كتب ناجي شربل وأحمد عزالدين في جريدة الأنباء:
كلف الرئيس اللبناني الجديد العماد جوزف عون أمس رسميا رئيس محكمة العدل الدولية القاضي نواف سلام بتشكيل الحكومة الجديدة، وهي الأولى في «عهد» عون.
جاء ذلك في ختام المشاورات النيابية التي أجراها الرئيس اللبناني في قصر بعبدا.
وقد حاز الرئيس المكلف نواف سلام 84 صوتا، مقابل 9 أصوات للرئيس نجيب ميقاتي، فيما امتنع 35 نائبا عن التسمية.
وشهدت أروقة القصر الجمهوري في بعبدا أمس حركة لافتة، استعاد بموجبها نواب المعارضة أجواء تأليف الحكومة في 2005 بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري واستقالة الرئيس عمر كرامي.
يومــــذاك نجحـــت المعارضة في إيصال الرئيس نجيب ميقاتي إلى كرسي الرئاسة الثالثة في السرايا الحكومية على حساب النائب عبدالرحيم مراد. وقد تولى ميقاتي إنجاز انتخابات لم يشارك فيها مرشحا، وأوصلت أغلبية معارضة إلى البرلمان، من دون ان تتمكن الغالبية الجديدة من إحداث تغيير جذري في مشهد الحكم.
وأمس، تكرر المشهد - المنازلة بين ميقاتي المدعوم من قوى السلطة وقوى خارجية مؤثرة، وبين المعارضة التي أوصلت رئيس محكمة العدل الدولية القاضي نواف سلام، بعد إخفاق في الاتفاق على دعم شخصية من صفوفها من النواب، وتحديدا نائب بيروت فؤاد مخزومي، الذي أعلن العزوف عن الترشح لمنصب رئيس الحكومة في بيان نشره على حسابه في منصة «إكس». كما لم تمض المعارضة في ترشيح نائب طرابلس اللواء أشرف ريفي. فيما أعلن نائب بيروت إبراهيم منيمنة الانسحاب لمصلحة سلام.
وبدا ان مشهد التبديل الكامل سياسيا في البلاد قد فتح بالكامل، وكان محكوما بتوازنات محلية وإقليمية دولية. وقد تعثر الرئيس نجيب ميقاتي في مسيرته الرابعة لتأليف الحكومة، على الرغم من تلقيه دعما خارجيا لافتا، عزته أوساط إلى دقته في مقاربة المرحلة الأكثر صعوبة على البلاد في الحرب الإسرائيلية الموسعة، حيث جنب البلاد حصارا إسرائيليا، ومكن مطار بيروت الدولي من العمل كأداة وصل بين لبنان والعالم، إلى سيره جيدا بين النقاط، خصوصا تلك التي أدت إلى تبديل شكل الحكم في سورية.
إلا ان الحسابات الخاصة بتغيير المشهد السياسي في البلاد، وبث جرعات أمل للناس بأن صفحة جديدة ستفتح، حملت السفير السابق القاضي والباحث نواف سلام إلى السرايا، مدعوما من شرائح سياسية واسعة، بينها تكتل «لبنان القوي» التابع لـ «التيار الوطني الحر»، الذي صفى حسابا مع ميقاتي. كما قال تكتل «الجمهورية القوية» التابع لـ «القوات اللبنانية» كلمته، وهو كان جاهر مسبقا بضرورة خروج الرئيس ميقاتي من الحكم.
وسيقود سلام مرحلة التحضير للانتخابات النيابية في 2026، إلى إجراء الانتخابات البلدية والاختيارية هذه السنة، بعد أشهر قليلة، فضلا عن مواكبة تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار بين لبنان وإسرائيل، والتحضير لمؤتمرات دولية يتوقع ان ينال فيها لبنان مساعدات في عملية إعادة الإعمار، بعد النتائج الكارثية للحرب الإسرائيلية.
وكان رئيس الجمهورية العماد جوزف عون أنجز عمليات الاستشارات النيابية الملزمة، وعمل توازيا على التحضير لولادة سريعة للحكومة، من أجل البدء بمسيرة النهوض والإصلاح في البلاد، مستفيدا من الزخم الدولي الذي رافق انتخابه، وسعيا إلى استثمار الدعم العربي والخارجي في مسيرة النهوض بالبلاد. ورفضت دوائر القصر طلبا من كتلة نواب «الوفاء للمقاومة» التابعة لـ «حزب الله» بتأجيل موعد الكتلة إلى اليوم الثلاثاء.
وكانت الساعات التي سبقت بدء الاستشارات النيابية لتسمية رئيس الحكومة المكلف، شهدت حالة غير مسبوقة لدى الكتل النيابية، خصوصا في صفوف المعارضة التي انقسمت بين أكثر من مرشح لمواجهة رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي. وبرزت مساع في المعارضة إلى التجمع حول شخصية محددة تستطيع الحصول على أكبر عدد من الأصوات، مع علمها المسبق ان تعدد المرشحين يجعل الكفة تميل نحو ميقاتي.
وذكرت مصادر مطلعة لـ «الأنباء» ان تردد بعض الكتل في تحديد موقفها، أو تراجع بعضها الآخر عن ترشيحات كان اعلنها اعتقادا ان «كلمة سر» ستأتي، أو ان الأجواء الخارجية تميل إلى ترجيح شخصية على أخرى.. إلا ان ذلك لم يتحقق، في ضوء وجود اهتمام وإصرار عربي وخارجي على مواجهة التحديات المقبلة، وضرورة ان تبصر الحكومة النور سريعا، أكثر من التركيز على الشخصية التي ستتولى رئاسة الحكومة.
واستمرت التسريبات الإعلامية وحملات التشكيك بالرئيس ميقاتي واعتباره من رموز المرحلة السابقة، مقابل تسريبات تنال من المرشح الذي اتفقت عليه المعارضة في اجتماعها الأول النائب فؤاد مخزومي، قبل ان يخرج إلى العلن اسم القاضي نواف السلام، وإعلان مخزومي سحب ترشيحه لمصلحته.