كتب سامر زريق في نداء الوطن:
المصائب لا تأتي فُرادى، وكأنه لا يكفي "الجماعة الإسلامية" ما تعانيه من عزلة داخلية وخارجية، نتيجة انسياق فريق منها خلف "حزب اللّه" وخياراته الكارثية، لاعتباره "القوة التي لا تُقهر"، وأنه الوحيد القادر على منحها نفوذاً ضمن "كعكة" السلطة، فأتى السقوط المدوّي لنظام بشار الأسد ليفاقم حراجة وهشاشة القيادة التي نصّبها "الحزب"، بالشراكة مع "حركة حماس"، عبر انقلاب داخلي مشهود صيف عام 2022.
رغم مسارعتها إلى الاحتفاء بانتصار "الثورة السورية"، إلّا أن ذلك لم ينجح في محو آثار "الخطيئة" التي ارتكبتها قيادتها بالدخول في "حلف الممانعة" من الباب الصغير، ومحاولتها استغلال الفراغ السياسي والزعاماتي السني من أجل منح سلاح "حزب اللّه" مشروعية سنية وحدويَة على طريقة "الإسلام يَجُبّ ما قبله". ناهيكم بأن المظاهر الاحتفالية يقف خلفها الفريق الذي جرى الانقلاب عليه.
دفعت "الجماعة الإسلامية" ثمن هذه "الخطيئة" شعبياً، من خلال ردة فعل الشارع السني السلبية إزاء تموضعها السياسي "المستهجن"، واستراتيجياً برفض القائد العام للإدارة الجديدة في سوريا أحمد الشرع، ورئيس الحكومة الانتقالية، محمد البشير، استقبال قيادتها في دمشق، أو حتى تلقّي اتصال من أمينها العام، محمد طقوش، حسب معلومات حصلت عليها "نداء الوطن".
الإطلالة اللبنانية الأولى للشرع كانت من خلال اجتماعه بوفد من قيادة "هيئة علماء المسلمين"، التي عملت على مواجهة تأثيرات خطاب "الجماعة" الممانع المستجد، دينياً وثقافياً واجتماعياً، وما صاحبه من حملات تجييش "إسلاموي". الأمر الذي يعكس مدى انزعاج "العراب" التركي من الفرع الإخواني اللبناني، وكذلك الحال بالنسبة إلى الحليف القطري، حيث رفضت أنقرة والدوحة استقبال قادته، رغم كل الوساطات التي قامت بها "حماس" و "الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين" في قطر.
كل هذه التطوّرات أدّت إلى حصول حراك داخلي انطلق عقب اغتيال حسن نصراللّه، والعصف الزلزالي الإسرائيلي، والذي أفضى إلى إيقاف "قوات الفجر" عراضاتها الميدانية، وانسحاب قادتها من قرى "العرقوب"، وفرار قادة "الجماعة" السياسيين ومسؤولي العسكر والأمن إلى اسطنبول غداة شعورهم بالنفور السني العارم حيالهم.
عقب هذا الفرار المنظم، شهدت أروقة التنظيم نقاشات صاخبة، بين مؤيدي الانخراط في الحرب ومعارضيه، بلغت أسماع بعض المسؤولين الأتراك، فسارعوا إلى مفاتحة الأمين العام محمد طقوش وفريقه بضرورة العودة إلى بيروت، لاحتواء مفاعيل الأزمة الداخلية، والحؤول دون حصول انشقاقات، أو فوضى على صعيد القاعدة الجماهيرية.
بيد أن طقوش رفض العودة لاعتباره أنها تشكل خطراً على حياته. هذه النقاشات ارتفعت حدتها وتأثيراتها تدريجياً عقب قبول "الحزب" بالصفقة المذلّة التي حاكها الموفد الأميركي آموس هوكستين، ومن ثم بدء معركة تحرير سوريا وسقوط كبريات حواضرها واحدة تلو الأخرى، وبلغت ذروتها مع اندحار بشار الأسد وزبانيته.
أتى الحدث السوري ليؤجّج المخاوف من افتضاح أمر تواصل القيادة الحالية مع أركان نظام الأسد، تارة عبر "حزب اللّه"، وطوراً عبر "حركة الجهاد الإسلامي"، وقيام بعض مسؤولي الأمن في "الجماعة" بزيارة دمشق للاجتماع مع قيادات استخباراتية رفيعة، مثل عبد الفتاح قدسية وكفاح ملحم، واحتمال تسرب محاضر تلك الاجتماعات إلى الإعلام والرأي العام، مع ما فيها من تبجيل لبشار الأسد، وهذا وحده كفيل بتدفيع الجماعة أثماناً باهظة، سياسياً وشعبياً.
تشير معلومات "نداء الوطن" إلى أن الحراك الداخلي تقوده مجموعة من القيادات الرصينة التي أبعدها الانقلاب عن دائرة صنع القرار، بالتنسيق مع أعضاء "مجلس الشورى"، للإطاحة بطقوش وفريقه، عبر الدعوة لانتخابات تنظيمية، تفرز قيادة سياسية يمكنها التماهي مع التحولات الجيوسياسية المذهلة في المنطقة، والتي قد تعيد التيارات الإسلامية إلى الواجهة، أو على الأقل حفظ ماء وجه أعرق وأبرز تنظيمات الإسلام السياسي في لبنان عبر انتخاب شخص، لتولّي منصب الأمين العام الجديد، يسحب "الجماعة" من حضن "الممانعة"، ويعيدها إلى محيطها السني والعربي، ولا سيّما أن خطاب طقوش وأداء فريقه وصلا إلى حدّ التحضير لخوض الانتخابات البرلمانية المقبلة ضمن لوائح "حزب اللّه".
ويحمل الحراك الداخلي شعارين محدّدين، الأول كفّ يد قيادة "حماس" عن التأثير بالفرع الإخواني اللبناني وخياراته السياسية، والثاني الإطاحة بتيار الأمن القريب من "حزب اللّه" والنظام السوري المخلوع، وقيادة "قوات الفجر" التي سبّبت أزمات متلاحقة بسبب الاستعراضات العسكرية في المناطق اللبنانية.