عاجل:

"الثنائي" يقاطعان وغموض يكتنف تأليف الحكومة... رئيس الجمهورية: لبنان أمام فرصة ذهبية (الجمهورية)

  • ٢٢

مع اختتام الإستشارات النيابيّة غير الملزمة اليوم، التي شهدت مقاطعة شيعية غير مسبوقة في تاريخ الإستشارات، تتبدّى أمام الرئيس المكلّف تشكيل الحكومة نوّاف سلام، المهمّة الصّعبة في تلمّس الطريق إلى تأليف سلس للحكومة يمهّد للانطلاقة الموعودة لعهد الرئيس جوزاف عون، وتدارك سقوط تكليفه في أزمة تأليف وما قد يترتب عليها من استتباعات وتعقيدات.

غيوم داكنة

لم يكن بدء الرئيس المكلّف بإجراء الإستشارات هو الخبر أمس، بل كانت مقاطعة ثنائي حركة "أمل" و"حزب الله" لهذه الإستشارات هي الخبر، وما أدلى به النواب الذين شملهم التشاور مرّ مرور الكرام من دون أن يكترث له أو يعبأ به أحد، وخصوصاً أنّ الجو السياسي العام كان مضبوطاً بكليّته على قراءة مرحلة ما بعد الاستشارات، التي تبدو ملّبدة بتشنّجات صارخة وغيوم سياسية داكنة.

وسط ذلك، ثمّة أسئلة كثيرة منثورة في الأجواء الحكومية، أجوبتها صعبة جداً ومرهونة بمجريات الايام المقبلة:

كيف سيتمّ تشكيل الحكومة في هذه الأجواء؟

هل إنّ مقاطعة ثنائي "أمل" و"حزب الله" لاستشارات الرئيس المكلّف، مقدّمة لمقاطعة الحكومة وعدم المشاركة فيها؟

هل ما زال ممكناً إقناع الثنائي بالعدول عن هذه المقاطعة، وكيف؟ وهل يملك الرئيس المكلّف ما يمكنه من ذلك؟

ماذا يريد "الثنائي"؟ وإذا ما قرّرا عدم المشاركة في الحكومة، هل يستطيعان أن يعطّلا التأليف؟ وهل في الإمكان تشكيل حكومة بمعزل عنهما؟

هل تصل الأمور إلى لحظة يسود فيها منطق التحدّي المتبادل؟ ومن هنا هل ثمة من يقدّر عواقب مبادرة الفريق الحكومي إلى إشراك شخصيات شيعية من خارج "أمل" و"حزب الله"؟ وهل يحتمل البلد مثل هذه العواقب؟ وهل ثمة في المقابل من يقدّر عواقب لجوء "الثنائي" إلى إشهار سلاح "الميثاقية" في وجه العهد الحكومي الجديد برفضهما المشاركة المباشرة فيها وإسقاط الحرم الشيعي على الشخصيات الشيعية المشاركة فيها؟ وهل يحتمل البلد مثل هذه العواقب؟

الأمور ليست مقفلة

الصورة يفترض أن تبدأ بالتبلور بعد اللقاء المرتقب في الساعات المقبلة بين الرئيس المكلّف ورئيس مجلس النواب نبيه بري (ربما يوم غد الجمعة). الذي نُقل عنه استياء بالغ مما وُصف بالانقلاب الذي بدّل صورة التكليف بين ليلة وضحاها، كما نُقل عنه تحذيره من مغبة أن يحاول البعض التعامل (مع المكون الشيعي) بعقلية الإقصاء، فهذا له أكلاف وعواقب. الّا أنّ بري أطلق بالأمس إشارة بالغة الدلالة، حيث قال رداً على سؤال عمّا إذا كانت مقاطعة الاستشارات رسالة في اتجاه خارج معين: "لبنان بدو يمشي".

تكهنات وتخيلات

ونظراً لانعدام الرؤية الواضحة، فإنّ المشهد الداخلي على ما تصفه مصادر رسمية رفيعة المستوى عبر "الجمهورية"، غارق في تكهّنات وسيناريوهات وتخيّلات تجافي الواقع ولا تستند إلى وقائع، وهذا الوضع سيستمر لبعض الوقت ريثما تنجلي الصورة. فالآن تبدو النبرة السياسية غاضبة وعالية جداً، ولكن قد لا يطول الوقت حتى تلفحها الليونة، ولاسيما انّ الامور ليست مقفلة، وكل الاطراف من دون استثناء أي منها لا ترغب في انزلاق البلد إلى صدام سياسي.

وبحسب معلومات موثوقة لـ"الجمهورية"، فإنّ حركة اتصالات مكثفة انطلقت غداة تكليف الرئيس سلام، وتجري على أكثر من خط داخلي لاحتواء أزمة المقاطعة، ويواكبها دفع صارم من قبل رئيس الجمهوريّة جوزاف عون إلى تجاوز هذا القطوع، ولاسيما أنّ الهاجس الأساس لديه هو بلوغ انفراج حكومي شامل كل المكونات ولا يستثني أيّاً منها. وذلك انطلاقاً من رفضه القاطع منطق الإقصاء والإبعاد، أو المسّ بالميثاقية والعيش المشترك من قريب او بعيد. والتحدّي الكبير الذي وجد نفسه في موازاته - ولم يكن قد أتمّ الأسبوع الأول من بدء ولايته الرئاسية بعد - هو تجنيب البلد السقوط في ما لا تُحمد عقباه، ويجنّد الجهد الأكبر في هذا السبيل وضبط المسار الداخلي على خط الإنفراج".

وعلى الخط الموازي، تحدثت مصادر ديبلوماسية عربية عمّا سمّته "جهداً يتحرك على اكثر من خط عربي وخليجي على وجه الخصوص، في اتجاه مختلف الاطراف في لبنان، "لمساعدة الأخوة في هذا البلد على تخطّي هذه الأزمة، وتوفير الاندفاعة الضرورية والفاعلة لعهد الرئيس جوزاف عون، وللحكومة المنتظرة التي لا نرى ما يوجب تأخير تأليفها او إعاقته، وخصوصاً انّ رئيس الجمهورية نفسه تحدث عن كمّ كبير من القضايا والتحدّيات الصعبة التي توجب على لبنان بكلّ مكوناته، عملاً وجهداً كبيرين وخطوات حكومية عاجلة إنقاذية واصلاحية لتجاوزها واعادة انهاض لبنان، بمساعدة مباشرة وأكيدة من اشقائه العرب".

"ما تمزحوا معنا؟"

على أنّ اللافت للانتباه في هذا السياق أنّه برغم عدم تسمية ثنائي "امل" و"حزب الله" للرئيس المكلّف، وعدم مشاركتهما في الاستشارات النيابية الملزمة التي يجريها في المجلس النيابي، إلّا أنّه لم يصدر عنهما أي موقف صريح أو مباشر حول مشاركتهما في الحكومة او عدمها، قد تبدو الأمور في ظاهرها سائرة إلى المقاطعة وعدم المشاركة، وهو ما لا تنفيه او تؤكّده مصادر قريبة من الثنائي. فالأمور كما تقول، تقارب بهدوء وعدم انفعال او تسرّع واستعجال، وتبعاً لذلك فإنّ القرار النهائي في هذا الشأن سيُتّخذ وفق التطورات والطروحات.

وتؤكّد المصادر انّ الثنائي اللذين كان لهما الدور الأساس في إتمام الاستحقاق الرئاسي، يؤكّدان رغبتهما في إنجاح عهد الرئيس جوزاف عون وانطلاقته على أسس سليمة لا تشوبها شائبة، خلافاً لبعض المكونات السياسية ومن خلفهم، الذين بكّروا في التصويب على العهد ومحاولة فرملة اندفاعته باختلاق أزمة لا يخفون أهدافها، والتبجح بانتصار وهمي ظنّوا من خلاله انّهم حققوا انقلاباً في الموازين والمعادلات الداخلية، يجعل مكوناً أساسياً في لبنان وكأنّه مجرد حالة عددية لا أكثر.

وعلى ما يقول مرجع كبير في هذا السياق: "الحكي ببلاش، واذا أردنا ان نردّ على "فرافيط" السياسة وما يقولونه عن تجاوزنا وانّهم ربحوا واننا هُزمنا "ما بنخلص". لكن على ما يقول المثل خذوا اسرارهم من صغارهم، فهؤلاء يعبّرون عن مناخ، ومن هنا فإن اعتقدوا ذلك، مجرّد الاعتقاد، فهم يرتكبون خطيئة كبرى، نحن ام الصبي، ولسنا رقماً، نحن من الأسس، و"حيطنا عالي، وما حدا يفكر يستوطي حيطنا وننصحه ألّا يجرّب"، وإن كان ثمّة من يريد لنا أن نغرق، فلن نغرق وحدنا فما تمزحوا معنا".

لا يستطيعون التعطيل

في هذه الأثناء، استغربت مصادر معارضة ما وصفته "تحدّي الثنائي للعهد والرئيس المكلّف"، وقالت لـ"الجمهورية": "أمر طبيعي ألّا يسمّي "حزب الله" وحركة "أمل" الرئيس نواف سلام، فهي لعبة اصوات، ولكن المستغرب أن يقاطعا استشارات الرئيس المكلّف، فهذه الإساءة السياسيّة ليست موجّهة إلى الرئيس المكلّف فحسب بل إلى رئيس الجمهورية. فالواضح انّهما لا يريدان للعهد ان ينطلق ولا يريدان الّا حكومة يتحكّمان بها، وضمن هذه الواقع نشجع الرئيس المكلّف على عدم الرضوخ للضغوطات وتأليف الحكومة في اسرع وقت ممكن".

ورداً على سؤال عمّا اذا كان في الإمكان تأليف حكومة بمعزل عن "الثنائي"، وكيف يمكن للحكومة أن تحكم في هذا الوضع، قالت المصادر: "إن اختاروا أن يكونوا خارج الحكومة فليكن، فهذا خيارهم، وفي خلاصة الامر لن يستطيعوا ان يعطّلوا هذا المسار الذي بدأ مع انتخاب الرئيس جوزاف عون ومع تكليف الرئيس نواف سلام، في ظل الإجماع الداخلي والخارجي على انجاحه".

وكان الرئيس المكلّف نواف سلام قد أجرى في مجلس النواب امس، المرحلة الأولى من الاستشارات النيابية غير الملزمة، بلقاء العديد من الكتل والتوجّهات النيابية، على أن يختتمها اليوم بلقاء عدد آخر من النواب. فيما برزت اليوم مقاطعة نواب "كتلة التنمية والتحرير" و"كتلة الوفاء للمقاومة" لهذه الاستشارات. وكان الأبرز في هذا السياق، امتناع رئيس مجلس النواب نبيه بري عن الحضور إلى الاستشارات، حيث كان موعده محدّداً في اول جدول لقاءات الرئيس المكلّف.

البطاركة في بعبدا

على صعيد سياسي آخر، برزت أمس زيارة البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة الراعي وبطريرك انطاكيا وسائر المشرق للروم الأرثوذكس البطريرك يوحنا العاشر يازجي، وبطريرك انطاكيا وسائر المشرق للروم الملكيين الكاثوليك البطريرك يوسف العبسي، إلى القصر الجمهوري.

وقال الراعي: "الرئيس عون مؤمن بما قاله بخطاب القَسم، والامور لا تحدث بين ليلة وضحاها، وهو يتمنى تأليف الحكومة سريعاً من دون إقصاء لأي أحد". واعتبر أنّ "تكليف نواف سلام بتشكيل الحكومة ليس انقلاباً". وقال: "لبنان على الارض والحضيض" ولا يمكن ان يجلس أحد جانباً. وهذا ما يريده رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة المكلّف"، مضيفاً: "تفاءلوا بالخير تجدوه. وحان الوقت للتخلّص من التشاؤم ونريد العيش جمال الرجاء والامل وسننهض".

عون لتشكيل سريع

اما الرئيس عون فأكّد امام البطاركة على ضرورة تشكيل الحكومة في اسرع وقت ممكن كي نعيد الثقة بلبنان، معتبراً انّ كل من هو في سدّة المسؤولية يجب ان يتحمّل مسؤوليته.

واكّد "انّ هدفنا بناء الدولة. ولم نأتِ لإلتقاط الصور بل للعمل. وخطاب القَسَم لم يوضع ليكون حبراً على ورق او لكي يصفق له الناس"، بل هو خارطة طريق ليضمن ان يعيش اللبنانيون بسلام وأمان وكرامة".

واكّد عون أنّ "لبنان أمام فرص ذهبية، يجب ملاقاتها بإيجابية. ومسارعة الدول واتصالات المسؤولين الدوليين تعبّر عن استعدادهم لمساعدة لبنان ودعمه". آملا أن "يتمّ تشكيل الحكومة بأسرع وقت كي نعيد بناء الثقة بلبنان، لأننا بالفعل نحن امام مفترق طرق اساسي، فإما ان نربح جميعاً هذه الفرصة ونستفيد منها او سنخسر كثيراً".


المنشورات ذات الصلة