في ظلّ التغيّر المناخي الذي يضرب العالم، وما يحدث من فيضانات وحرائق مدمّرة، أصبح أيّ تغيّر في حال الطقس في لبنان يثير قلقا، لا سيّما مع تأخّر شتاء لبنان هذا العام وشحّ أمطاره وثلوجه (حتى الآن)، والخوف يكبر في ظلّ حديث بعض وسائل الإعلام بكلّ فروعها عن احتمال تسبّبه بأزمة مياه صيفا.
ربّما لم يحن أوان الحديث عن احتمالية حدوث أزمة نقص في المياه صيفا، لا سيّما أنّ الشتاء لا يزال في أوّله، ولكن هناك تساؤلات حول ملامح شتاء هذا العام خاصة مع استقرار طقسه إلى حدّ أصبح شبيها بطقس فصل الربيع.
علميّا، تتّم مقاربة التغيّر المناخي عبر دراسة الهطولات المطرية والثلجية على مدى سنوات طوال وربّما أمور أخرى، ولكن حتّى اللحظة، لم تخرج دراسة علمية أو بحث علمي أو ورقة بحثية، لتحسم الجدل حول ما إذا كان هناك تغيّر مناخي في لبنان يغيّرأحوال فصوله، أم أنّ الأمر مجرد سنة شتائية شحيحة.
واقع الشتاء حتى الآن، ونحن على مشارف بداية الجزء الأخير من كانون الثاني، لم يشهد الأمطار المعهودة في مثل هذا الوقت من الأعوام السابقة (على اختلاف كميتها بين سنة وأخرى)، كما أنّ اللافت هذا العام هو الأجواء الربيعية التي تسيطرعلى الطقس، فمعظمنا يشعر بالحرّ عند ارتداء الثياب الثقيلة نهارا، فيما تنخفض الحرارة ليلا، على أنّها تبقى دافئة مقارنة بمعدّلها المعتاد في هذا الوقت من فصل البرد.
زعاطيطي: سنة شحيحة كلّ 7 سنوات
العالم الهيدروجيولوجي والخبير في علوم المياه الجوفية البروفيسور سمير زعاطيطي، في حديثه لـ"الديار"، رأى أنّ المطر تأخّر هذا العام نحو شهر تقريبا، لكن هذا لا يعني أنّها لن تمطر أبدا أو كفاية أو أن تصل إلى المعدل المطلوب، لافتا إلى أنّ دراسة قياسات الأمطار السابقة (محطة الجامعة الأميركية)، من خلال دراسة الكيول والقياسات السابقة، تظهر أنّ سنة شحيحة وقليلة الأمطار تأتي كل 6-7 سنين تقريبا، موضحا أنّه إذا كان معدّل الأمطار في لبنان "1" ، فقد تأتي سنوات نفس هذا المعدّل، وأحيانا نصفه وتسمّى سنوات شحيحة، أو فوق المعدل " 1.3 أو 1.5" ، وتكون الأمطار طبيعية ضمن هذه القياسات الثلاثة، وهذا الأمر ذكره العالم اللبناني الراحل الدكتور وجدي نجم الذي درس أحوال الأمطار في بيروت وزحلة وطرابلس لمدة 60 سنة، وخلص إلى أن الأمطار في لبنان لا تزال ضمن معدلها "1"- "1.5" أو نصف المعدّل.
تغيّر حراري
مؤخّرا، يكثر الحديث إعلاميا حول ظاهرة احتباس المطر وما شابهها من تسميات، وفي هذا الشأن، أكّد زعاطيطي أنّ الشتاء تأخّر، لكنّه لا يزال في بدايته، وأنّ لا أحدا يستطيع أن يحسم أو يجزم متى ستأتي الأمطار وما كميّاتها، وأين ستنهمر فهذه أمور طبيعية، كما أنّ هناك تغيّرات مناخية كثيرة وسيناريوهات متعددة، وأحاديث كثيرة بأنّ هناك جفافا واحتباسا للمطر و" عم يزّتو كلمات وشغلات.."، داعيا للإحتكام للأرقام والمحطات وكلام العلماء في هذا الشأن، ومنهم ذكر الراحل الدكتور وجدي نجم، الذي أشار إلى أنّ هناك تغيّرا حراريا في لبنان، بحيث زادت الحرارة منذ 60 سنة حتى الآن 2.5 درجة، وذلك نتيجة الإحتباس الحراري العالمي.
وختم بأنّ المناخ في لبنان لم يتغيّر، ولبنان يقع على الحافة الشرقية للمتوسط، وهو منطقة جبلية، وبلد المياه في الشرق الأوسط،، ومثله مثل باقي الكرة الأرضية زادت حرارة الغلاف الجوي، الذي أصبح ملوثا نتيجة الإحتباس الحراري، لافتا الى أنّ لا أحد يجري أبحاثا في لبنان لنعرف إن كان هناك تغير مناخي أم لا، فالأمطار لا تزال ذاتها تقريبا، لم تتغير، وليس هناك تغي مناخي بل زيادة حرارة.
تأخّر المطر
حول معدّل متساقطات هذا العام، سألت "الديار"، رئيس قسم التقديرات في مصلحة الأرصاد الجوية في مطار بيروت الدولي محمد كنج، الذي أوضح بأنّ الأمطار تأخرت كثيرا هذه السنة، ولا يزال معدّلها أقل من 50% من المعدل العام، ومقارنة بالسنة السابقة، فإنّ الكمية التي سقطت حتى الآن تعادل ثلث الكمية التي نزلت في الوقت نفسه من العام الماضي، ففي مدينة طرابلس بلغ المعدل بين 240 و250 ملم، فيما بلغ السنة الماضية 720 ملم، أمّا المعدل العام فهو 400 ملم، وفي زحلة بلغ تحت 150 ملم، فيما كان العام الماضي أقرب الى 400 ملم، والمعدل العام هو 310 ملم.
ولفت إلى أنّ بحيرة القرعون، لم تجمع هذه السنة مياه كثيرة، ولا يزال السدّ تحت المستوى المطلوب، (ككمية أمطار تجمعها البحيرة)، كما لم تحصل عواصف ثلجية هذه السنة، وليس لدينا تراكمات ثلجية لليوم، فهناك شح كثيرا هذه السنة، و"هذه السنة يمكن ما قطع مثلها من الثمانينات من العام 1989".
متى أقرب منخفض؟
أردف كنج أنّ الأمطار تتساقط عادة في أول فترة الشتاء، ومن ثم يبدأ الشحّ وتخفّ بدءا من شهر شباط، وقليلة هي السنوات التي يحصل فيها كما يحصل اليوم، قائلا: "يمكن من 30 سنة ما قطع سنة بدأ فيها الشح منذ الخريف، وهيدا الخريف ما كان في أمطار وقطع أول شهر من الشتوية ما مبين فيه امطار يعني أقرب منخفض هو في 23 الشهر كمان عنا استقرار بالطقس من اليوم حتى 23 الشهر ".
أمّا لناحية المدن الساحلية تابع كنج أنّ معدّل الأمطار هذه السنة تراوح بين 240 و250 ملم، فيما بلغ السنة الماضية بحدود 700 ملم، والمعدل العام 410-430 ملم، فيما شهدت زحلة هذه السنة بحدود 150 ملم، فيما المعدل هو 311 ملم، أي يعني تحت المعدل بنحو 50% تقريبا مقارنة بالسنة الماضية، أي ثلث كمية الأمطار.
وأضاف أنّ مؤشرات مخزون بحيرة القرعون( ليوم السبت 11 كانون الثاني 2025)، تشير إلى سنة مائية جافة، حيث لا يزال مخزون البحيرة يشير الى الانخفاض في عز فصل الشتاء، وانخفض دون 60 مليون متر مكعب، ما قد ينعكس على انتاج الطاقة الكهرومائية خلال الأشهر القادمة.
سيطرة المرتفعات الجويّة
هذا الدفء في فصل البرد، يعود إلى الحرارة المرتفعة المتأتية من المرتفعات الجوية، وحوله لفت كنج أنّ هذه السنة تميّزت بمرتفعات جوية عنيدة على منطقتنا، وقليلا ما يسجّل الضغط في منطقتنا بين 1028-1030 في هذا الوقت، وشرح أنّه حين يسيطر مرتفع جوي على منطقة الحوض الشرقي للمتوسط، فإنّه يدفع كل المنخفضات نحو منطقة ثانية، ويمنع الكتل الباردة من الإقتراب من منطقتنا، وأضاف أنّ أكثرية المنخفضات هذه السنة، كانت في الحوض الغربي للمتوسط وليس في منطقتنا، والسبب هو المرتفع الجوي الذي لا يزال مسيطرا منذ منتصف كانون الأول حتى اليوم ، وأردف أنّه حين يبلغ الضغط الجوي 1026، فالطقس يكون عادة مستقرا كليا، وليس هناك أيّ تغيّرات جوية.
خلاصة القول.. بعد مقاربة واقع الشتاء بأمطاره وثلوجه علميا وواقعيا، هل من المنطق أن نعاني نقصّا في المياه بسبب شتاء شحيح واحد في بلد المياه؟ الإجابة المنطقية: كلا.. لذا، فلنبحث عن الأسباب والحلول عند الوزارات المعنية بإدارة هذا القطاع، فالتغيّرالمناخي لم يحن وقت تأثيره الكبير بعد على مياهنا، هذا إن كان موجودا في لبنان، أمّا التأثير الآن فهو للمسؤولين وفقط المسؤولين!