"إيست نيوز" - خاص:
أجمعَت مصادر سياسية وحزبية لبنانية على انّ بعضَ ما رافقَ زيارة الرئيس السابق للحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط مترئسًا وفدًا سياسيًا وحزبيًا ودينيًا إلى دمشق للقاء السيد احمد الشرع جاء مبكرًا، لا سيما لجهة الكشف عن مضمون المذكرة التي رفعها إليه تحت عنوان كيفية بناء العلاقات اللبنانية – السورية في ظل ما شابَها من نتوءات على مدى خمسة عقود على الأقل من حكم آل الأسد.
وقالت هذه المصادر، عبر موقع "إيست نيوز"، انّ موضوع المذكرة يحتمل الكثير من التفسيرات المتناقضة خصوصًا إن اراد البعض انتقادها في شكلها ومضمونها وتوقيتها، أو عند التعمّق في البحث بعلاقات بين دولة ودولة، كما طالبت بها المذكرة في وقت يفتقد فيه البلدان الى "دولة بكامل مواصفاتها الدستورية" وهو ما يشكّل عيبًا كبيرًا يحول دون الأخذ بما قالت به قبل تسوية أوضاعهما. وعليه، فقد توقفت هذه المصادر عند الملاحظات الآتية:
على مستوى لبنان: الدولة اللبنانية تفتقد رئيسها في وقت فشل مجلس النواب في انتخاب سَلف له منذ 24 شهرًا على التوالي، وقد طالت خلالها فترة خلو سدة الرئاسة من شاغلها. ومجلس نيابي معطّل عن أبرز ما ألقيت عليه من مسؤوليات، وهي انتخاب رئيس للجمهورية في ظل شغور قاتل، وبوجود حكومة تصريف أعمال لا يمكنها ان تمارس صلاحياتها كاملة ما عدا تلك التي تفرضها الضرورة كما تراها قوى الأمر الواقع بما تَحمله من خروقات للقانون والدستور وصراع قادَ إليه النقاش حول حجم الصلاحيات وحدودها في ظل غياب رأس السلطة الاجرائية.
على المستوى السوري: ما هو ثابت انّ الثورة السورية التي أطاحت نظام الأسد بعد 54 عامًا على تولّيه ادارة السلطة والدًا وابنًا، تفتقد سلطاتها ومؤسساتها الدستورية بعد تجميد العمل بالدستور وإعادة النظر بالتركيبة العسكرية والأمنية والسياسية والديبلوماسية بانتظار ان تثمر المبادرات الجارية لإعادة تكوينها بموجب مجموعة من الإجراءات التي تحتاج الى وقت طويل لإعادة بنائها.
وعليه، فإنّ أبرز ما تناولته المذكرة لا يبدو انه كان مستعجلًا وقد شكّلت سببًا مِن قبل مَن انتقد الخطوة، معتبرًا انها مبادرة حملت عنوانًا لم تتناوله القوى اللبنانية التي عليها ان تشارك في وضع هذا التصور الجامع، مع معرفة الجميع بأنّ هناك من يؤيد مضمونها او يرفضه او انه ينتقدها بشكل من الأشكال على خلفية ادارة هذه الخطوة وكان لا شيء قد تغيّر لا في سوريا ولا في لبنان. فهو تحدث باسم اللقاء الديمقراطي كعنوان نيابي فيما هي اقتراح قد يكون "درزيًا" وقد حَمله الى سوريا باسم الطائفة. وهو أمر لا يمكن تجاهله او إخفاؤه لأن أهم ما في هذه الزيارة يتناول تنظيم العلاقة بين الادارة السياسية الجديدة في سوريا وطائفة الموحدين الدروز فيها، وقد مهّدت لها وفود من الثورة زارت دروز السويداء قبل أيام تزامنًا مع التنسيق القائم بين مشيختي العقل في البلدين لبنان وسوريا قبل ان يتم اللقاء ليأتي متزامنًا مع مضمون المذكرة التي رفعها بدوره شيخ عقل الطائفة الشيخ الدكتور سامي ابي المنى.
وتستطرد هذه المصادر لتقول: انه، ومع الاعتراف بوجود الكثير من المخاوف لدى الأقليات السورية وفي المنطقة التي تخشى طغيان الاكثرية لا يمكن ان تعالج بمثل هذه الطريقة ولا سيما عند ملامستها عقلية "اللادولة" المبنية على حماية الطوائف والمذاهب. بعد مسلسل الحروب الداخلية وما انتهى إليه اتفاق الطائف بنقل الميليشيات الى مؤسسات الدولة بكامل عدّتها وعقليتها، فبقي لبنان محكومًا بمنطق الزبائنية والمحاصصة بعيدًا عن مفهوم الدولة. وهو ما انعكس في سلوك القائمين على ادارة شؤون الناس حتى اليوم.
وتوضح المصادر: على كل حال يبقى الرهان قائمًا على انّ مواقف الشرع مطمئنة إلى حد بعيد، وخصوصًا عند قراره بالتعاطي مع السوريين بخلفية وطنية جامعة لا طائفية ولا مذهبية ولا عشائرية واحترام حقوق المرأة ليترجم ذلك في الوقت عينه في طريقة تعاطيه مع اللبنانيين بالحفاظ على مسافة واحدة من الجميع مع الأصرار على نسيان التجارب الأليمة السابقة. وربما بشكل أوضح ما حمله الموقف من دعوة الى عدم تكرار ما كان قائما لعقود من الزمن بين اللبنانيين في عهود اتصلت تسمياتها باشخاص كعبد الحليم خدام ورستم غزالة وغازي كنعان وقبلهما مع محمد غانم وحكمت الشهابي.
وتختم المصادر لتقول: في حال كان التوجّه السوري قائمًا على أساس العمل المؤسساتي، فإنّ ذلك يحتاج الى شهور عدة حتى تعبر سوريا الامتحان الصعب باتجاه الدولة الموعودة التي ستُغيّر من شكل العلاقات بين ابنائها ومضمونها، قبل البحث في علاقاتها مع الخارج وجارها اللبناني بشكل خاص. وهو أمر ينطبق على اللبنانيين متى انتخبوا رئيسًا لجمهوريته يُعيد بناء الدولة وتنظيم العلاقات بين سلطاتها ومؤسساتها، كما مع العالمية والعربية وللمهمتين آجال وآمال لا يمكن تحديد مواعيد تحقيقها من اليوم.