عاجل:

إلى متى نبقى في مهبِّ الاستراتيجيات الدولية الطامعة والايديولوجيات المُجَهِّلة؟!

  • ١٢٩

بقلم الدكتور نزار دندش:

قديمًا قيل: "ربّ ضارّةٍ نافعة". واليوم يُقال: "ربّ نافعة ضارّة". فالدول الغنية بالموارد الطبيعية كانت وما زالت محط أنظار الدول القوية، وكذلك كانت الدول التي تحتل المواقع الاستراتيجية في الجغرافيا. وهكذا كان الشرق الأوسط منذ كان وحتى في قديم الزمان صِلةَ وَصلٍ بين شرق آسيوي منتج وغرب أوروبي طامح. وكلنا يذكر طريق الحرير التي كانت تصل برًا الى الهند والصين، وكان الفينيقيون من الشعوب التي اتخذت من هذه الطريق سبيلًا لإشباع طموحها إضافة الى طريق البحر ومغامراته الطويلة .

طريق الحرير أغلقته الامبراطورية الفارسية التي كانت في صراع دائم مع اليونان ومع الرومان، ثم فتحته الدولة الاسلامية قبل ألف وأربعمئة عام .

واليوم يُعيد التاريخ نفسه، ففي ظل الاستقطاب الاقتصادي الحاد الذي يشهد صراعًا وصلَ الى حد العلانية، تشعر الولايات المتحدة انّ ريادتها الاقتصادية مهددة من قبل الصين. فالصين التي تسعى لربط آسيا واوروبا بشبكة من الخطوط الحديدية والمرافئ البحرية المكملة، تسعى لعولمة اقتصادية تضم اكثر من أربعة مليارات من البشر يشكّلون سوقًا استهلاكية بعيدة عن أميركا، وهذا ما يُزعج الولايات المتحدة، لا بل يُغيظها .

ومن حسن حظّ لبنان استراتيجيًا وسوء حظه حاليًا، انه جزء من الشبكة التي يُخطّطُ لطرابلس أن تكون إحدى محطاتها، فمنها ستنتقل البضائع الى اوروبا وافريقيا. وسكّة الحديد هذه سوف تنقل مُنتجات لبنان الى كل مكان. لذلك، لن يكون لبنان في منأى عن هذه الصراعات الاستراتيجية .

ولعنة الجغرافيا حلّت أيضًا على غزّة التي يُخطّط لها ان تكون المرفأ المتوسّطي لطريق حريرٍ مُنافس تسعى إليه اميركا مع حلفائها، يبدأ في الهند وينتهي على شواطئ غزة .

ولعنة الجغرافيا تحلُّ ايضًا على سوريا ولبنان وغزة، لأنّ البحر على شواطئ هذه البلدان غنيٌّ بالنفط والغاز. وحروب الطاقة تقتضي السيطرة على مصادرهما، وعلى طرق إيصالهما الى دول تحتاجهما حتى في التدفئة .

ويُخطئ من يظن انّ أسباب الحروب المتنقلة في هذه الأيام في منطقتنا هي تلك التي تقنعنا بها وسائل الاعلام على مدار الساعة .

أهدافهم هي تحقيق مصالحهم الاقتصادية التي تتطلّب شرقًا لا حول له ولا قوة، يرضى بالفتات ولا يعترض على أمر.

أما اهداف أولياء أمورنا فهي إقناعنا بأنّ الصراع هو بين الجنة والنار!

ما أبعد المسافة بين أهدافهم وأهدافنا، وما أخطر وحشيتهم وما أبسط براءتنا!

فإلامَ نبقى في مهب الاستراتيجيات الطامعة في صراع المخططات الهادفة والايديولوجيات المُجَهِّلة ؟!

المنشورات ذات الصلة