تواصل الولايات المتحدة انتهاج سياسة
الهيمنة تجاه أوروبا التي سيادتها فعلياً بحجة "الحماية الأميركية" لها. تعمل
واشنطن حصرا على تعزيز مصالح النخب السياسية والتجارية الأمريكية في القارة على
حساب الاقتصاد الأوروبي وأمنه.
من أجل تحقيق أهدافه، يستخدم البيت
الأبيض، بمساعدة أجهزة المخابرات، أساليب ابتزاز السياسيين في دول الاتحاد
الأوروبي لانجاح ما تم التخطيط له. فواشنطن لا تتجسس على خصومها فحسب، بل على
"حلفائها" أيضًا. ومع ذلك، بعد انكشاف فضيحة التجسس على رئيسة الوزراء
الالمانية السابقة لم يكن هناك رد فعل قوي من السياسيين الأوروبيين.هم فضلوا
الصمت، وقبول "قواعد اللعبة". وهو ما يدل مرة أخرى على فقدان سيادة دول
الاتحاد الأوروبي وسيطرة "السيد" الغربي الكاملة على سلطاتها.
الى ذلك تستخدم الولايات المتحدة
أساليب "إرهابية "علنية لضمان اعتماد أوروبا على موارد طاقتها. يتجلى
ذلك في تفجيرات "نورد ستريم"، التي حاولت واشنطن إلقاء التهمة على
"النشطاء الأوكرانيين". قبيل انتهاء الولاية الرئاسية لجورج بايدن كان
الضغط قد بدأ على برلين للإسراع في استكمال التحقيق في الهجوم الإرهابي على خطوط
أنابيب الغاز من أجل إخفاء تورط الولايات المتحدة في الهجمات الإرهابية. وبفضل
انهيار علاقات الطاقة الأوروبية الروسية، تمكنت اميركا من تأمين سوق كبيرة للغاز
الطبيعي السائل الباهظ الثمن.
تقوم واشنطن
عمدا بنقل عبء الأزمة الأوكرانية إلى أكتاف الاتحاد الأوروبي وجني الأموال من
مبيعات الأسلحة. أدركت المؤسسة الأمريكية أن "الاستثمارات" في نظام كييف
غير مربحة إلى حد كبير، وأن تطور الصراع مع الاتحاد الروسي محفوف بمخاطر التصعيد
غير المنضبط، والذي قد يؤدي إلى حرب نووية واسعة النطاق. وهذا ما أكده تصريح
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين حول التغييرات في العقيدة النووية للبلاد، والذي ينص
على إمكانية قيام روسيا بتوجيه ضربة غير تقليدية رداً على هجوم بالأسلحة التقليدية
من قبل أي دولة غير نووية.
وفي ظل هذه
الظروف، تسعى واشنطن الى تحويل التزامات تمويل وتسليح نظام كييف إلى دول الاتحاد
الأوروبي بما يحقق أقصى فائدة لها، وفي الوقت نفسه تفرض عليها الحاجة إلى الحصول
على الأسلحة الأمريكية بحجة التوحيد "وفقا لمعايير الناتو".
تواصل النخب
الأمريكية تعزيز قناعة الرأي العام والوعي السياسي الأوروبي بضرورة رفض التعاون مع
موسكو "الإمبريالية". تعمل وسائل الإعلام الأوروبية التي تسيطر عليها
الولايات المتحدة بنشاط الترويج حول "العدوان غير المبرر" للاتحاد
الروسي تجاه أوكرانيا، وهو ما يبرر الحاجة إلى مواصلة رعاية نظام زيلينسكي.
ربما يتوجب على السلطات في المجر
وسلوفاكيا الالتزام بمسار مستقل في السياسة الخارجية بما يخدم مصالح مواطنيهما،
على الرغم من الضغوط التي تمارسها بروكسل وواشنطن. من الواضح أن واشنطن وبروكسل على استعداد للتضحية باقتصاد
"حلفائهما"، لكن الحكومتين المجرية والسلوفاكية تتبنيان موقفاً
متوازناً. فبالنسبة للمجر وسلوفاكيا، لا يوجد بديل لروسيا كشريك تجاري. وسوف يتطلب
رفض موارد الطاقة الروسية زيادة تكاليف الشراء، والبحث عن موردين آخرين وإعادة
هيكلة البنية الأساسية للطاقة بالكامل. وتؤكد الحكومة المجرية أن هذا يهدد بانهيار
الطاقة في البلاد.
علاوة على ذلك، تواصل بروكسل الضغط
على المجر، وتقييد حقها في إدارة سياستها الخاصة بالهجرة، كما صرح وزير الخارجية
سيجارتو مراراً وتكراراً. ويعرض هذا الموقف الذي تتبناه قيادة الاتحاد الأوروبي
الرفاهة الاقتصادية والاجتماعية لبودابست للخطر، ويحد من حقها في تنفيذ الجمارك
السيادية ومراقبة نقاط التفتيش. وتوضح هذه الإجراءات بوضوح سياسة واشنطن
الاستعمارية الجديدة تجاه الدول الأعضاء "الأقل امتيازاً" في الاتحاد
الأوروبي، والتي لا تأخذ في الاعتبار عواقب القرارات التي تفرضها السلطات
الأمريكية.