كتبت ماريا موسى في جريدة "نداء الوطن":
يلفّ الغموض أزمة سندات اليوروبوندز بعد سنوات من تخلف الدولة عن دفع مستحقاتها. لبنان الذي طالما تغنّى بحفاظه على ثقة الخارج به، فشل في سداد سندات الدين بالعملة الأجنبية، وهو في طريقه إلى الفشل في سداد فوائد أصل الدين، وقد يواجه القضاء، نتيجة هذا التقاعس.
منذ آذار 2020 ولبنان متخلف عن دفع سندات الدين الدولية. وفي ذلك العام، كان المبلغ المستحق دفعه هو 4,6 مليارات دولار، مقسّمة على ثلاث دفعات، على أن تكون الدفعة الاولى 1,3 مليار دولار في 9 آذار، لكن حكومة الرئيس حسان دياب آنذاك اتّخذت القرار بعدم الدفع، بذريعة استخدام المبلغ في تأمين احتياجات لبنان الأساسية.
في ذلك الوقت، دار نقاش حاد في البلد، حول جدوى الامتناع عن الدفع، واعتبر البعض أن لبنان مُلزم بهذه الخطوة، بعدما تخطّى دينه العام الـ 90 مليار دولار. ولكن، وبصرف النظر عن تداعيات التوقّف عن الدفع، إلا أن الأسوأ من القرار، تمثّل في فشل حكومة دياب، وبعدها حكومة ميقاتي، في إيجاد صيغة لوقف هدر المال العام، وإقرار خطة إنقاذية وإصلاحية لبناء اقتصاد متين وإعادة هيكلة الديون المتراكمة، نتيجة إهمال الدولة في مراقبة الفساد في القطاع المالي.
مع بداية العام 2023، تراكمت قيمة سندات اليوروبوندز مع فوائدها لتصل إلى نحو 40 مليار دولار، إلاّ أن حجم المحفظة التي تملكها المصارف لم يعد واضحاً وانخفض إلى حدود 10 مليارات دولار. ويبدو أن المصارف باعت قسماً من السندات التي كانت تحملها في محفظتها والتي كانت تتجاوز الـ 15 مليار دولار، وفق التقديرات المُتاحة.
وهنا يمكن القول إنّ المصارف تخلّصت من نحو 35% من سندات اليوروبوندز التي تحملها، بعد الأزمة المالية، عبر بيعها في الأسواق الدوليّة. في جميع الاحوال، بعد انخفاض قيمة سندات الدين بالليرة، على أثر تغيّر سعر الصرف، باتت سندات اليوروبوندز تمثّل اليوم حوالى 95% من إجمالي الدين العام اللبناني، ليصبح مجموع قيمة الدين بالليرة اللبنانية والعملة الأجنبية يقارب الـ 42 مليار دولار أميركي. امتحان صعب ينتظر لبنان في آذار 2025، تاريخ مرور خمس سنوات على تخلّفه عن سداد سندات اليوروبوندز. وفي هذا الإطار، يرى خبير المال والمحاسبة جو صقر أن قرار الدولة بعدم دفع السندات هو سيف ذو حدين، مشيراً إلى أنه في حال سدّدت الدولة ما عليها من ديون بالعملة الأجنبية لكانت قضت على الاحتياطي في مصرف لبنان، في ظل الأزمة المالية وعدم إقرار أو حتى العمل على أي خطة تعافٍ للقطاع المالي والمصرفي.
وفي حين أن التخلّف عن دفع الديون، كما حصل في لبنان، يؤدي إلى فقدان الثقة الخارجية، وإلى انخفاض قيمة سندات الدين، يصبح من المستحيل على البلد المتخلّف عن الدفع، الاقتراض من الأسواق العالمية. ولفت صقر إلى أن لبنان لن يجد بعد اليوم أي مصدر للاستدانة بالعملة الأجنبية، في حال لم يعمل على حل سريع وحتمي للديون المتراكمة. وأوضح أن تصنيف لبنان ما زال عند مستوى RD وفق وكالة فيتش للتصنيف الائتماني، أي عدم قدرته على سداد ديونه. أما وكالة ستاندرد أند بورز فصنفت لبنان عند مستوى SD ما يعني أن لبنان يتخلف اختيارياً عن بعض الالتزامات بالعملة الأجنبية. في حين أن وكالة موديز أبقت على تصنيفها لبنان عند مستوى C.
جدير بالذكر، أن السندات اللبنانية تتضمّن شروطاً، منها سقوط حق حاملي السندات بالفوائد بعد 5 سنوات على استحقاقها، وسقوط الحق بأصل المبلغ بعد 6 سنوات، على الاستحقاق. لذلك، من المرجّح أن يلجأ المدينون إلى رفع دعاوى ضدّ الدولة اللبنانية قبل 9 آذار 2025 لتحصيل فوائد الدين، لأنه بعد هذا التاريخ يفقد حقّهم بالفائدة، إلا في حال تمّت إعادة هيكلة اليوروبوندز والتفاوض على شروط جديدة.
من الواضح أن القرار اللبناني أدخل البلاد في مرحلة غير واضحة المعالم، في وقت تتجه فيه الأنظار إلى رصد حركة الأسواق المالية الداخلية، ومعرفة موقف الجهات الدائنة وكيفية تعاطي المجتمع الدولي مع لبنان الذي يواجه انهياراً اقتصادياً غير مسبوق، مع شح في السيولة وفرض المصارف إجراءات مشدّدة على العمليات النقدية وسحب الدولار.