عاجل:

«الغموض البنّاء» يلفّ الانتخابات الرئاسية وكأنّها «التأسيسية الأولى»! ( الجمهورية )

  • ٣٥

كتب "جورج شاهين" في "الجمهورية" 

على مسافة 5 أيام من جلسة انتخاب رئيس الجمهورية العتيد ما زال «الغموض البنّاء» يلفّ شكلها ومضمونها والنتائج المترتبة، وكأنّها انتخابات تأسيسية في دولة ناشئة، وذلك بعدما تعددت محاولات اللبنانيين للتعرّف على اسم «البطل الجديد» الذي ينهي السباق إلى قصر بعبدا قبل ان ينبت العشب على أبوابه. فكل الحراك القائم على خطوط الساعين إلى إتمامها في «الموعد المقدّس» لم تصل بعد إلى تظهير الصورة التي ستُعلّق في الكادر الخالي من صورته، وهو ما قاد الى تعدّد السيناريوهات المطروحة. وهذه عينة منها؟

قد تكون المرّة الاولى التي اقترب فيها موعد الجلسة الثالثة عشرة بأيام معدودة تساوي عدد أصابع اليد الواحدة لانتخاب الرئيس العتيد من دون معرفة من رست عليه التفاهمات والصفقات الجارية في اكثر من مطبخ محلي واقليمي ودولي لإنهاء فترة طويلة من خلو سدّة الرئاسة من شاغلها. وهي مرحلة بلغت عامين و70 يوماً، وهو ما اعتاد عليه اللبنانيون مرّة واحدة ما قبل الولاية الرئاسية الاخيرة. علماً وبلغة الارقام، انّ عدد جلسات الانتخاب لم يصل بعد الى ثلث الجلسات التي عُقدت ما بين 24 أيار 2014 و31 تشرين الأول 2016 والتي بلغت 39 جلسة قبل أن تشهد الاخيرة منها انتخاب الرئيس الثالث عشر للبنان.

ومردّ هذه الظاهرة إلى المعادلات السلبية التي ما زالت تتحكّم بتركيبة المجلس النيابي الذي عجز منذ انتخابه في 15 أيار 2022 من أن يسهّل الطريق إلى تشكيل حكومة جديدة تخلف حكومة الرئيس نجيب ميقاتي التي شُكّلت في 10 أيلول 2021 لتنال ثقته. وهكذا بقيت مع نهاية ولاية الرئيس ميشال عون بعد 14 شهراً ونصف الشهر على تشكيلها حكومة مستقيلة، قبل ان يقيلها مرّة ثانية بمرسوم شكّك كثر في دستوريته. وهو لم يكن الفشل الوحيد الذي سُجّل في دورته الحالية قبل ان يسجّل بعد عامين ونصف عام على انتخابه فشلاً آخر تمثل في عجزه عن انتخاب رئيس جديد للجمهورية طوال الفترة التي فصلت ذلك التاريخ وحتى اليوم. وهو يقف اليوم على عتبة دعوة جديدة لانتخابه قيل إنّها جلسة حاسمة ونهائية، لن تُرفع ولن يتلى محضرها ويُقفل قبل أن يتصاعد الدخان الأبيض من ساحة النجمة إيذاناً بانتخاب الرئيس الرابع عشر للجمهورية مهما طال الزمن.

وإلى هذه المعطيات التي ما زالت نظرية حتى اليوم بعد مسلسل المواعيد الفاشلة التي عبرت، الّا انّ هناك هذه المرّة أكثر من سيناريو يتحدث عن الحاجة إلى انتخاب الرجل الذي ينهي مرحلة الشغور، ومعها السباق المحموم الى القصر المهجور على إحدى تلال بعبدا، وقد طالت لائحة المتسابقين بما لم يشهده أي استحقاق سابق منذ الاستقلال حتى اليوم. وهذه عينة منها:

- إن صحّ القول إنّها الجلسة الاخيرة، فأمامنا أربعة ايام لا اكثر ولا اقل ليتبين الخيط الابيض من الاسود، وهو ما سيحسمه موقف الرئيس نبيه بري يعلن فيه تأجيل الجلسة إلى موعد لاحق لأسباب قد تكون وجيهة ومحدّدة سلفاً في بيان التأجيل. وقد قرأ آخرون في إصرار بري يومياً على حديثه عن موعد الجلسة، على أنّها نهائية ولا تتمة لها، طالما أنّه سيلجأ الى أسلوب انتخاب البابا في الفاتيكان مهما تعددت الجلسات، وانّ السندويتشات جاهزة لملء الفراغ بين جلسة واخرى.

- البديل الوحيد لهذا الخيار إن بقي الوضع على ما هو عليه من الغموض، انّ بري الذي تحكّم بمسار المفاوضات التي جرت على مدى عام وشهرين من أجل ترتيب اتفاق 27 تشرين الثاني الماضي، الذي قضى بتجميد العمليات العسكرية في الجنوب ولبنان، انّه أتمّ على هامشه اتفاقاً مع راعيه الأميركي على هوية الرئيس العتيد للجمهورية لقاء ما قدّمه من حوافز. ولم يحن الوقت بعد لسحب هذا الارنب من كمّه وحسم الجدال القائم في الربع الساعة الأخير او المتر الأخير المؤدي الى ساحة النجمة قبل بلوغ الساعة الحادية عشرة من قبل ظهر الخميس المقبل.

- لا بدّ من أن تحمل الحركة الديبلوماسية الجارية على اعلى المستويات، ولا سيما منها الفرنسية والسعودية إن اكتملت بحضور الوفد السعودي تزامناً مع الحراك الأميركي الموازي في السرّ والعلن، مؤشراً يوحي للمتريثين بالكشف عن مرشحهم. فالأكثرية النيابية من الموالين والمعارضين لم تقل كلمتها بعد في اسم الرئيس المحتمل، ويمكن في اي لحظة ان تتحقق المعجزة بالإعلان عنه من بين الأسماء المتداولة ومن يتقدّمهم جميعهم، او أن تنشأ معادلة جديدة تتسبب بهبوطه على اللبنانيين فينساقون إلى ساحة النجمة أرتالاً أرتالاً لانتخابه على انّه «المنقذ المفقود» المكلّف إدارة «مرحلة تأسيسية» لدولة ناشئة. اما وقد طال انتظارها في مهلة انتهت باكتشافه مدعوماً بمجموعة من التعهدات والضمانات التي توفّر له تقليعة لا بدّ منها ليعيد انتظام العلاقات بين السلطات الدستورية ويباشر في إعادة بناء الثقة المحلية والخارجية بها، لتشكّل محطة انتخابه الخطوة الأولى في مسيرة الألف ميل المسموح بها لولاية جديدة سواء كانت انتقالية لفترة محدّدة او كاملة من 6 سنوات.

وعدا عن هذه السيناريوهات، هناك اخرى يتجنّب من بيدهم قرار الحل والربط سلوكها او مجرد الإيحاء بها، فعلى الجميع ان يدركوا انّ الحرب لم تضع أوزارها بعد، وانّ الاتفاق لم يصل بعد الى مرحلة وقف نار نهائي وثابت مرفقاً بسيناريو يتحدث عن اليوم التالي. فالمسيّرات الاسرائيلية ما زالت تجوب الأجواء اللبنانية، وقد عادت الطائرات الحربية إلى غاراتها لأهداف مختارة تذكّر من يلعب بالنار بأنّ ما تعهّد به لا بدّ من ان يجد طريقه إلى الواقع، وانّ انتخاب الرئيس هو البند الـ 14 من النقاط الـ 13 للاتفاق. وما عليهم سوى فتح الطريق إلى تطبيقه.

المنشورات ذات الصلة