كتب نجم الهاشم في “نداء الوطن”:
عندما وافق “حزب الله” والحكومة اللبنانية في 27 تشرين الثاني الماضي على اتفاق وقف إطلاق النار بكل مندرجاته، بما فيها تسليم سلاح “الحزب” وإنهاء وجوده العسكري، في كل لبنان وليس في جنوب نهر الليطاني فقط، لم يكن نظام بشار الأسد قد سقط في سوريا. اعتباراً من 8 كانون الأول، تاريخ هذا السقوط، بات “الحزب” أمام خيارات أصعب تفرض عليه تبديل استراتيجيته التي بناها من أجل أن يبقى ويستمر. كانت هناك جبهة واحدة مفتوحة عليه صار الآن في مواجهة جبهتين: واحدة مع إسرائيل، والثانية مع النظام الجديد في سوريا. فهل يلتزم؟ وهل تستأنف إسرائيل الحرب ضدّه؟
صباح كل يوم، لا يزال الناطق باسم الجيش الإسرائيلي أفيخاي أدرعي يصرّ على تذكير اللبنانيين وسكان نحو 66 بلدة في الجنوب بأنّ الحرب لم تنتهِ ، وأنّ القوات الإسرائليلية لا تزال في مواقعها، وأنّ تطبيق اتفاق وقف إطلاق النار لم يتمّ بعد، وأن مهلة الستين يوماً لا تزال مفتوحة. ويكتب أدرعي عبر موقع “إكس” أنّه “حتى إشعار آخر يحظر عليهم الانتقال جنوباً إلى خط القرى ومحيطها”. ويضيف: “الجيش الاسرائيلي لا ينوي استهدافكم .ولذلك، يحظر عليكم في هذه المرحلة العودة إلى بيوتكم من هذا الخط جنوباً حتى إشعار آخر. كل من ينتقل جنوب هذا الخط يعرّض نفسه للخطر. وكذلك، يرجى عدم العودة إلى القرى…” ويسمي هذه القرى قرية قرية ومن ضمنها بلدة الخيام التي وقع عليها الخيار لتكون محطة البداية في عملية تسليم الأمن في الجنوب للجيش اللبناني ليتولى عملياً تنفيذ مندرجات وقف إطلاق النار.
لا مجال للتذاكي
تذكير أدرعي يعني يومياً أن الحرب لم تنته، وأن الرهان هو على التطبيق الفعلي للاتفاق من دون أي محاولة للتذاكي أو للإلتفاف عليه، أو تفسيره على النحو الذي يريده “حزب الله”. وفي هذا الإطار يسقط قول أمينه العام الجديد الشيخ نعيم قاسم بأن الاتفاق يطبّق في منطقة جنوب الليطاني وليس في كل لبنان.
لم يكتف الشيخ نعيم بهذا الكلام فقط، بل أضاف أن “الحزب” فقد خط التواصل والإمداد مع إيران عبر سوريا بعد سقوط نظام الأسد، وأنّه لن يتوانى عن إيجاد طرق أخرى لتأمين هذا الإمداد، الأمر الذي يتناقض أيضاً مع اتفاق وقف النار. ويبدو أن الشيخ نعيم مع “الحزب”، لا يريدان أن يفهما أو أن يصدّقا أنّ الأمور تبدّلت جذرياً في لبنان وفي سوريا، وأنّ عليهم الانصياع لتطبيق كل بنود الاتفاق.
لقد بات لبنان اليوم أمام فرصة انتظرها اكثر من 54 عاماً، تتمثل بتحرّره من النظام السوري السابق، ونحو 40 عاماً ليتحرّر من قبضة “الحزب”. ولا بدّ من اغتنام هذه الفرصة لتأكيد هذا التحرّر وتثبيته على أرض الواقع. لكن هذا ما يعمل “الحزب” على تجاوزه محاولاً أن يبقى على ما كان عليه. فهل يمكن أن ينجح؟
رهانات الحزب الخاطئة
عندما وافق “حزب الله” على اتفاق وقف إطلاق النار، اعتبر أنّ بإمكانه أن يناور وأن يتهرّب من الالتزام بالتنفيذ، وأن يحتفظ بسلاحه مركّزاً على عدّة عوامل ومعطيات:
اعتبر أن السلطة السياسية في لبنان المتمثّلة بحكومة الرئيس نجيب ميقاتي وبغطاء من رئيس مجلس النواب نبيه بري لن تجرؤ على تنفيذ الاتفاق لجهة نزع سلاحه وإنهاء وجوده العسكري، وأنّه في أسوأ الأحوال، يكون التنفيذ على غرار ما حصل بعد حرب تموز 2006 وصدور القرار 1701.
وبالتالي كان “الحزب” يعتبر أيضاً أن بإمكانه الاستمرار في تعطيل انتخاب رئيس للجمهورية ومنع تشكيل سلطة سياسية جديدة تتولّى مهمة تنفيذ الاتفاق وتفرض عليه الالتزام بتطبيقه.
اعتبر “الحزب” أيضاً أن الجيش اللبناني بقيادة العماد جوزيف عون، لن ينفّذ هذا الإتفاق ولن يصطدم به ولن يصادر مخازن أسلحته، لأن السلطة السياسية الخاضعة لـ”الحزب” لا تغطّي مثل هذه العملية، ولأنّ قائد الجيش لا يمكن أن يأخذ على عاتقه مسؤولية مثل هذه القرار. وهذا ليس من مصلحته بينما اسمه مطروح جدّياً ليكون رئيساً للجمهورية. وأيّ صدام من هذا النوع يقضي على إمكانية انتخابه.
اعتبر “الحزب” أيضاً أنّه يحتفظ بساحة خلفية له في سوريا، ما يمكنه أن ينقل إليها ترسانة ضخمة من السلاح والعناصر ويقيم مخيمات التدريب والمخازن بعيداً عن متناول أي سلطة في لبنان حتى لو حصلت معجزة وقامت سلطة لا يسيطر عليها كما هو الوضع الحالي.
أهالي القصير والقلمون هل ينتقمون؟
ولكن معظم حسابات “الحزب” سقطت. وبات عليه إجراء مراجعة شاملة تحت طائلة تحمل النتائج التي يمكن أن تكون كارثية أكثر من نتائج الحرب نظراً إلى الوقائع التالية:
سقوط نظام الأسد أدى إلى هزيمة مدوية لـ”الحزب” ولإيران معاً. فجأة وجد “الحزب” نفسه مضطراً لسحب وحداته العسكرية تحت النار وفي وقت قياسي. وكان عليه أن يخلي مقرّاته ومخازنه وناس بيئته بعدما كان راهن على أن سوريا باتت مقرّاً دائما له. وليس معروفاً ما إذا كان تمكّن من إخلاء كل مخازنه أم أنها سقطت بيد “هيئة تحرير الشام”.
بات على “الحزب” أن يداوي جراحه وأن يستقبل النازحين الجدد من سوريا، وأن يتحسّب لحصار جديد من الجهة السورية. وبعدما كانت سوريا ملجأ أمانٍ له باتت مصدر خطر. وفجأة، عادت هواجس قتاله دعماً لبشار الأسد ومعاركه في منطقة القصير والقلمون وحلب وداريا والغوطة وغيرها. وبدا واضحاً أمامه أن القوات التي كان يحاصرها الجيش اللبناني في القلمون وسمح لها “الحزب” بالانتقال إلى إدلب، عادت إلى الجبهة من جديد. وأن أهالي القصير والقلمون الذين هجّرهم “الحزب” قد يرغبون بالانتقام.
بدا واضحا لـ”الحزب” أيضاً، أن إسرائيل مستمرة في توجيه الضربات إليه بعد 27 تشرين الثاني وهو عاجز عن الردّ، أو يتجنّبه، لأنّه في الأساس لم يوافق على اتفاق وقف إطلاق النار بكل مندرجاته إلّا لأنّه شعر أنّه يواجه هزيمة كاملة.
هل تتحرّر إسرائيل من اتفاق وقف النار؟ وهل يغامر “الحزب” ويحاول التذاكي والتفلّت من الالتزام بتنفيذ الإتفاق والتخلّي عن سلاحه طوعاً؟ وهل هذه المحاولة ستجعله واقعاً بين جبهتين ومواجهتين وكمّاشتين: جبهة مع إسرائيل في الجنوب، وجبهة مع “هيئة تحرير الشام” في البقاع وعلى الحدود مع سوريا؟
بعد سقوط نظام الأسد في دمشق، سقطت المحرمات العسكرية وخطوط الهدنة التي كانت تلتزم بها إسرائيل على الجبهة السورية وتوغّل الجيش الإسرائيلي في الجولان وجبل الشيخ وعلى الحدود مع لبنان. ومن الممكن، أن تسقط هذه المحرّمات أيضاً على الجبهة مع لبنان. وإذا لم يلتزم “حزب الله” الإتفاق، وإذا لم تنفّذ الحكومة اللبنانية والجيش اللبناني هذا الإتفاق، يمكن أن تتحرر إسرائيل منه، على الرغم من أن لجنة مراقبة تنفيذه بقيادة الجنرال الأميركي جاسبر جيفرز قد بدأت اجتماعاتها في الناقورة.
يطرح هذا الأمر علامة استفهام حول ما إذا كانت إسرائيل مستعدة لاستئناف الحرب ضدّ ما تبقى من “حزب الله” ضمن مهلة الستين يوماً أو بعد انتهائها في 26 كانون الثاني المقبل، بعدما يكون الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب دخل البيت الأبيض على وقع احتفالات نصر ضخمة. وتستفيد اسرائيل في هذا الإطار من عزلة “الحزب” محلياً وابتعاد مؤيديه من حوله، ومن الحصار الذي يتعرّض له من جميع الجبهات، وعدم قدرته على استقدام أي سلاح جديد، وهذه الأمور تعرضه للتصفية العسكرية، ولا يمكنه أن يراهن على القتال الفردي. فنتائج المواجهة في البلدات التي لا يزال فيها الجيش الإسرائيلي، ومن خلال عمليات القصف المركز التي تستهدفه في كل لبنان، لا تشجّعه على ذلك. والدليل، أنّه بدأ يواجه اليوم مشكلة مئات المقاتلين المفقودين الذين تركهم في ساحات المعارك ولم يعودوا كما لم يظهر أيّ أثر لهم. فهل يتحسّب “حزب الله” لهذه الاحتمالات؟وهل يدرك أن الجيش اللبناني من خلال تنفيذ الإتفاق بمندرجاته، يمكن أن يكون حامياً له من هذه التصفية على جبهتَي سوريا وإسرائيل؟