خاص -"إيست نيوز"
في الوقت الذي بدأت فيه الفصائل التي التقت تحت عباءة "العمليات العسكرية المشتركة" للثورة السورية توحيد قواها المشتتة على عشرات التنظيمات المسلحة في سوريا تحت عباءة وزارة الدفاع الجديدة، ارتفعت المواقف الايرانية التي تشكك بقدرات الثورة على ادارة شؤون البلاد ونقلها الى نظام جديد، وهو ما ترجمه بقوة المرشد الأعلى الإيراني السيد علي خامنئي الذي توقع قبل ايام قليلة أن تخرج ما وصفها بـ "مجموعة من الشرفاء" لتغيير الوضع الجديد في سوريا وإخراج ما وصفهم بـ"الثوار" من السلطة.
وجاء هذا الموقف بما يمكن تحميله من تفسيرات ملتبسة لمنع السلطة الجديدة من تكوين وبناء الدولة الجديدة، بعدما وجه اتهاما مباشرا للولايات المتحدة الاميركية بسعيها الى "نشر الفوضى وإثارة الشغب لفرض هيمنتها على المنطقة".
وعليه قالت مصادر سياسية وديبلوماسية مطلعة في قراءتها للتطورات في سوريا والمنطقة لـ "إيست نيوز" ان الموقف الايراني ليس مستغربا، فما أصاب إيران قيادة وحكومة نتيجة انهيار النظام السوري في زمن تلى القضاء على قدرات اذرعها في غزة ولبنان شكل الضربة القاضية لها في الشرق الاوسط والتي قد لا يتحملها النظام الإيراني بما يعانيه من أزمات داخلية كيانية واقتصادية واجتماعية ما لم يواجهها بما يمتلكه من قدرات سياسية وديبلوماسية وربما عسكرية وما توفرت له من مصادر القوة للتشكيك في قدرات الثورة السورية على اعادة انتظام الحياة السياسية في سوريا وبناء الدولة الجديدة التي وعدت بها ونقلها الى موقع آخر يخرجها نهائيا من "محور المقاومة"، بعدما رفضت قيادتها المعزولة الالتزام بما قالت به "وحدة الساحات" التي كانت تتزعمها ايران في حربي غزة ولبنان.
فقد بات واضحا ان كل ما يجري في سوريا وما اتخذ من خطوات باشرتها القيادة الجديدة بقيادة احمد الشرع ومعه الحكومة الجديدة زاد من قلق طهران ومعها كل القوى التي ما زالت تدور في فلكها، والتي نُكبت بما لحق بها من خسائر لا تقدر بسهولة، جراء انهيار النظام مصرة على إطلاق التوقعات بفشل المهمة التي تعهدت بها الثورة الى درجة نعيها فيما هي انطلقت بدينامية ملحوظة عبرت عنها بتشكيل حكومتها الجديدة واستكمال تركيبتها بتعيين وزيري الخارجية والدفاع وإطلاق برامج اعادة تكوين الجيش السوري الجديد بعد تعيين من سمي بـ "مهندس القدرات العسكرية في المناطق المحررة" منذ بداية الثورة و"قائد أغلب العمليات العسكرية" مرهف أبو قصرة وزيرا للدفاع في محاولة لتكوين القوة الجديدة بالنظر الى معرفته بالهيكليات العسكرية الخاصة بكل تنظيم نتيجة خبرته العملانية بعدما عمل واياهم على الارض لسنوات عدة وهو يعرف كيف يمكن توحيد هذه القوى ولملمة الوضع على أنقاض التشكيلات الميليشياوية الموزعة ولاءآتها بين هذه القوى الاقليمية او تلك.
ولكن ما لفت أنظار المراقبين و امتعاضهم من طريقة مقاربة طهران للازمة السورية ومستجداتها اصرار المرشد الايراني على احتكار "مجموعة الشرفاء" على انهم من المجموعات التي بناها الحرس الثوري الإيراني ونزع هذه الصفة عن ملايين آخرين من المواطنين الآخرين في مرحلة انتهت فيها مجموعة المغامرات التي قادت إليها توجيهاتهم إلى ما شهدته مناطق انتشارهم من كوارث في اليمن بعد العراق وسوريا وصولا الى غزة ولبنان.
والى هذه الملاحظات السلبية فقد توقف المراقبون أمام مجموعة التناقضات التي حفلت بها مواقف المرشد فهو تبرأ في حديثه بشكل غير مسبوق من "وجود أي "قوى وكيلة" لطهران خارج جغرافية أراضيها بقوله "لا نمتلك وكلاء أصلاً في المنطقة". وهو أمر لا يمكن استيعابه بأي شكل من الأشكال قياسا على قول أركان نظامه منذ سنوات عدة بان ايران تحكم وتدير "خمسة عواصم عربية". وبعد ان كان يؤكد على اهمية وحدة اراضي سوريا تحدث بكل ثقة بأن "الشعب الإيراني ستطأ قدماه أي شخص يقبل بأن يكون خادمًا لأميركا في هذا المجال". وهو حتى الأمس القريب لم يشارك مباشرة في اي عملية عسكرية مكتفيا بالقتال حتى آخر فلسطيني او يمني او لبناني او سوري. وما هو ثابت لا يرقى اليه اي شك ان ايران لم تدفع من حياة ابنائها سوى بعضا من جنرالاتها المستشارين في لبنان وسوريا والعراق واليمن فيما ارتفع عداد الشهداء في لبنان فوق الآلاف الستة ما عدا المفقودين تحت أنقاض المباني وفي إنفاق الجنوب واقترب عدد الجرحى والمصابين والمعوقين من العشرين الفا عدا عن الخسائر في المدن والقرى بمليارات عشرة من الدولارات . وكل ذلك في موازاة ارتفاع عدد الشهداء الفلسطينيين والمفقودين الى ما فوق الخمسين ألفا وتجاوز عدد الجرحى والمعوقين الى ما فوق المائتي ألف وارتفع العدد منهم في سوريا من عسكريين ومدنيين الى ما يقارب الـ 600 الف وواد المهجرون والنازحون في الداخل والخارج الى ما فوق الملايين الثمانية.
وان قال المرشد ان سياسة واشنطن ستؤدي الى "نشر الفوضى وإثارة الشغب لفرض هيمنتها على المنطقة" – قال المراقبون أنفسهم – وكأنه لا يريد ان يتنبه إلى اهمية الخطوات التي اتخذت حتى اليوم في سوريا والدعوة بكل صراحة الى الانقلاب على الانقلاب لينتصر من سماهم بـ "مجموعة من الشرفاء" لتغيير الوضع الجديد وإخراج ما وصفهم بـ"الثوار" من السلطة وهو امر مستحيل في ظل الدعم الإقليمي والدولي الذي عبرت عنه الوفود العربية والغربية الى دمشق. كما انه لم يكن مفهوما ما قصده بقوله ان "شباب سوريا الشجعان سيخرجونكم من السلطة بالتأكيد" ولم يوضح من قصدهم بذلك وإن كانوا من بين من استسلموا للثورة وسلموا اسلحتهم للجيش وأن فئة كبيرة منهم ستنضم الى الجيش والاجهزة الامنية الاخرى الجديدة المختلفة. وهو امر عبر عنه اليوم قائد قوات سوريا الديمقراطية “قسد” مظلوم عبدي، الذي عبر عن استعداد قواته لحل نفسها والانضمام إلى جيش سوري جديد بقيادة السلطات التي ستتولى الحكم، شريطة ضمان حقوق الأكراد والأقليات الأخرى.
وختاما لفتت المصادر عينها الى ان المهم في كل ما قيل ليس دفاعا او تبريرا لما قامت به الثورة وما انتهت اليه في سوريا، انما للفت النظر الى مجموعة المغامرات التي ينوي النظام الإيراني خوضها من جديد متجاهلا ما انتهت اليه في الخارج من كوارث ونكبات، وتجاهله للوضع الداخلي المذري في الجمهورية الاسلامية الايرانية ومعاناة ابنائها الذين يفتقدون الطاقة الكهربائية الى درجة اقفلت فيها المؤسسات الرسمية لايام عدة عدا عن الازمات الاخرى التي تمس حياة الإيرانيين اليومية وهي عديدة ولا تحصى.