يجمع الإسرائيليون على أن الحرب الشاملة وشيكة،
وأن الأمر يتعلق بتوقيتها وحجمها وكيف ستتلقى إسرائيل الضربة، وما سيتقرر بناء
عليها. ورغم أن تل أبيب تؤكد استعدادها دفاعا وهجوما، فإن التقديرات تشير إلى
مخاوف جدية من حرب لم تعهدها إسرائيل وخسائر كبيرة.
وأشارت صحيفة هآرتس الأحد إلى أن سكان منطقة تل
أبيب الكبرى أبلغوا عن اضطرابات كبيرة في عمل تطبيقات نظام تحديد المواقع العالمي
(جي بي إس)، وهي الخطوة التي من المرجح أن تكون إسرائيل هي التي بدأتها استعدادا
لضربات وشيكة من حزب الله وإيران.
ووفقا للصحيفة، تعتبر هذه الخطوة النادرة في تل
أبيب، المركز الاقتصادي والثقافي لإسرائيل، مؤشرا لقرب المواجهة، وإجراء استباقيا
لمواجهة تهديد الطائرات المسيرة أو الصواريخ التي تستخدم هذا النظام.
وقامت إسرائيل الأحد أيضا بتفعيل نظام التحذير
والتنبيه الأمني عبر شبكات الهاتف المحمول في جميع أنحاء إسرائيل، وهو ما يؤشر
كذلك إلى هجوم بات وشيكا.
وتستند تقديرات قرب المواجهة أيضا إلى أن
التعهد بالرد على اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية (حماس)
إسماعيل هنية في طهران، ومقتل القيادي في حزب الله فؤاد شكر في هجوم استهدف ضاحية بيروت الجنوبية، جاءت
مباشرة من المرشد الأعلى للثورة الإيرانية علي خامنئي والرئيس مسعود بزشكيان والقادة العسكريين في الجيش والحرس الثوري، إضافة إلى الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله.
وكانت صحيفة نيويورك تايمز قد نقلت بدورها عن 3
مسؤولين إيرانيين مطلعين تصريحاتهم بأن المرشد الإيراني علي خامنئي أمر بضرب
إسرائيل مباشرة، ردا على اغتيال إسماعيل هنية على أراضيها.
ووفقا للصحيفة، فإن القادة الإيرانيين يدرسون
شن هجوم بمسيرات وصواريخ على أهداف عسكرية بمحيط تل أبيب وحيفا، وأن من بين الخيارات شن هجوم منسق من إيران واليمن وسوريا والعراق
لتحقيق أقصى تأثير، وفق تقديرها.
كما تؤكد مصادر إسرائيلية متعددة أن إيران سترد
خلال الأيام القليلة المقبلة وربما بداية هذا الأسبوع، في حين نقل موقع
"أكسيوس" الأميركي عن 3 مسؤولين أميركيين وإسرائيليين توقعاتهم بأن تنفذ
إيران هجومها بدءا من يوم الاثنين.
تؤكد صحيفة "هآرتس" (عدد 4 أغسطس/آب)
أن حربا شاملة ستعني "دمارا على نطاق غير مسبوق في الجبهة الداخلية
الإسرائيلية، من شأنه أن يعطي مصطلح الحرب معنى جديدا، يكون أكثر تهديدا ورعبا
بكثير مما تشهده إسرائيل في قطاع غزة".
من جهتها، ترجح الأجهزة الأمنية والعسكرية
الإسرائيلية أنه بخلاف الهجمة الإيرانية السابقة في 14 أبريل/نيسان الماضي، ستقوم
إيران بإطلاق صواريخ باليستية وأخرى جوالة والعديد من المسيرات المفخخة على قواعد
ومواقع للجيش الإسرائيلي.
وتشير توقعات وتحليلات الصحف الإسرائيلية إلى
الهجمات التي قد تكون منسقة، لن تستهدف فقط هذه المرة قاعدة "نيفاتيم"،
بل قد تطال بعض القواعد في وسط البلاد وجنوبها، من بينها قاعدة "سيدوت
ميخا" الواقعة إلى الجنوب الغربي من تل أبيب، و"قاعدة رامون"
الجوية الواقعة جنوب غرب بئر السبع، و"قاعدة رامات
ديفيد"،
و"قاعدة حتسور" قرب القدس، وقاعدة "حتسريم" في صحراء النقب،
وقاعدة "تل نوف" الواقعة جنوبي تل أبيب.
ويستبعد الإسرائيليون أن تستهدف الضربات مراكز
حضرية مثل المطارات المدنية أو تجمعات سكنية، وأن تقتصر على أهدف عسكرية
واقتصادية، ويتوقعون أيضا استهداف محطات توليد الطاقة ومنشآت المياه، والموانئ
البحرية التي تعتمد عليها "إسرائيل" بنسبة 90% لاستيراد البضائع
وتصديرها، مثل ميناءي حيفا وأسدود، وميناء إيلات جنوبا الذي خرج عن الخدمة بفعل
ضربات الحوثيين في البحر الأحمر.
ومن شأن استهداف هذه الموانئ والمرافق الحيوية،
ولو بضربات محدودة أو مؤثرة ومتواصلة، أن يفاقم الوضع الصعب الذي يعيشه الاقتصاد
الإسرائيلي، ويعطل حركة نقل السلع والخدمات الأساسية، بما يعنيه ذلك من ضغوط على
مجتمع يعاني أصلا من ثقل التحديات والتداعيات الأمنية والاقتصادية الناجمة عن هجوم "طوفان الأقصى"
والعدوان على غزة.
وتخشى إسرائيل أن تتركز الهجمات -إن وقعت- على
مدينتي تل أبيب وحيفا برمزيتهما ووزنهما السياسي والاقتصادي والديمغرافي. وقالت
صحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية (عدد السبت 3 يوليو/ تموز) "إن
المراكز الحيوية الإسرائيلية في مدينة حيفا تترقب بقلق انتقام حزب الله لاغتيال
القائد العسكري، فؤاد شكر".
يدرك الإسرائيليون أيضا أن إيران وحزب الله
لديهما قاعدة بيانات ضخمة للأهداف التي يمكن ضربها، ليس أقلها ما جمعته طائرة
"الهدهد" المسيرة التابعة لحزب الله 3 مرات عن مختلف المرافق العسكرية
والاقتصادية ولبطاريات القبة الحديدية، وحتى مكاتب القادة العسكريين في مدينة حيفا
-وفق فايننشال تايمز- بشكل أحرج الجيش الإسرائيلي وقادته.
وتقدر صحيفة "إسرائيل اليوم" من
جهتها أن يتضمن الهجوم محاولة إيرانية لمهاجمة أنظمة الاتصالات في إسرائيل، وهجوما
سيبرانيا واسع النطاق على مواقع المؤسسات السيادية.
وحسب التقديرات الإسرائيلية، لا يتوقف حجم
الضربة المنتظرة على منطق "الثأر" لاغتيال إسماعيل هنية أو مقتل فؤاد
شكر واسترداد الهيبة، بل يحتكم إلى بالأساس إلى الرغبة في استعادة "محور المقاومة" لقواعد
الردع، وعدم السماح لإسرائيل بتسجيل نقطة مهمة في الصراع الشامل.
يشير مركز "ألما" الإسرائيلي للبحوث
الأمنية في تحليل لجاكوب لابين وتال باري إلى أنه من المستحيل التنبؤ بدقة بطريقة
الهجوم التي قد تختارها إيران وحزب الله، لكن هناك عدة احتمالات، ويبدو أن أكثرها
ترجيحا هو الهجوم المشترك بصواريخ دقيقة، وأسراب من الطائرات مسيرة على أهداف
حساسة ومهمة في إسرائيل، مثل الأهداف العسكرية في قلب مدينة إسرائيلية مركزية أو
منصات الغاز في المياه الاقتصادية للبحر الأبيض المتوسط، وفق تقدير المركز.
ويشير تحليل المركز الإسرائيلي إلى أن
"مثل هذا الهجوم يمكن أن يحدث تأثيرا كبيرا ويسبب اضطرابات كبيرة في عمل دولة
إسرائيل، وأن يمثل عبئا على أنظمة الدفاع الإسرائيلية، قبل أو أثناء إطلاق
الصواريخ الدقيقة".
وتؤكد التقديرات الإسرائيلية أن حزب الله يملك
القدرة على إطلاق صواريخ دقيقة من جميع أنحاء لبنان، و"يمكن أن ينسق هذا
الهجوم مع هجوم متزامن من قبل إيران وكذلك القوات الإيرانية أو تلك التي تعمل تحت
إشراف إيران من ساحة أخرى، وخاصة سوريا أو اليمن" وفق مركز ألما للبحوث.
ويشير التحليل إلى أن حزب الله يمكنه إطلاق 3
آلاف صاروخ يوميا، إذ يمتلك حاليا ترسانة تضم نحو 250 ألف رأس حربي -هناك تقديرات
أخرى بامتلاكه ما بين 130 و200 ألف صاروخ- "تسمح له ضرب أهداف حيوية وقيمة في
إسرائيل، مثل مرافق البنية التحتية والقواعد العسكرية والمراكز السكانية، مما قد
يسبب أضرارا جسيمة ويخلق شعورا شديدا بعدم الأمان بين عامة الناس في إسرائيل، مما
يؤثر على الروح المعنوية والقدرة على الصمود الوطني".
ورغم القدرات الدفاعية وأنظمة الدفاع الجوي
المتطورة التي تمتلكها، مثل القبة الحديدية، ومقلاع داود، وحيتس 3، وباراك 8، والقبة الحديدية البحرية على متن سفن ساعر 6،
تتخوف إسرائيل من خطة الإغراق الواسعة بالمسيرات والصواريخ، وأن يؤدي الجمع بين
الهجمات الصاروخية والطائرات المسيرة من جبهات متعددة إلى تشتيت وإضعاف أنظمة
الدفاع الجوي الإسرائيلية وزيادة الضغط على العمق الإسرائيلي والجبهة الداخلية،
وبالتالي حصول خسائر عسكرية ومادية فادحة.
وإضافة إلى الهجمات الجوية، وإمكانية مهاجمة
سفن وأهداف بحرية بصواريح "ياخونت"من قبل حزب الله، لا تستبعد التقديرات
الإسرائيلية في الوقت نفسه فرضية محاولة تسلل برية للعشرات أو المئات من عناصر
النخبة في حزب الله إلى منطقة محددة "كعنصر إضافي في ردهم المحتمل".
وكان تال باري -وهو أيضا رئيس قسم الأبحاث في
معهد ألما- قد قال إن هناك "مئات الكيلومترات من الأنفاق تم بناؤها تحت الأرض
داخل الصخور الصلبة "بما يسمح لحزب الله بتنفيذ هجمات تكون لها عواقب وخيمة".
ترجح التقديرات أن يكون الهجوم المفترض على
إسرائيل خاطفا ومحدودا ويشمل منشآت عسكرية وربما اقتصادية تحقق أهداف الردع
و"الثأر" معا، وفي هذا السياق يؤكد مركز ألما للبحوث أنه "ربما
يختار المحور الشيعي بقيادة إيران القيام بمحاولة رد كبيرة، ولكنه قد يترك الباب
مفتوحا للتراجع عن شفا حرب إقليمية شاملة في الوقت الراهن".
من جهته، رجح المحلل السياسي بن كسبيت، في مقال
له بموقع "والا" (يوم 4 أغسطس/آب) أن الرد الإيراني سيكون أقوى وأوسع من
الهجمات الصاروخية السابقة، لكنه لن يتجاوز مجددا الخطوط التي قد تؤدي إلى حرب
شاملة بالشرق الأوسط، حسب تقديره.
وعمليا، تمتلك إسرائيل قدرات عسكرية تمكنها من
الحرب على أكثر من جبهة، وهي تعتمد بالأساس على سلاح الطيران والصواريخ، لكنها قد
تجد نفسها في ساحة حرب واسعة، وفي مساحة جغرافية شاسعة يصعب أن تؤثر فيها عسكريا
بشكل حاسم، كما حصل في غزة ولبنان طوال الأشهر الماضية.
ورغم عوامل التفوق، تفتقر إسرائيل عمليا إلى
العمق الجغرافي والديمغرافي الذي يتوفر للطرف المقابل، ولا تسمح لها جبهتها
الداخلية المتضررة في حرب مستمرة منذ 10 أشهر بشن حرب واسعة ومستمرة ومتفرقة على
عدة جبهات، مع خسائر قد تكون فوق احتمالها.
ويأتي التأهب للحرب وسط أزمة هيكلية في القيادة
العسكرية والسياسية في إسرائيل، وفي ظل خلافات متزايدة في القرار السياسي،
فالحكومة لم تستطع وضع إستراتيجية الانتهاء من حرب غزة، ويصعب الذهاب إلى حرب أخرى
واسعة وطويلة دون وجود جبهة موحدة.
ومثل ما حصل في الهجوم الإيراني يوم 14 أبريل/
نيسان، قد تتلقى إسرائيل مساعدة من حلفائها في المنطقة لاعتراض الصواريخ والمسيرات
المتوجهة لضربها، لكن تلك الدول الحليفة في الغالب لن تشارك في عمليات هجومية إلا
إذا استهدفت مصالحها بشكل مباشر، أو كانت تهدد بهزيمة محققة لإسرائيل.
ونشرت الولايات المتحدة حاملة طائرات وبوارج
إضافية في المنطقة "للاستعداد لحاجة محتملة مرة أخرى للدفاع عن اسرائيل من
هجوم"، -وفقا لما نقلته وكالة رويترز- عن نائب مستشار مجلس الأمن
القومي الأميركي جوناثان فاينر، مشيرا إلى أن "حربا إقليمية ليست في مصلحة أي
كان في الوقت الراهن".
بقدر ما تشكل الجبهة الشمالية (مع حزب الله في
لبنان) مصدر القلق الرئيسي للحرب بالنسبة لإسرائيل، اعتبارا لقدرات حزب الله
العسكرية وقرب الحدود والمستوطنات -التي نزح منها نحو 90 ألفا حتى الآن- فهي تشكل
أيضا الخاصرة الرخوة في معادلة الردع لحزب الله و"محور المقاومة"
حتى مع نشوب حرب واسعة.
وعمليا لا تمتلك إسرائيل وسائل ردع قوية ضد
أنصار الله (الحوثيين) في اليمن، جراء البعد الجغرافي وصعوبة العمليات العسكرية
وتكلفتها، ولا مع بقية الفصائل في العراق أو سوريا، في حين تبدو إيران بإمكانياتها
العسكرية وامتدادها الجغرافي بعيدة أيضا عن مسرح العمليات المباشرة بتأثيراتها
الفورية والقوية.
وقال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين
نتنياهو الأحد "إن إسرائيل سترد على أعدائها الضربة بضربتين"، فيما قال
وزير الدفاع يوآف غالانت، إنه "إذا تجرأ العدو على مهاجمتنا، فسوف
يدفع ثمنا باهظا".
وفي حالة اندلاع مواجهة يرجح محللون أن تركز
إسرائيل على الجبهة اللبنانية القريبة اعتمادا على "إستراتيجية
الضاحية"،
لإحداث أكبر قدر ممكن من الدمار في بيروت وربما مدن لبنانية أخرى، كعنصر ردع لحزب
الله وللأطراف الأخرى المشاركة في الحرب.
تشير التقديرات إلى أن الحرب ستكون في الغالب
محدودة، ويعتمد توسعها إلى درجة لا يمكن السيطرة عليها على مدى قوة الضربة التي قد
توجهها إيران وحلفاؤها، وحجم الخسائر التي تترتب عنها لإسرائيل، وعلى رد إسرائيلي
مماثل أو أقسى، وعلى جهود دولية تبذل للحؤول دون تحولها إلى حرب إقليمية طويلة
وواسعة ومكلفة.