عاجل:

الآن يوجد لدى بايدن وترامب استنتاج واحد: إسرائيل لا تفهم إلاّ القوة (هآرتس)

  • ١٨
  • كتب تسفي برئيل في صحيفة "هآرتس":

  • خلال خطابه الأخير، والذي يبدو أنه سيكون أيضاً خطابه الأخير في المنصب، لخص أنتوني بلينكن رسالته الدبلوماسية، وقال: "يجب أن ننشئ في الشرق الأوسط واقعاً جديداً، تكون فيه الشعوب كلها آمنة أكثر، ويمكن أن تحقق طموحاتها القومية، وتستطيع العيش في سلام." وأضاف: "هل من الصعب الوصول إلى هذا؟ نعم. السلام في هذه المنطقة كان دائماً صعباً. لكن هل هذا مستحيل؟ لا. وهل هذا ضروري؟ نعم." وعلى الرغم من أن أقواله تعكس الاستراتيجيا التي عمل عليها كثيراً وسوّقها مع الرئيس جو بايدن، فإنها تبقى تمنيات؛ فلم يرد على بلينكن أحد، لا الفلسطينيون ولا الإسرائيليون. كان يمكن سماع خطابات تلخيصية كهذه من جميع الإدارات السابقة في الولايات المتحدة، بينها إدارات قامت باستثمار موارد كبيرة جداً في الدفع بمسارات سياسية، لكنها لم تثمر.

    • كان لدى بلينكن نهج منظم طرحه في تشرين الثاني/نوفمبر خلال قمة G7 في اليابان بعد اندلاع الحرب بشهر واحد، ومنذ ذلك الوقت، لم يتغير نهجه تقريباً، ولم يحدث أي تقدّم حقيقي. وفي هذا الأسبوع، لخص هذه المبادئ في عبارات وقال: "غزة لن تكون أبداً تحت سلطة ’حماس‘ أو تُستعمل كمنطقة ينطلق منها ’الإرهاب‘ والهجمات العنيفة. سيتم بناء سلطة يقودها الفلسطينيون تكون فيها غزة والضفة موحدتين تحت السلطة الفلسطينية. لن يكون هناك احتلال إسرائيلي لغزة، ولا تقليص لمساحتها، ومع نهاية هذا كله، فلن تكون هناك محاولة لفرْض حصار على غزة، ولن يتم اقتلاع الناس بالقوة من هناك."
    • ومن أجل تحقيق ذلك، فسيتوجب على السلطة الفلسطينية أن تطبق "إصلاحات كبيرة جداً"، وسيتوجب على إسرائيل أن تقبل بوحدة الضفة وغزة تحت قيادة السلطة. عملياً، يقترح بلينكن أن تستقطب السلطة شركاء دوليين كي يساعدوها في إقامة وبناء إدارة موقتة مع صلاحيات في المجال المدني، كالبنوك، والكهرباء، والماء، والصحة، والتعليم، لكن بشرط التنسيق مع إسرائيل. وبحسب اقتراحه، فسيتوجب على المجتمع الدولي أن يمول ويساعد تقنياً، وهذه فقط المرحلة الأولى على الطريق إلى الهدف النهائي؛ إقامة دولة فلسطينية مستقلة.

    • وخلال خطابه، عاد ليؤكد المعروف، وبحسبه، فإن "إسرائيل لا تستطيع أن تعيش أوهام ضم الضفة خشية أن تكون لذلك إسقاطات على كونها ديمقراطية." وهو يحمّلها مسؤولية انهيار السلطة: "لقد أفشلت [إسرائيل] بصورة ممنهجة قدرات البديل الوحيد لـ’حماس‘ وشرعيتها، أي السلطة الفلسطينية." ولم يتطرق إلى أي سؤال عملي بشأن وظيفتها. والأدق قوله، وهو ما لم يقله، "ضعف إدارة بايدن وعدم الدفع بخطتها." هذا يبدو واضحاً حين ننظر إلى كيف دارت وتُدار المعركة الدبلوماسية في كل ما يخص تحرير المخطوفين، فعلى الرغم من الجهود الكبيرة التي بذلتها إدارة بايدن، فقد تم تسجيل الاتفاق باسم ترامب. وبذلك، فإن الإرث الذي سيبقى من هذا الاتفاق والمسار المتعب هو أنه من دون تهديد وضغط من جانب الرئيس المنتخَب، لم يكن هذا الاتفاق ليصل أصلاً إلى نقطة النهاية.
    • إذاً، يبدو أن التعبير الفارغ الذي أطلقه ترامب "أبواب الجحيم ستُفتح" (من دون أن يوضح معنى الجحيم، ولا من سيدخل أبوابها) هو ما حرك المفتاح السحري وأرغم نتنياهو على أن يوافق على الصفقة. وهي الصفقة نفسها التي طرحها الرئيس بايدن على طاولته قبل أشهر طويلة. ألم يكن بايدن قادراً قبل ذلك بوقت طويل على أن يفتح أبواب الجحيم؟ على الرغم من أنه لن تقوم في الولايات المتحدة لجنة تحقيق لفحص كيف تم التعامل مع حرب غزة، فإنه يبدو أن الإدارتين تفهمان الآن خلاصة واحدة حادة وواضحة: "إسرائيل لا تفهم إلاّ القوة."

    • وليس فقط صفقة التبادل هي ما يشهد على صحة هذه المقولة؛ فبايدن أرغم نتنياهو على الموافقة برفع وتيرة المساعدات الإنسانية التي دخلت غزة وحجمها، مع الأخذ بعين الاعتبار أنه على الرغم من المعيقات التي فرضتها الإدارة على نقل شحنات القنابل الدقيقة، فإن المساعدات لم تصل إلى المستوى الذي طالبت به الإدارة. وأكثر من ذلك، فإن تهجير السكان الغزيين - وهو أحد البنود المركزية في بنود الممنوعات التي طلبتها الإدارة - لم يتوقف، إنما توسع، كما أن المحادثات الهاتفية بين واشنطن والقدس، على الرغم من صعوبتها، فإنها لم توقف هجمات المستوطنين ضد الفلسطينيين في الضفة.

    • وإلى جانب هذا كله، فإن موضوع إدارة غزة في اليوم التالي تحول إلى القضية الأكثر أهمية بسبب إعادة انتشار الجيش في القطاع. وعلى الرغم من ذلك، فقد عُلقت الطموحات الأميركية في هذا الشأن، ولم يجرِ فيها أي تقدّم؛ فمحاولات تجنيد قوات محلية ورؤساء عشائر أو ممثلين عن القيادة المحلية لم تتطور إلى خطة عملية، وحتى فكرة تفعيل شركة مدنية - أميركية تتحمل المسؤولية عن توزيع المساعدات لم تنضج. يمكن القول إن ما سيحدث واقعياً هو أن العصابات المسلحة ونشطاء "حماس" هم من سيستمرون في إدارة منظومة التوزيع كما فعلوا حتى الآن، وسيستمر هذا الحال خلال الأسابيع وحتى خلال الأشهر القريبة.

    • وهناك قضية شائكة أُخرى تتطرق إلى تفعيل معبر رفح الذي من المفترض أن يُفتح في فترة وقف إطلاق النار؛ فمصر مصممة على أنه من يجب أن يشّغل الجانب الغزّي من المعبر هو جهات فلسطينية معروفة؛ أي السلطة الفلسطينية أو أي جهة أُخرى فلسطينية، وفي الوقت نفسه، وبالتنسيق مع الإدارة، فقد بادرت إلى إقامة "لجنة الإسناد المجتمعي" التي تتركب من شخصيات متفَق عليها من جانب "حماس" والسلطة الفلسطينية، وهدفها إدارة البنى المدنية تحت رعاية السلطة، واستناداً إلى مرسوم من جانب رئيس السلطة محمود عباس. وقد وافقت "حماس" على إقامة اللجنة، واقترحت كذلك مجموعة أسماء، إلاّ إن محمود عباس رفض، وأعلن أنه يعارض إقامة اللجنة.

    • وبحسب عباس، فإن مجرد إقامة اللجنة ينشئ في غزة سلطة موازية فلسطينية للسلطة، وهذا من شأنه أن يعزل طرفَي فلسطين ويزعزع مكانة السلطة ومنظمة التحرير كممثلَين حصريَين للشعب الفلسطيني. أمّا بالنسبة إلى إسرائيل، فإن موقفها ومبدأها الذي لا تتنازل عنه كان، ولا يزال، معارضة كل تعاوُن مع السلطة بشأن إدارة غزة. لذلك، وبسبب هذه المواقف، فقد وجدت الإدارة نفسها بلا تجاوُب؛ فمن دون التعاون مع السلطة الفلسطينية أو أي جهة فلسطينية، تبقى المبادرات الأميركية مبادرات على الورق، وضِمنها مبادرة تجنيد قوة دولية وعربية أساساً.
    • والرئيس ترامب يرث الآن خريطة مركّبة وخطِرة للشرق الأوسط. صحيح أنه نجح في تطبيق جزء مهم من "صفقة القرن" عندما وقّع "الاتفاقيات الأبراهيمية"، لكنه يعود إلى نقطة الصفر في كل ما يخص الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي. وبعكس بايدن وبلينكن، فإن ترامب لم يطرح حتى الآن خطة عمل واقعية على صعيد القضايا التكتيكية الفورية، وكذلك الأمر بالنسبة إلى رؤيته والاستراتيجيا التي ينوي تطبيقها من أجل ترتيب إدارة غزة والدفع بمسار سياسي بين إسرائيل والفلسطينيين أو بالنسبة إلى التطبيع بين السعودية وإسرائيل. ومن المثير للاهتمام رؤية كيف يريد أن يتغلب على مطالب الرياض التي تريد خطة لحل القضية الفلسطينية تتضمن أفقاً سياسياً على أساس حل الدولتين في مقابل هذا التطبيع. والآن يجب الانتظار ورؤية إذا كانت مقولة "فتح أبواب الجحيم" ستتحول عنده إلى استراتيجيا ثابتة حتى في أكثر القضايا حساسية، أم إذا كانت استعمالاً لمرة واحدة.
    المنشورات ذات الصلة