عاجل:

السعودية تتعهّد بناء الجيش السوري الجديد (نداء الوطن)

  • ١٧

كتب سامر زريق في "نداء الوطن":

منذ إسقاط نظام الأسد، تتفاعل النقاشات وتسود حالة من عدم اليقين في لبنان، ولا سيّما في أوساط القوى القريبة من الرياض، إزاء الموقف الخليجي، والسعودي بالذات، من التغيير في سوريا. وهذا ما تسبّب في إرباك واضح لدى النخب والشخصيات والقوى السنية التي قنّنت مواقفها، وامتنعت عن زيارة دمشق، أو إقامة الحدّ الأدنى من التواصل مع قيادتها الجديدة. فخطف الزعيم الدرزي وليد جنبلاط المبادرة منها، بفضل حنكته السياسية وبراعته في استشراف اتجاه الرياح الدولية والإقليمية.

والحال أن الكثير من تلك النقاشات تستند إلى تسريبات وتقارير إعلامية، تقف خلفها آلة الممانعة الإعلامية، وتتحدّث عن قلق خليجي من النظام الجديد في سوريا بالحدّ الأدنى، ويذهب بعضها إلى وجود حالة نفور من حكم إسلامي تقوده أنقرة، في محاولة لاستعادة لحظة الخلاف التركي - الخليجي، الذي طُويَ إلى غير رجعة، ولم يعد وارداً إحياؤه أو الاستثمار فيه مرة أخرى.

كلّ هذا المناخ لا يعدو كونه ترجمة لحالة الهزيمة الفادحة التي يُعاني منها محور الممانعة. ليس بسيطاً أبداً أن يسقط هذا المحور بشكل مدوّ، وفي غضون أشهر قليلة، حتى كادت المنطقة تضع شاهدة على قبره، بعد أن كانت صناعة الوهم التي يتقنها، وتعدّ من أبرز أدواته، تروّج لكونه القوّة الجيوسياسية التي لا تقهر.

بيد أنه مخطئ تماماً من يظنّ أن التغيير في سوريا كان ليحصل بهذا الشكل السريع والسلس لولا وجود غطاء سعودي مكين، حيث كانت الرياض شريكاً أساسياً على طاولة "أستانة" في الدوحة، والتي تقرّر فيها التخلّص من "نظام البراميل". والضمانة السعودية هي التي تكفّلت بإزالة هواجس وتساؤلات قوى عربية حول انعكاسات "دمشق الجديدة" على أمنها القومي. ناهيكم بتأكيد وزير خارجية تركيا وعرّاب عملية "ردع العدوان" ونسج التفاهمات الإقليمية التي أطاحت "نظام البراميل"، هاكان فيدان، في تصريحاته، أنه على "تنسيق يومي" مع نظيره السعودي الأمير فيصل بن فرحان.

وهذا التنسيق ليس قاصراً على الملف السوري، بل يشمل العديد من الملفات الجيوسياسية الساخنة، ومنها "القضية الفلسطينية"، حيث دعمت الرياض عضوية أنقرة في اللجنة الوزارية المنبثقة عن القمة العربية - الإسلامية الاستثنائية، وكذلك إلقاء فيدان كلمة في اجتماع وزراء خارجية الجامعة العربية في أيلول الماضي، بعد غياب استمرّ منذ عام 2011.

كذلك الحال، لم يكن تفصيلاً عابراً ولا بروتوكولاً لقاء الوفد السعودي مع قائد التحوّل في سوريا أحمد الشرع (أبو محمد الجولاني)، والذي تزامن مع حضور الوفد اللبناني برئاسة وليد جنبلاط. وبحسب معلومات "نداء الوطن"، فقد تعهد الوفد برعاية المملكة بناء قدرات الجيش السوري الجديد، وليس فقط قوات الشرطة، وفق عقيدة استراتيجية وطنية، تنطلق من روحية الاعتدال الإسلامي لاستيعاب تشكيلات السلفية الجهادية، وتذويب ثوريّتها ضمن إطار دولتي جامع، بشكل يتّسق مع الرؤية السعودية للمنطقة، ودخولها عصر "ما بعد الإسلام السياسي" بمختلف هوياته.

وتوالت بعدها المؤشرات السياسية على الدعم السعودي للتحوّل السوري، بدءاً بزيارة وفد "مجلس التعاون الخليجي" إلى دمشق، لتظهير الموقف الخليجي الموحد بدعم النظام الجديد، وإيصال رسالة إلى إيران بالذات بأن "أمن سوريا وسلامتها جزء لا يتجزأ من أمن الخليج واستقرار المنطقة"، وإلى الشعب السوري بأن "الخليج معكم". مروراً بزيارة وزير الخارجية العُماني بدر البوسعيدي إلى طهران آخر أيام السنة الماضية، لإبلاغ قادتها الموقف نفسه ووضعهم في صورة التفاهمات الإقليمية إزاء سوريا، والتي تدعمها أميركا.

وصولاً إلى أن تكون الرياض الوجهة الدولية الأولى لوزير الخارجية السوري أسعد الشيباني، كما للحكم الجديد برمته، في زيارة تحمل الكثير من الدلالات والرسائل، ولا سيّما أن الوفد المرافق له ضمّ وزير الدفاع اللواء مرهف أبو قصرة، ورئيس الاستخبارات أنس الخطاب، من أجل عرض برنامج بناء الجيش السوري ومراحله الزمنية.

وعليه، ينبغي على القوى السياسية في لبنان، خصوصاً السنية منها، عدم الالتفات إلى قرقعة "محور الممانعة" وسَدَنة إعلامه، فعصر ملالي إيران ولّى إلى غير رجعة.


المنشورات ذات الصلة