عاجل:

مروان البرغوثي سيشغل إسرائيل، الفلسيطينيين، والشرق الأوسط لزمن طويل (يديعوت أحرونوت)

  • ٢٨


كتب ميخائيل ميلشتاين في صحيفة "يديعوت احرونوت" الإسرائيلية:


“المعلومات الإعلامية عن إمكانية ان يتحرر مروان البرغوثي في صفقة مستقبلية وينفى الى تركيا ليست معروفة لنا”، يوضح قسام، ابنه، في حديث أول امس من رأم الله حيث يسكن. بعد أسبوع من عودته من قطر، هناك، كما علم، بحث أبناء العائلة مع كبار مسؤولي حماس في ادراج ابيه في الصفقة، هو يقول في الحديث: “نحن اكثر تفاؤلا مقارنة بالماضي، وواضح أن صفقة فقط ستؤدي الى التحرر من السجن. كعائلة، لا يهمنا الى أين يتحرر، حتى ولو الى كوالا لمبور، ولا حتى تهمنا المعاني السياسية للخطوة”.


رد الفعل من جانب “مسؤول إسرائيلي كبير” على التقارير الإعلامية كان سريعا وقاطعا: لا يوجد أي بحث في تحرير البرغوثي. مسألة تحرير البرغوثي بحثت لاكثر من عقدين في إسرائيل وتأكدت جدا منذ 7 أكتوبر والانشغال الواسع بصفقة يتحرر فيها سجناء امنيون. على مدى السنين سمعت في الساحة السياسية والإعلامية أصوات – أخذت في التضاؤل – ادعت بان البرغوثي هو زعيم ذو تأثير جماهيري واسع، ورغم انه كان مشاركا في الانتفاضة الثانية في عمليات قتل فيها خمسة اشخاص حكم عليها بخمس مؤبدات و 40 سنة، بقي مخلصا للمفاوضات السياسية. 


قائمة الداعين الى تحريره منذ اعتقاله في 2002 ضمت ضمن آخرين بنيامين بن اليعيزر، جدعون عيزرا وافرايم سنيه وانضم اليهم مؤخرا عامي ايالون. بالمقابل، يعارض الكثيرون تحريره بمن فيهم من يدعون بان الحديث يدور عن “عرفات صغير” او عن “سنوار 2”  – المتمسك برؤيا كفاحية ومع تحريره سيواصل الدفع قدما بالكفاح العنيف.


البرغوثي هو في نفس الوقت رمز وطني ولغز. الزعيم ابن الـ 65 الذي ولد في قرية كوبر المجاورة لرام الله يمثل جيلا نما في المناطق في السبعينيات والثمانينيات، يتماثل مع الانتفاضة الأولى، ويقف كبديل متحدٍ لجيل المؤسسين بقيادة عرفات الذي جاء من تونس وسيطر على قيادة السلطة، في ظل دحر الشبان. 


مر البرغوثي بعدة محطات ثبتت مكانته كزعيم، بينها المشاركة في تأسيس الشبيبة، منظمة الشباب والطلاب من فتح؛ ابعادهم الى الأردن في 1987، نشاطه الى جانب القيادة التاريخية لفتح، مثل أبو جهاد وأبو اياد؛ العودة الى المناطق في اعقاب اتفاق أوسلو وإقامة جسم قيادة فتح في الضفة الذي تحدى عرفات؛ وبالطبع العودة الى الكفاح المسلح في العام 2000، حين منح المساعدة والتوجيه لكتائب شهداء الأقصى من فتح. مثل الكثيرين من أبناء الجيل الضائع إياه، البرغوثي أيضا يعرف إسرائيل جيدا، يعرف العبرية وعقد عددا لا يحصى من اللقاءات مع إسرائيليين قبل الانتفاضة الثانية. 


قبل مشعل بكثير


اما اللغز فيتناول حقيقة أنه رغم ان البرغوثي غاب عن الميدان لاكثر من عقدين (نحو ثلث حياته) لا يزال المرشح الأكثر شعبية لقيادة الساحة الفلسطينية. لاكثر من عقد تظهر استطلاعات الرأي العام في المناطق انه في كل سيناريو انتخابات يهزم كل منافس بما في ذلك ممثلي حماس. هكذا تبين من استطلاع نشره هذا الأسبوع معهد “اوراد” الذي يعمل في رام الله بان 54 في المئة من الفلسطينيين سيؤيدون البرغوثي في الانتخابات للرئاسة مقابل 10 في المئة فقط يؤيدون خالد مشعل (التأييد لاسماعيل هنية ويحيى السنوار اللذين صفيا كان اعلى بكثير، لكنهما هما أيضا لم يتفوقا على البرغوثي في الاستطلاعات).


حسب فلسطينيين كثيرين، يعجب الناس بالبرغوثي الرمز رغم انه لا يعرفون مروان الانسان. عموم الجمهور، وبخاصة الشبان الذين ولدوا بعد أن سجن، يرون فيه تجسيدا للمثل الوطنية، وعلى رأسها المقاومة، الصمود والتضحية. 


“القائد مروان هو الزعيم الوحيد الذي يمكنه ان يعيد تشكيل الساحة الفلسطينية المنقسمة، ويرمم فتح من الدرك الذي يوجد فيه التنظيم، والذي منذ إقامة السلطة اندمج مع الحكم، فقد هويته الخاصة وتعفن. البرغوثي قادر على ان يتحكم بالقيادات الميدانية التي نما منها، لكن بالتوازي ان يدير أيضا استراتيجية سياسية مركبة. كمن جاء من الوسط القروي، يفهم لغة واحتياجات الشعب. وحتى من السجن يواصل الاهتمام بمشاكل الفلسطينيين البسطاء وليس فقط بالمسائل الكبرى”، هكذا يشرح احمد غنيم (أبو ضمير)، من قادة معسكر المؤيدين للبرغوثي ومن سكان شرقي القدس. 


“إسرائيل هي الأخرى تفهم تأثيره الواسع وتحاول من خلال إساءة ظروف اعتقاله منذ 7 أكتوبر اغتياله، ضمن وسائل أخرى من خلال العزل الطويل وممارسة العنف”، يشرح قدوره فارس، رئيس نادي الأسير الفلسطيني الذي يعتبر هو أيضا من الموالين للبرغوثي. اما مصلحة السجون فنفت الادعاءات نفيا باتا. 


زوجة البرغوثي، فدوى، بذلك جهدا خاصا من تحويله من رمز وطني الى ايقونة عالمية، في ظل موازاته بنلسون مانديلا. في العقد الأخير تخوض حملة لممارسة ضغط دولي على إسرائيل لتحريره، أدت منذ الان الى تسمية شارع على اسمه في المدينة الفرنسية فالتون، ومنحه لقب مواطن شرف في 15 مدينة أوروبية أخرى، ورفع ترتشيحه لجائزة نوبل للسلام، الخطوة التي لاجلها جند الحاصل على الجائزة الارجنتيني ادلفو برس اسكيفان. “نجحنا في تثبيت مكانة البرغوثي كايقونة تمثل الكفاح من اجل الحرية”، أعلنت فدوى في خطاب القته في شهر أيار في الجامعة الامريكية في القاهرة.


سيحقق مصالحة داخلية


في حماس أيضا يفهمون الامكانية الكامنة في البرغوثي، وليس صدفة انهم يصرون على تحريره. في نظرهم الامر كفيل بان يحقق بضعة إنجازات: تثبيت صورة الحرب التي بادرت اليها المنظمة كخطوة وطنية حققت مكسبا لكل الفلسطينيين: عودة زعيم محبوب الى الميدان قريب من حماس في ارائه، بخلاف معظم زعماء السلطة، يمكنه ربما أن يحقق المصالحة في المستقبل تتيح دخول المنظمة من الحكم في الضفة؛ وخلق نوع من “الحساب” الذي بسببه سيشعر انه مدين للمنظمة بتحرره.


هكذا، في شباط من هذا العام اعلن أسامة حمدان، من قادة حماس في الخارج بان المنظمة ستطالب بتحرير زعماء فلسطينيين ليسوا من صفوف حماس وعلى رأسهم البرغوثي واحمد سعادات الأمين العام للجبهة الشعبية. 


البرغوثي نفسه يشهد على العلاقات القريبة مع حماس. ومنذ 2002 حاول الدفع قدما بالمصالحة بين فتح والمنظمة، كانت ذروة ذلك في وثيقة السجناء التي صيغت بغموض عمدا ونشرت في 2006. الأساس لكل تسوية مستقبلية مع إسرائيل هو مصالحة فلسطينية داخلية، ومن اجل هذا وضعنا الوثيقة التي بلورت لأول مرة اجماعا مع حماس على خطة سياسية، وفي أساسها الموافقة على إقامة دولة في حدود 1967، تشكل اعترافا بالامر الواقع بإسرائيل (كل هذا دون التزام من حماس بالاعتراف بها او الإعلان عن نهاية المواجهة معها).


“على مدى السنين طرأ تشويش في الفجوات التي بين فتح وحماس، وان كانت لا تزال هناك فوارق في عدد من المسائل الجوهرية، وعلى رأسها الموقف من إسرائيل”، قال البرغوثي في لقاء اجريته معه في السجن قبل نحو عقد، وأوضح فيه أيضا بان في نيته التنافس في المستقبل على رئاسة الساحة الفلسطينية.


القسام، الذي تشارك مع ابيه غرفة في السجن الإسرائيلي في عامي 2006 – 2007 ويحمل اسم عز الدين القسام يضيف فيقول: “ابي غير معني بمصالحة شكلية، الجهد الذي يجري العمل عليه منذ 20 سنة ولا يؤدي الى أي تغيير. هو يقصد وحدة سياسية واسعة حول توافق من عمول الفصائل، وبخاصة حماس للانخراط في م.ت.ف كالقيادة الوطنية. حقيقة انه يعرض حلا للجرح الأكثر ايلاما في المجتمع الفلسطيني (الانقسام الوطني) تساهم كثيرا في العطف الجماهيري عليه. نقطة استحقاق أخرى جناها في اثناء السنين عندما وقف على رأس الكفاح ضد الفساد في السلطة”. 


دحلان يؤيده


السلطة من جهتها تبدي نهجا ملتبسا تجاه تحرير البرغوثي. علنا، يعرض مسؤولوها تأييده له وللكفاح من اجل تحريره من السجن. لكن من الجهة الأخرى هناك غير قليلين في رام الله تقلقهم إمكانية أن يصبح منافس سائد في السباق على خلافة أبو مازن ومن أن من شأنه أن يدفع نحو المصالحة مع حماس التي يتحفظ الكثير من كبار رجالات السلطة منها. 


“تحرير البرغوثي سيكون أنباء سيئة لإسرائيل، لكن أيضا بالنسبة للكثيرين الذين يستفيدون من مجرد وجودها”، هكذا يلمح بلذع حسام خضر، كبير فتح في مخيم اللاجئين بلاطة في نابلس، المعروف بانتقاده للقيادة في رام الله.


فدوى البرغوثي أيضا في زيارتها قبل نحو نصف سنة الى مصر صاغت حديثها بحذر إذ قالت: “السلطة نفسها معنية بتحرير البرغوثي، لكن توجد فيها جهات غير معنية بمثل هذه الخطوة، وهم بذلك يشهدون على انهم ليسوا حقا وطنيين فلسطينيين”.  


سامر سنجلاوي، من قادة معسكر دحلان ومن سكان شرقي القدس، اقل دبلوماسية بكثير: كبار رجالات السلطة يرون في البرغوثي تهديدا. فهو يتمتع بشعبية تبرز صورتهم المتردية، وبعض منهم على الاطلاق يفضلون أن يبقى في السجن”.


محمد دحلان نفسه يرى في البرغوثي حليفا طبيعيا لمعسكر كبار مسؤولي فتح الذين دحرهم أبو مازن الى الهوامش واعتبرهم كتهديد. في السنوات الأخيرة توثق الحلف بينهما ووجد تعبيره في تعاون سياسي قبيل الانتخابات التي كانت يفترض أن تجرى في 2021، حين أقام الرجلان قوائم فتح منفصلة عن القائمة الرسمية برئاسة أبو مازن وادارا بينهم علاقة وثيقة. 


هذا الانقسام، كما من المعقول الافتراض كان سيؤدي الى هزيمة فتح، مثلما حصل في انتخابات 2006 لو لم يلغِ أبو مازن الحدث في اللحظة الأخيرة، حين فهم بان الفشل مضمون.


يشرح سنجلاوي فيقول: “مجموعات كثيرة في فتح تنتظر تحرير البرغوثي وترى فيه الزعيم الوحيد الذي يمكنه أن يوجد كل الجهات في الحركة المنقسمة، وبخاصة أولئك الذين ابعدوا من صفوفها وعلى رأسهم رجال دحلان وتحقيق اصلاح ديمقراطي داخلي وترميم الصورة الجماهيرية لفتح”. 


رغم النفي


التخوف الإسرائيلي من تحرير محتمل للبرغوثي ينبع أساس من التقدير بانه سيستغل الحرية للدفع قدما بالعنف. القلق يستند، ضمن أمور أخرى، الى تصريحاته من سنواته في السجن، والتي برأي الكثيرين تجسد بانه تطرف في مواقفه. هكذا مثلا كتب في رسالة نشرها في الذكرى السنوية العاشرة لوفاة عرفات في 2014: “المواجهة المسلحة تجسد بامكانة طريق عرفات والمباديء التي على أساسها مات الاف السجناء. على السلطة ان توقف فورا التنسيق الأمني مع إسرائيل الذي يعزز الاحتلال فقط”.


القسام من جهته يدعي هذا الأسبوع: هذه تخويفات عبثية. أبي هو الشريك المثالي لإسرائيل والذي يتمسك برؤيا الدولتين، يحظى بعطف جماهيري واسع ويمكنه أن يشكل عنوانا مستقرا، موحدا ومتفقا عليه في الجانب الفلسطيني. 


رغم النفي في إسرائيل حول تحريره، يوجد احتمال ان نرى البرغوثي يعود لينخرط في الساحة الفلسطينية، قريبا. ويمكن للامر أن يكون لابعاده الى الخارج او عودته الى الضفة وباحتمال اقل الى قطاع غزة، الفكرة التي طرحها هو أيضا حسب التقارير في وسائل الاعلام في اطار مباحثات الصفقة.


وعلى حد قول مسؤول كبير في فتح مطلع على الاتصالات بين عائلته ومحاميه وبين قيادة حماس، “معقول الافتراض ان تحريره لن يتحقق في الدفعة الأولى من الصفقة بل في مراحل لاحقة. حماس لا تصر على عودة البرغوثي الى الضفة وشرحت لعائلته بان عليها ان تفكر بفكرة ابعاده الى الخارج”. 


في السيناريو السيء الذي تخشاه إسرائيل، مع تحرره، سيشجع البرغوثي العنف ضد إسرائيل وبالتوازي سيعمل على المصالح مع حماس. مثل هذا السيناريو سيستدعي من إسرائيل ان تعمل وبخاصة اذا ما عمل البرغوثي في الضفة.


مع ذلك، يوجد سيناريو معقد اكثر، تنشأ فيه “معضلة الجولاني 2″، أي السير في طريق زعيم الثوار في سوريا: محاولة بث صورة معتدلة، بما في ذلك اجراء اتصالات مباشرة مع جهات غربية وإسرائيلية، فيما تحوم مسألة هي هذا استعراض تسويقي في الوقت الذي يواصل فيه البرغوثي في داخله وقف بذرة العنف التي ستتفجر مثلما حصل في الانتفاضة الثانية.


حتى لو لم يندرج البرغوثي في الصفقة، فمن المتوقع ان يؤثر على الصورة المستقبلية للساحة الفلسطينية ومن هنا على الوضع الاستراتيجي لإسرائيل أيضا. يبدو أنه مصمم على التنافس على قيادة السلطة في انتخابات مستقبلية سواء من داخل السجن أم من المنفى. واذا ما فاز فيها – كما يتبين من الاستطلاعات – ستتعزز صورة “مانديلا” وينشأ على إسرائيل ضغط خارجي وبالتوازي قد يثور اضطراب داخل السلطة التي ستجد نفسها مقودة من رئيس سجن في دولة تقيم معها تنسيقا مدنيا وامنيا، رئيس يتمسك بالكفاح ضد تلك الدولة ولا تكون معه علاقة جارية. سواء من داخل السجن ام من ميادين رام الله يبدو ان اسم مروان البرغوثي سيشغل سواء إسرائيل أم الفلسيطينيين والشرق الأوسط لزمن طويل آخر.

المنشورات ذات الصلة