في الوقت
الراهن، أنطلق من حقيقة أن إيران ستقتصر على توجيه ضربة رمزية بحتة، وإن كانت أكبر
من المرة السابقة.
تشير التصريحات
الإيرانية حتى الآن إلى أنه ستكون هناك ضربة واحدة. وللإدلاء بتصريحات كهذه، يجب
أن تكون إيران على يقين من أن إسرائيل لن تعاود الرد، أو سترد على نحو يمكن لطهران
أن تتقبله، بمعنى أن الطرفين لن يمضيا قدما على سلم التصعيد المتبادل.
وهذا ممكن فقط إذا تم
التوصل إلى اتفاق بين إيران والولايات المتحدة، سيتم فرضه فيما بعد على إسرائيل.
فإذا أعلنت إيران عن ضربة انتقامية واحدة، فهذا يعني ضمنا أنها على ثقة من عدم
حدوث أي تطورات، وقد توصلتا طهران وواشنطن أو بصدد التوصل إلى اتفاق بهذا الشأن.
من ناحية أخرى، فقد سافر نتنياهو مؤخرا إلى الولايات
المتحدة، حيث ناقش هناك على الأرجح خططه المستقبلية. وما تلا ذلك كان استفزازا غير
مسبوق، حيث يعتبر اغتيال إسماعيل هنية في إيران بصقة مذلة للغاية في وجه إيران،
ومسح لقدمي نتنياهو بإيران، ليصبح رد إيران مضمونا.
ومن المستبعد للغاية أن يكون نتنياهو قد حصل على موافقة
إدارة بايدن لمثل هذا الفعل. وإذا افترضنا أن يكون ذلك قد حدث بالفعل، فلا ينبغي
لإدارة بايدن، على أقل تقدير، أن تستبعد سيناريو مزيد من التصعيد يفضي إلى حرب
إقليمية، سيتعين على الولايات المتحدة فيها التدخل إذا سارت الأمور على نحو سيء
بالنسبة لإسرائيل.
بالنسبة لنتنياهو فإن عبارة "واشنطن لا
تستبعد الموافقة" تعني شيئا واحدا: أنه سيغتنم هذه الفرصة ويتبع بالتأكيد هذا
السيناريو. ويعني ذلك أنه بعد الضربة الانتقامية الإيرانية، قد يبدأ تصعيد تدريجي،
بمشاركة الولايات المتحدة بعد خطوات معدودة. لكن، أكرر أن هذا سيناريو نظري غير
مرجح للغاية (أن تكون إدارة بايدن وافقت على مثل هذا الفعل).
لكن السيناريو الأكثر ترجيحا هو أن يكون نتنياهو قد أبلغ
إدارة بايدن بخططه وفرض شروطا غير مقبولة ليتم رفضها. وفي هذا السيناريو، لم يتمكن
بايدن من تلبية مطالب نتنياهو، ما يعني أن هناك احتمالا كبيرا ألا تتمكن واشنطن من
فرض إرادتها على إسرائيل فيما يتعلق بالرد على الضربة الإيرانية المتوقعة.
والسيناريو المشابه في
العواقب هو أن نتنياهو لم يخطر إدارة بايدن بمحاولة اغتيال إسماعيل هنية المرتقبة.
كلا السيناريوهين الأخيرين يخلقان ظروفا ملائمة لنتنياهو
لنصب فخ للولايات المتحدة وجرّها للصراع. أي أن نتنياهو يستطيع الآن أن يعد واشنطن
بأنه لن يصعّد بعد الضربة الانتقامية الإيرانية، لكنه لن يفي بوعده.
قد يكون لخداع نتنياهو لإدارة بايدن تأثير سلبي طويل
المدى على العلاقات بين الديمقراطيين وإسرائيل، لكن، هل تهم العواقب طويلة المدى
نتنياهو بالأساس؟ لم تعد هناك خطط طويلة المدى لإسرائيل، وكل خططها الآن تتمحور
حول مهمة واحدة: البقاء على قيد الحياة في السنوات القليلة المقبلة، والنجاة من
الحصار الذي يفرضه الحوثيون والحرب في غزة. بل إن مصالح نتنياهو الشخصية أقصر في
مداها من ذلك، ومن المستحيل الاعتماد على أية ضمانات من الإدارة الحالية.
من المحتمل، بل من المرجح جدا، أن يخسر الحزب الديمقراطي
الأمريكي الانتخابات، حيث تزداد احتمالات هذه الخسارة على خلفية إمكانية اندلاع
حرب إقليمية في الشرق الأوسط، ونقص النفط، وارتفاع أسعار البنزين في الولايات
المتحدة.
على هذه الخلفية نرى انقساما متزايدا داخل الحزب
الديمقراطي فيما يتعلق بالحرب في غزة. ومع تزايد تعداد السكان الملونين في الولايات
المتحدة، يتزايد الدعم لفلسطين ورفض إسرائيل داخل الحزب. وسوف يتعزز هذا الاتجاه
مع تغير التركيبة العرقية لسكان الولايات المتحدة.
يعني ذلك أنه من المفيد بالنسبة لإسرائيل على المدى
الطويل إضعاف الحزب الديمقراطي أو إزالته من المشهد السياسي.
إضافة إلى ذلك، فإن الكونغرس الأمريكي، الذي قاطع
نتنياهو 50 مرة بالتصفيق، لا يترك للإدارة الحالية أي خيار سوى تقديم الدعم الكامل
لإسرائيل، حال نشوب حرب واسعة النطاق. وبغض النظر عما يفعله نتنياهو، حتى لو تجاهل
تماما رأي واشنطن، بل والأكثر من ذلك في حالة نشوب حرب واسعة النطاق، فإن أي مرشح
لرئاسة الولايات المتحدة ملزم بالانضمام إلى مباراة التنافس على "من يحب
إسرائيل أكثر". ذلك أنه بالنسبة للمرشح الديمقراطي، قد يعني ذلك خسارة جزء من
الناخبين وخسارة الانتخابات، من جانبه لا يمكن لنتنياهو سوى أن يرحب بمثل هذا
السيناريو.
بالتالي، فإن مقتل إسماعيل هنية، في رأيي المتواضع، ليس
سوى المرحلة الأولى من خطة نتنياهو لتوريط الولايات المتحدة في الصراع. وربما
سيقدم نتنياهو الآن على تأكيدات بأنه سيرد على الانتقام الإيراني على نحو معتدل
للغاية، لكنه بعد هذه الضربة سيقوم بالتصعيد.
وهذا السيناريو ممكن حتى لو كانت الضربة الإيرانية
معتدلة.
ويمنح هذا الوضع نتنياهو فرصة فريدة قد تتبخر بعد
الانتخابات الأمريكية، لذا أعتقد أنه سيحاول بدء حرب مع إيران في الأشهر الثلاثة
المتبقية.
المحلل السياسي/ ألكسندر نازاروف