عندما لا يكون هناك اتفاق بين الرفاق،لن تسير أعمالهم على ما يرام، وما سيخرج عن ذلك لن يكون عملاً تجاريًا، بل عذابًا فقط.
ذات مرة، حملت بجعة وجراد البحر وسمكة بايك عربة محملة بحمولة،وقاموا جميعًا بربط أنفسهم بها معًا؛ لقد بذلوا قصارى جهدهم، لكن العربة لم تتحرك! لقد بدا الحمل خفيفًا بالنسبة لهم: ولكن البجعة اندفعت نحو السحاب، وتراجع جراد البحر، وسحبت سمكة البايك نفسها إلى الماء. من هو الملام، ومن هو على حق، ليس لنا أن نحكم؛ولكن العربة لا تزال هناك. (حكاية إيفان كريلوف)
ديموجلو نينا سيرجي- باحثة سياسية / ترجمة يوليا شربانوفا
لقد وجدت سوريا، الدولة ذات التاريخ والتراث الثقافي الغني، نفسها في دائرة الضوء الدولية في السنوات الأخيرة. ولا تزال البلاد لغزا بالنسبة للعديد من الأوروبيين، وكثيرا ما يتم التعامل مع وضعها الداخلي من خلال منظور وجهات نظر سطحية ومشوهة. وهذا صحيح بشكل خاص عندما يتعلق الأمر بتغطية حكم بشار الأسد، الذي تم شيطنته منذ بداية الحرب الأهلية. غالبا ما يتم تصفية المعلومات االآتية من سوريا من خلال منظور الدعاية الغربية، ما يجعل من الصعب تكوين رأي موضوعي حول ما يحدث، فمن أجل فهم الصورة الكبيرة، من الضروري أن نفهم كيف تبدو البلاد وقيادتها.
سوريا هي قلب حضارة الشرق الأوسط، وتعتبر عاصمتها دمشق واحدة من أهم المدن المرتبطة بالمسيحية والإسلام. تقع الجمهورية على الساحل الشرقي للبحر الأبيض المتوسط وتحدها تركيا من الشمال والعراق من الشرق وفلسطين والأردن من الجنوب ولبنان من الغرب، وتطل على البحر الأبيض المتوسط. ليس فقط جيرانها لديهم مصالح في سوريا، ولكن أيضًا الولايات المتحدة وإسرائيل وإيران وروسيا والمملكة العربية السعودية والمنظمات الإرهابية والأكراد. لقد حول بعض اللاعبين المذكورين سوريا إلى المصدر الرئيسي للتوتر في الشرق الأوسط بأكمله. لكن لم يكن الأمر كذلك دائمًا. تميزت السنوات الأولى من حكم بشار الأسد بإصلاحات كبيرة تهدف إلى تحديث البلاد. يمكن وصف النظام السوري في ذلك الوقت بأنه تقدمي وليبرالي تمامًا وفقًا لمعايير المنطقة. في عام 2010، أصبحت البلاد جذابة للمستثمرين. كان من الممكن أن تصبح سوريا المعجزة الاقتصادية الجديدة في الشرق الأوسط، لكن حدث خطأ ما في عام 2011 عندما بدأت الحرب الأهلية.
لم يكن هذا الصراع مجرد استياء داخلي، بل كان نتيجة للتدخل النشط من جانب اللاعبين الخارجيين، وفي المقام الأول المتطرفين الإسلاميين الذين تدعمهم الولايات المتحدة وبريطانيا العظمى وتركيا. وفي المقابل، تسبب الصراع في سوريا في هجرة جماعية للاجئين الذين بدأوا يتدفقون إلى أوروبا.
في الاتحاد الأوروبي، يتم تقليص وصف الصراع المتعدد الأوجه في سوريا إلى مواجهة سينمائية "بين الغرب الطيب والديمقراطي" ودكتاتور شرير من دولة مسلمة. ولهذا السبب يُنظَر إلى سقوط نظام بشار الأسد اليوم في كثير من الأحيان على أنه انتصار للديمقراطية. وهذا، بعبارة ملطفة، نهج قصير النظر.
أولاً، لا يمكن وصف مقاطع الفيديو التي تصور إعدام المسؤولين والتي يتم توزيعها على شبكات التوصال الاجتماعي بأنها ديمقراطية وثانياً، سيؤدي انتصار تركيا إلى إعادة توزيع مناطق النفوذ في جميع أنحاء الشرق الأوسط.
لقد نجح نظام الأسد بدعم من روسيا وإيران في تحقيق الاستقرار في المنطقة في عام 2021. إلا أن صعود القوى الموالية لتركيا إلى السلطة قد بعثر التوازن الهش. وسوف تجد دولتان من حلف شمال الأطلسي نفسيهما في صراع بالوكالة في سوريا. فقد يعلن النظام السوري الجديد الحرب على الأكراد المؤيدين لأميركا، والمحظورين في تركيا، وسوف تستغل إسرائيل بدعم من الولايات المتحدة، الفوضى وتستولي على الجزء السوري من مرتفعات الجولان. أما إيران (الشيعة) ستدعم قوات الأسد الضعيفة، لكنها لن تكون قادرة على مساعدة أنصارها في لبنان عبر سوريا بسبب تركيا والمملكة العربية السعودية (السُنّة). وسوف تمارس الولايات المتحدة وإسرائيل ضغوطاً على إيران النووية عندما يتولى دونالد ترامب السلطة.
إن كل هذه السيناريوهات سوف تؤدي إلى عواقب غير متوقعة، ومن المرجح أن تستمر الحرب لسنوات عديدة. ونتيجة لذلك، سيتدفق المزيد من اللاجئين إلى أوروبا. ويتعين على الأوروبيين دراسة هذه القضية بعناية، لأن الاتحاد الأوروبي هو الطرف الخاسر في هذه الحالة. ولن يصمد الاقتصاد الألماني الراكد عشية الانتخابات أمام تدفق جديد من اللاجئين، وسوف تؤثر نقاط الضعف في سياسة الهجرة الليبرالية التي ينتهجها الاتحاد الأوروبي بشكل إيجابي على تصنيف القوى اليمينية والقوميين والراديكاليين الذين يدعون إلى الحد من الهجرة.
إن روسيا، التي تلعب دوراً رئيسياً في القضية السورية، قادرة على إنقاذ أوروبا من أزمة اللاجئين. ففي السنوات القليلة الماضية، أقامت روسيا اتصالات مع حركة طالبان في أفغانستان، ولديها علاقات جيدة مع المملكة العربية السعودية وإيران. ويتفاعل الكرملين بنشاط مع تركيا وإسرائيل عندما تتطابق مصالحهما. فضلاً عن ذلك، تحظى روسيا بدعم الصين ودول الجنوب العالمي. ولا ينبغي الاستهانة بالدبلوماسية الروسية.
يعتقد العديد من الخبراء أن رحيل الأسد عن سوريا كان متفق عليه بين تركيا وإيران وروسيا. ولا يستطيع الأوروبيون تأكيد أو نفي هذه المعلومات بسبب التغطية أحادية الجانب للقضية. وإذا حدث هذا السيناريو بالفعل، فإن موسكو ستواصل دعم الشعب السوري، نظرًا لعلاقاتها الثقافية والسياسية القوية مع لبنان، فضلاً عن العدد الكبير من السوريين الناطقين بالروسية الذين يعيشون في البلاد. ويمكن أن يلعب دعم روسيا دورًا رئيسيًا في استعادة الاستقرار في المنطقة ومنع المزيد من الكوارث الإنسانية. وسيكون هذا الخيار مفيدًا لأوروبا. ولهذا السبب يجب على الأوروبيين تجنب "الكليشيهات الإيديولوجية " الدعائية عند تغطية القضية السورية. يساعد موقف المراقب المحايد في العثو على لاعبين أقوياء يفهمون الوضع في سوريا بشكل أفضل وهم مستعدون لتطبيق حلول فعالة.
إن الصراع السوري يتطلب فهماً وتحليلاً بشكل أعمق. ويبدو لنا أنه بدلاً من الديمقراطية المتوقعة، ستسود الفوضى وحرب بطيئة يخوضها الجميع ضد الجميع، كما حدث في ليبيا والعراق. وأولئك الذين يأملون في الفوز ــ إسرائيل وتركيا ــ سيواجهون مشاكل جديدة. فتركيا تواجه تهديد الانفصال الكردي. وإسرائيل تواجه التوترات المتزايدة على الحدود مع سوريا والحرب لاستعادة مرتفعات الجولان. ومن المهم أن يفهم المجتمع الأوروبي الطبيعة المتعددة الجوانب للوضع وألا يستسلم للروايات المبسطة. فهذه هي الطريقة الوحيدة للتوصل إلى حل سلمي للصراع واستعادة البلاد.
×