كتب جاد فياض في جريدة "النهار":
كانت سوريا خلال العقد الأخير معزولة عن المجتمع المالي العالمي بسبب هذه العقوبات، وكان أقساها قانون "قيصر" الأميركي الذي استهدف حكومات وشركات وأفراداً يعملون بشكل مباشر وغير مباشر مع نظام الأسد، سواء عسكرياً أو اقتصادياً، وركزت تصنيفات العقوبات على مشاريع التطوير العقاري والخدمات التي تدعم أنشطة النظام العسكرية.
خرجت سوريا من مرحلة نظام بشّار الأسد مثقلة بالعقوبات المالية التي فرضها المجتمع الدولي، وعلى رأسه الولايات المتحدة. ولئن كان الأسد غادر بلاده وترك الحكم، فإن العقوبات المرتبطة بنظامه لم تُرفع بعد، وستتجه الأنظار في المرحلة المقبلة نحو كيفية مقاربة هذه القضية لكونها ستشكّل عصب إعادة الإعمار
كانت سوريا خلال العقد الأخير معزولة عن المجتمع المالي العالمي بسبب هذه العقوبات، وكان أقساها "قانون قيصر" الأميركي الذي استهدف حكومات وشركات وأفراداً يعملون بشكل مباشر وغير مباشر مع نظام الأسد، سواء عسكرياً أو اقتصادياً، وركزت تصنيفات العقوبات على مشاريع التطوير العقاري والخدمات التي تدعم أنشطة النظام العسكرية.
كان من المفترض أن ينتهي العمل بـ"قيصر" في أوائل كانون الأول (ديسمبر) عام 2024، لكن مجلس النواب الأميركي أقر قانون تفويض الدفاع الوطني، ويتضمّن تمديد عقوبات "قانون قيصر" حتى عام 2029، وبالتالي فإنه سيكون ساري المفعول، لكن ثمّة إجراءات يمكن اتخاذها من أجل تعليق العمل به.
فهل ترفع الولايات المتحدة عقوبات "قيصر" مع سقوط نظام الأسد، وتفتح الباب أمام عمليات إعادة الإعمار؟
موقع "ميدل إيست آي" يرصد مؤشرات إيجابية لجهة مقاربة الولايات المتحدة للأزمة السورية، مشيراً إلى رفع واشنطن لمكافأة قدرها 10 ملايين دولار عن زعيم "هيئة تحرير الشام" أحمد الشرع، القائد العام للقيادة السورية الجديدة، بعدما التقى بمسؤولين أميركيين كبار في دمشق، وهي "خطوة أولى" للتواصل مع الحكّام الجدد في سوريا.
المدير التنفيدي للمركز السوري للعدالة والمساءلة محمد العبدالله تحدّث لـ"النهار" عن مقاربة الولايات المتحدة للمسألة، مشيراً إلى أن الرأي السائد في أوساط إدارة جو بايدن يؤيّد عدم إلغاء إدارة دونالد ترامب للعقوبات بل تعليق العمل بها لمدّة 3 إلى 6 أشهر لمراقبة الوضع في سوريا واختبار نوايا القيادة الجديدة، فيما المعلومات تقول إن ترامب طلب من إدارة بايدن عدم تغيير السياسة المتبعة حالياً حتى يتاح له إدارة الملف.
مصالح واشنطن
ترى الولايات المتحدة مصلحة في رفع العقوبات عن سوريا والانخراط في عمليات إعادة الإعمار، "التي تقدر الأمم المتحدة تكلفتها بنحو 400 مليار دولار" وفق ما ينقل موقع "ميدل إيست آي"، وفي هذا السياق، يقول عضو الكونغرس الجمهوري جو ويلسون إنه يريد "استثماراً خاصاً وتجارياً" لتغذية إعادة إعمار سوريا.
لكن واشنطن تأخذ جملة من الاعتبارات لرفع العقوبات، ومنها ما هو مرتبط بتل أبيب، ووفق العبدالله، فإن الولايات المتحدة مهتمة باستقرار أمن إسرائيل، وبالتالي ترغب في إنجاح عملية الانتقال السياسي وعدم تحوّل سوريا إلى دولة فاشلة بهدف إنهاء حالة الفوضى وضمان عدم نشوء تشكيلات قد تواجه إسرائيل في الجنوب.
شروط إلغاء العقوبات
القانون يعرض شروط رفع العقوبات، وعلى رأسها وقف الغارات الجوية من نظام الأسد وروسيا، إلغاء القيود المفروضة على توزيع المساعدات الإنسانية في مناطق النظام، الإفراج عن المعتقلين السياسيين، الامتثال للمعاهدات الدولية المتعلقة بأسلحة الدمار الشامل، وتسهيل عودة اللاجئين، والبدء بعملية مساءلة حقيقة، ومصالحة وطنية تنسجم مع قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254.
لكن نص القانون يتيح للرئيس الأميركي تعليق العقوبات إذا قرّر أن "المباحثات المعترف بها دولياً لحل مشكلة العنف في سوريا انتهت بالتوصل إلى اتفاق، أو من المرجح أن تنتهي بالتوصل إلى اتفاق".
ويتطرّق العبدالله إلى شروط رفع عقوبات قانون "قيصر"، وإذ يلفت إلى أن معظم الشروط المذكورة في نص القانون لم تعد تنطبق عليها الحال بسبب التغيّرات التي حصلت، فإن ثمّة قضايا يمكن أن تُثار، كقضية المعتقلين لدى "هيئة تحرير الشام"، مسار الانتقال السياسي، ويمكن فرض شروط جديدة مرتبطة بحماية الأقليات وعدم الانجرار إلى الأعمال الانتقامية والإشكالات الطائفية.
في المحصلة، فإن الأوضاع في سوريا ستكون محط مراقبة حثيثة من الولايات المتحدة التي تمتلك مفتاح إعادة الإعمار وازدهار الاقتصاد، لأن مشاريع إقليمية كثيرة مرتبطة برفع العقوبات، فهل تتخذ إدارة ترامب القرار في بداية العهد لتفتتح صفحة اقتصادية جديدة في الشرق الأوسط، أم تستمر المراوحة إلى أن تتضح أكثر سياسات القيادة السورية الجديدة؟