كتبت مرال قطينة في جريدة النهار:
"ما نعلمه أن السيارة نقلته إلى الشام، وحتى يومنا هذا لا نعلم إن كان بين الأحياء الذين خرجوا ونُقلوا إلى أحد المستشفيات، أو ممن قُتلوا خلال فترة اعتقالهم. إذا كان والدي لا يزال على قيد الحياة فعمره اليوم يزيد على 80 عاماً".
ملف المفقودين الفلسطينيين في سوريا: الأحياء وُلدوا مجدّداً ولا معلومات عن القتلى!
يجلس عصام محمد أحمد ياسين يحيى، من قرية العرقة غرب مدينة جنين، محاطاً بأبنائه في بيته الذي يبعد عن المدينة 13 كيلومتراً، متابعاً الرسائل المنشورة على القنوات السورية وأخبار المعتقلين والسجون عبر القنوات العربية، منذ سقوط نظام بشار الأسد، علّه يحصل على معلومة ولو صغيرة عن والده المفقود في سوريا منذ أكثر من 50 عاماً.
"النهار" التقت عصام في بيته. بدا متعباً ومتوتراً وقلقاً، وقد أرهقه البحث وقلة المعلومات. منذ سنوات طويلة يبحث ولو عن دليل صغير يقوده إلى والده، محمد أحمد ياسين يحيى أستاذ اللغة العربية في مدرسة القرية، والذي غادر بلدته الصغيرة ليكمل دراسته العليا في الجامعة العربية في بيروت عام 1975. وبعدما أنهى الامتحانات وهمّ بالخروج للعودة إلى فلسطين، خطفته سيارة من أمام باب الجامعة.
"ما نعلمه أن السيارة نقلته إلى الشام، وحتى يومنا هذا لا نعلم إن كان بين الأحياء الذين خرجوا ونُقلوا إلى أحد المستشفيات، أو ممن قُتلوا خلال فترة اعتقالهم. إذا كان والدي لا يزال على قيد الحياة فعمره اليوم يزيد على 80 عاماً".
ويتابع عصام سرد قصتهم المأسوية: "كان عمري أربعة أشهر عندما غادر والدي فلسطين عبر الأردن. أنا لا أعرفه، وأخي وأختاي بالكاد يتذكرونه. كانوا أطفالاً أكبرهم يبلغ خمسة أعوام. ربّتنا والدتي وحيدة حتى وفاتها قبل 12 عاماً، وتزوّجنا وصار لكلّ منا أسرته. مرّت السنوات ولا نزال نجهل مصيره".
ويشير إلى أن والده "كان ناشطاً سياسياً في منظمة التحرير من خلال حركة ’فتح‘. طوال السنوات الماضية توجهنا إلى منظمات حقوقية محلية ودولية والصليب الأحمر الذي أخبرنا بصريح العبارة أنه يمكن مساعدتنا في أي مكان في العالم إلا في سوريا".
ويذكر أن "المعلومة الوحيدة التي حصلنا عليها كانت من طريق ابن قريتنا بشار، الذي أرسل من خلال عائلته أنه التقى والدي في أحد السجون السورية قبل عشرين عاماً".
ويختم عصام بأنه يبحث عن أي معلومة ليطمئن قلبه: "إذا كان والدي لا يزال حياً، أو إذا كان ميتاً فمن حقنا أن نعلم على الأقل مكان دفنه وأين ذهبوا برفاته. حاولنا مراراً السفر إلى سوريا ومُنعنا. اليوم أنا أتواصل باستمرار مع السفارة في دمشق".
لا أرقام دقيقة
منذ سقوط النظام السوري، ظهرت إلى العيان قضية المعتقلين والمفقودين الفلسطينيين في سوريا، والتي كانت بدايتها خلال فترة حكم حافظ الأسد. يمكن متصفح مواقع التواصل الاجتماعي أن يرى منشورات لعائلات كثيرة، أبناء وأحفاداً وأشقاء، يبحثون عن معلومات عن أقربائهم المفقودين منذ عقود.
محمد يحيى العرقاوي رئيس المجلس المحلي في عرقة، رافقنا بعد وصولنا إلى القرية. يقول إنه يتذكر "الأستاذ عصام" جيداً لأنه كان يدرّسه اللغة العربية، وإن هناك قضية أخرى لمعتقل في السجون السورية. ويضيف: "حاولت مساعدة العائلتين بالتواصل مع السفارة الفلسطينية في سوريا، من أجل إيجاد طريقة لمعرفة المزيد من المعلومات عنهما".
ظهور بشار يحيى
الصور والفيديوات التي انتشرت صباحي الثامن والتاسع من كانون الأول (ديسمبر) الجاري لفلسطينيين أُطلقوا من سجني صيدنايا والعذرا، تُظهر بشار شريف علي صالح يحيى، الذي استقبلتنا عائلته وأخبرنا شقيقه حسن أن بشار اتصل بالعائلة صباح التاسع من كانون الأول عند الساعة الثانية بعد منتصف الليل، بعدما فقد الجميع الأمل برؤيته مرة أخرى، ولم يستطع أي من المنظمات الحقوقية معرفة مصيره.
عام 1983 كان بشار يبلغ 20 عاماً، غادر إلى الأردن بحثاً عن عمل، واعتُقل عند الحدود السورية من دون أي أوراق ثبوتية طيلة 41 عاماً، اختفى خلالها واختفت قصته.
ويوضح حسن أن "الصعوبة الآن تتمثل في إمكان عودته إلى فلسطين، بعدما فقدت أوراقه وهويته. يومها كان على الفلسطيني المغادر أن يترك بطاقته الشخصية على جسر اللنبي بين الأردن وفلسطين لفترة زمنية معينة، ومن يخالف كان يفقدها.كانت هذه إحدى السياسات الإسرائيلية آنذاك، اليوم يحتاج بشار إلى جواز سفر ومن ثم التنسيق لدخول المملكة الأردنية مع الجانب الإسرائيلي، الذي قد يرفض".
توفي والدا بشار وشقيقته، أما شقيقته البكر فتحية فتقول لـ"النهار" إنها لم تصدق خبر خروجه وشعرت بأن قلبها يطير فرحاً وأنها تريد أن ترقص وتغني.
دور السفارة الفلسطينية
ويشير السفير الفلسطيني في سوريا الدكتور سمير الرفاعي لـ"النهار" إلى أن "السفارة الفلسطينية في دمشق تتابع أوضاع الجالية الفلسطينية، وتتعامل مع قضية المعتقلين والمفقودين، وقد أولتها أهمية قصوى، ووضعت خطة عمل لطاقم السفارة وأعلنت عن أرقام هواتف للتواصل مع ذويهم وكل من يمكنه إفادتنا في هذا الخصوص".
ودعت السفارة جميع المفرج عنهم إلى مراجعتها لمساعدتهم وتمكينهم من التواصل مع أهلهم وعائلاتهم، وبعض المُفرج عنهم والمقيمين أصلاً في سوريا قد تواصلوا مع عائلاتهم وتوجهوا إلى بيوتهم مباشرة.
وتحرك الطاقم داخل المستشفيات الحكومية والخاصة للاستفسار عن أي فلسطيني تم نقله للعلاج، وقصد المساجد التي يتوقع أن تستقبل المعتقلين المُفرج عنهم، وكل ما يصل إلى السفارة من صور يُنشر على موقع السفارة لكي يتأكد ذووهم من هويتهم.
أما عن أعداد المعتقلين والمفقودين، فيقول الرفاعي إن "الأجهزة الأمنية السورية قد أقفلت الملفات، لذلك ليس لدينا أي أرقام دقيقة لنتحدث عنها".