلاحية ادارة عملية انتخاب الرئيس الجديد. نبيه بري تعهد بأن يعقد في 9 كانون الثاني جلسة للبرلمان سيتم فيها انتخاب رئيس جديد، الذي بدوره يمكنه تعيين رئيس حكومة دائم، الذي يجب عليه اعداد الدولة للانتخابات. ولكن لا يوجد أي يقين في أن جلسة البرلمان الموعودة سيتم عقدها حقا في الموعد الذي حدده بري (هناك من اقترحوا تأجيلها الى حين دخول ترامب الى البيت الابيض). وحتى لو تم عقدها فانه لا توجد أي ضمانة بأنه سينتج عنها رئيس جديد للبنان، لأنه حتى الآن لم يتم الحصول على موافقة جميع الحركات والتيارات السياسية في الدولة على مرشح يوحد الصفوف. 

على الاقل 6 اشخاص يعتبرون انفسهم مناسبين لهذا المنصب. ولكن المنافسة ستتركز كما يبدو بين ثلاثة اشخاص لديهم الفرصة الافضل، سليمان فرنجية المرشح من قبل حزب الله، جوزيف عون، قائد الجيش الذي يحصل على دعم عدد من الحركات المسيحية، ورجل الاعمال جهاد الزعور، المدعوم بعدد من الاحزاب المسيحية.

اذا كان حزب الله قبل الحرب وخلالها قد “وقف بصمود” ومنع بنجاح انتخاب رئيس ليس من قبله، فانه الآن بعد الضربة التي تعرض لها الحزب وايران ايضا، وبعد تصفية حسن نصر الله، فان قدرته على فعل ذلك تضاءلت. انتخاب الرئيس يمكن أن تكون له تداعيات دراماتيكية على مكانة حزب الله كجسم سياسي في الدولة، وعلى قدرته على مواصلة توجيه سياستها. من هنا، على الاقل نظريا، فان انتخاب الرئيس “الصحيح” هو التغيير الاستراتيجي الذي يمكن أن يعرضه لبنان على المجتمع الدولي، بالاساس لتثبيت وقف اطلاق النار. ولكن انتخاب الرئيس الجديد وحده غير كاف. فبدون حبل انقاذ اقتصادي كثيف يضمن ترميم الدولة فان ايران يمكن أن تبقى انبوب الاوكسجين الذي سيضمن سيطرة حزب الله السياسية. 

المنشورات ذات الصلة