قالت "هيومن رايتس ووتش" إنّ الحكومة اللبنانية رحّلت في 8 يناير/كانون الثاني 2025 عبد الرحمن يوسف القرضاوي، وهو شاعر يحمل الجنسيتين المصرية والتركية، إلى الإمارات حيث يواجه بشكل شبه مؤكد محاكمة جائرة وخطرا حقيقيا بالتعرض لانتهاكات أخرى، بما في ذلك التعذيب.
قال محمد صبلوح، محامي القرضاوي، لـ هيومن رايتس ووتش إن السلطات اللبنانية اعتقلت القرضاوي في 28 ديسمبر/كانون الأول 2024 عند معبر المصنع الحدودي لدى عودته من سوريا، بناء على مذكرة توقيف صادرة بحقه في مصر. قال صبلوح إن طلب توقيف آخر صدر في 30 ديسمبر/كانون الأول من الإمارات. قالت الحكومة اللبنانية في قرارها إن الإمارات طلبت في 2 يناير/كانون الثاني استرداد القرضاوي، على خلفية تهم، منها نشر أخبار وإشاعات كاذبة والإخلال بالنظام العام. قال صبلوح إن طلب التوقيف الإماراتي سببه منشور على منصات التواصل الاجتماعي للقرضاوي خلال زيارته لسوريا. تحققت هيومن رايتس ووتش من المنشور المقصود، ولم تجد أنه يُشكل أي جريمة مُعترف بها في القانون الدولي.
وقال رمزي قيس، باحث لبنان في هيومن رايتس ووتش: "ترحيل شاعر تعسفيا إلى الإمارات لمجرد انتقاد سلمي على منصات التواصل الاجتماعي يقوّض بشدة سيادة القانون في لبنان. قرار ترحيل شخص بسبب انتقاد حكومة أخرى يبعث برسالة مفادها أن السلطات اللبنانية ستتساهل مع جميع أشكال الانتهاكات في تملقها لدول الخليج القوية حتى دون أي دليل على ارتكاب جريمة".
والقرضاوي ليس مواطنا إماراتيا، ولم يكن في الإمارات عند ارتكابه أي من الجرائم المتهم بها. قال صبلوح إنه استأنف قرار الحكومة بالترحيل أمام "مجلس شورى الدولة"، المحكمة الإدارية الأعلى في لبنان، في 8 يناير/كانون الثاني، بعد يوم واحد من إعلان الحكومة قرارها ترحيل القرضاوي. مع ذلك، لم تنتظر الحكومة النظر في الاستئناف وتم ترحيل القرضاوي بالتالي في 8 يناير/كانون الثاني.
كما قال صبلوح إن القرضاوي زار سوريا بعد إسقاط الرئيس السابق بشار الأسد، وفي خلال تواجده في سوريا نشر فيديو لنفسه من داخل جامع الأمويين في دمشق، انتقد فيه حكومات مصر والإمارات والسعودية. قال إن مصر أرسلت طلب توقيف منفصل، بناء على حكم غيابي بثلاث سنوات سجن صادر ضد القرضاوي بسبب "نشر أخبار كاذبة" و"إهانة السلطات القضائية".
في 3 يناير/كانون الثاني، بعث صبلوح رسالة إلى مكتب المدعي العام يطلب منه أن يوصي الحكومة بألا تُسلّم القرضاوي إلى الإمارات أو مصر، شارحا الانتهاكات الجسيمة التي قد يتعرض لها القرضاوي في كلا البلدين. في اليوم نفسه، ورد في قرار الحكومة إن المدعي العام أوصى بقبول طلب التسليم. في 7 يناير/كانون الثاني، بعثت 17 منظمة حقوقية لبنانية ودولية، من ضمنها هيومن رايتس ووتش، برسالة إلى الحكومة اللبنانية تحث فيها المسؤولين على رفض طلبَيْ التسليم المصري والإماراتي.
كذلك قالت هيومن رايتس ووتش إن ترحيل القرضاوي إلى الإمارات ينتهك القوانين المحلية اللبنانية وواجبات لبنان الدولية، بما في ذلك بموجب "اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة"، التي صادق عليها لبنان. تنصّ المادة 34 من قانون العقوبات اللبناني على أن طلب الاسترداد يجب أن يُرفض إذا نشأ "عن جريمة ذات طابع سياسي، أو ظهر أنه لغرض سياسي". تنص المادة 3 من اتفاقية مناهضة التعذيب على أنه "لا يجوز لأية دولة طرف أن تطرد أي شخص أو تعيده ("أن ترده") أو أن تسلمه إلى دولة أخرى، إذا توافرت لديها أسباب حقيقية تدعو إلى الاعتقاد بأنه سيكون في خطر التعرض للتعذيب".
ونصّ قرار الحكومة اللبنانية على أن الإمارات التزمت بتوفير "المعاملة العادلة والإنسانية" للقرضاوي، خلال اتصال هاتفي في 7 يناير/كانون الثاني بين وزير الشؤون الخارجية الإماراتي عبد الله بن زايد آل نهيان ورئيس الوزراء اللبناني نجيب ميقاتي.
قالت هيومن رايتس ووتش، إن الضمانات الشفوية بالمعاملة العادلة لا يمكنها أن تعادل سجل الإمارات من المحاكمات الجائرة والتعذيب وسوء المعاملة السيئة. طالت حملة الإمارات على حرية التعبير أشخاصا غير إماراتيين مقيمين في الإمارات، كما ارتبطت السلطات الإماراتية بعمليات ترحيل قسرية لمعارضين مفترضين. في مايو/أيار 2023، احتجزت السلطات الأردنية مواطنا يحمل الجنسيتين الإماراتية والتركية، خلف عبد الرحمن الرميثي، وأعادته إلى الإمارات، حيث أُخفي قسرا. لاحقا، أُلحِق الرميثي بمحاكمة جماعية جائرة شابها انتهاكات الإجراءات الواجبة وسوء المعاملة والتعذيب.
الترحيل إلى مصر كان سيحمل المخاطر ذاتها. وثّقت هيومن رايتس ووتش و"منظمة العفو الدولية" أن قضية 2014 التي حكمت خلالها محكمة مصرية على القرضاوي غيابيا بالسجن ثلاث سنوات على خلفية تهم "إهانة السلطة القضائية" و"نشر أخبار كاذبة" كانت ناجمة فقط عن انتقاده السلمي.