عاجل:

احتضان دولي متسارع لـ «ربيع بيروت» وهبّة إيجابية في الملف الحكومي (الراي الكويتية)

  • ٣٢

كتبت الراي الكويتية:


ليس مفاجئاً أن تجد بيروت نفسَها مجدداً مشدودةً إلى تاريخيْن مفصلييْن في يناير الجاري: 20 منه، أي غداً، و27 الجاري. الأوّل تترقّبه المنطقةُ والعالمُ أيضاً لتحديد ما سيكون في ملفاتٍ عدة، ولا سيما المتفجّرة منها، في ضوء ما سيحمله الرئيس الأميركي الجديد دونالد ترامب معه إلى البيت الأبيض من سياساتٍ لاحتْ تأثيراتُها «السبّاقة» في الأسابيع الأخيرة. والثاني لبنانيّ ذات ارتداداتٍ إقليمية ويتصل بموعد انتهاء هدنة الستين يوماً التي نصّ عليها اتفاق وقف النار بين إسرائيل و«حزب الله»، والذي شكّلت واشنطن رافعةً دولية لاستيلاده مع شركاء آخَرين بينهم باريس.

وإذا كانت معاودةُ إمساك ترامب رسمياً بمفاتيح البيت الأبيض ستتمّ على وقع قَفْلٍ، بدا أنه دَفَع في اتجاهه بقوةٍ - كي يكون إقلاعُ عهده على قاعدةِ عدم «وراثة» ترْكة مشتعلة من الإدارة الراحلة - لـ «أبواب رياح ساخنة» في المنطقةِ بدءاً من لبنان قبل نحو شهرين وصولاً إلى غزة حيث ينطلق اليوم مَسارُ إخماد «كرة النار» التي تدحرجتْ مع «طوفان الأقصى» قبل أكثر من 15 شهراً، فإنَّ 27 يناير اللبناني يَشهد سباقاً مع اتصالاتٍ دولية لضمان ألا ينهار وَقْفُ النار وتأمينِ انسحابِ الجيش الإسرائيلي من البلدات التي يحتلّها في جنوب لبنان كي يكمل الجيش اللبناني الانتشار في كامل منطقة جنوب الليطاني، وضمان خلوّها من أي وجود عسكري لـ «حزب الله» وإلا إيجادُ إطارٍ لتمديد مهلة الستين يوماً تَفادياً لأي انتكاسةٍ ستكون «بلاد الأرز» الحلقة الأضعف فيها.

ولا شكّ في أن «لبنان الجديد» حيث «لاحَ الربيعُ»، بحسب وَصْفِ الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، في أقلّ من أسبوع، منذ انتخاب قائد الجيش العماد جوزف عون رئيساً للجمهورية في 9 الجاري ثم تكليف القاضي نواف سلام، تشكيل الحكومة الجديدة في 13 منه، بات في موقعٍ أكثر «حصانةً» تجاه ملاقاة «اليوم التالي» لهدنة الستين يوماً وأكثر رَبْطاً مع مجمل التحولات في منطقةٍ لم يكتمل بعد وجهُها الجديد وإن كانت وُجهتها الرئيسية باتت معروفة، نحو مزيدٍ من «إعادة تدوير» نفوذ إيران بعد نحو ربع قرنٍ من انفلاشٍ «بعدم ممانعةٍ» من دولٍ كبرى لاعتبار أو آخَر.

على أن لبنان الساعي ليضع نفسه مجدّداً على طريق «الاستقرار والسيادة والإصلاح»، وهو المثلث المتشابك، يتطلّع إلى المرحلة الجديدة التي دَخَلها والمدججة بالآمال الكبرى، باعتبارها كلّ لا يتجزأ في ما خص إرساء مرتكزاتها، تحت أنظارِ عالمٍ ما زال يُظْهِر أعلى درجات التحفّز لاحتضانه وإخراجه من تحت حطام «الحرب الثالثة» والانهيار المالي الأعتى، وهو ما تعبّر عنه الزياراتُ المتلاحقة لرؤساء ومسؤولين كبار في دول غربية وعربية، وليس آخرها محطة ماكرون في بيروت الجمعة، والتي تزامنت مع وجود الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش.


«إعادة تكوين» الحاضنة

وعلى أهمية «إعادة تكوين» الحاضنة العربية – الدولية للبنان، انطلاقاً مما عبّر عنه انتخاب عون وتكليف سلام، من تبدُّلات عميقة في التوازنات المحلية بامتداداتها الإقليمية، على حساب «التحكم والسيطرة» اللذين جعلا «بلاد الأرز» لأكثر من عقدٍ في وضعيِة «سقوطٍ» (سياسي - عسكري) أمام «حزب الله» وسلاحه ونفوذه «الشامل»، فإنّ الزيارات المتوالية والتي تُوازيها دعواتٌ كثيرة لرئيس الجمهورية لزيارة عواصم غربية وعربية (أكد عون أنه سيدّشن إطلالاته الخارجية من الرياض) تعكس في أحد جوانبها حجم التوقّعات من بيروت وأن المعاينة اللصيقة التي رافقت مرحلة الأزمة الرئاسية، عبر «مجموعة الخمس» (الولايات المتحدة، السعودية، فرنسا، مصر وقطر) ما زالت قائمة لمتابعةِ ما سيكون «خطوة خطوة» على صعيد ترجمة «رياح التغيير» التي هبّت منذ 9 يناير في حكومةٍ بمواصفاتِ الإصلاح المطلوب في طبيعتها وتوازناتها وتركيبتها وبيانها الوزاري وطلائع أدائها.

وحتى الرئيس الفرنسي، الذي كان يؤخذ عليه أنه قاد أداء «تراجُعياً» أمام فريق الممانعة في لبنان منذ أن انخرط في الواقعِ اللبناني في أعقاب انفجار مرفأ بيروت في 4 أغسطس 2020 (زار بيروت حينها مرتين في نحو 3 أسابيع) وأفرط في محاولة «تدوير الزوايا»، كان واضحاً خلال زيارته أول من أمس حين أكد في موازاة كشفه عن مؤتمر دولي تعتزم باريس استضافته خلال الأسابيع المقبلة لـ «إعادة إعمار» لبنان، أن التزام بلاده الثابت بدعم «بلاد الأرز» يرتكز على عناوين إصلاحية وسيادية مشدداً على وجوب «أن تكون الدولة هي التي تحتكر حمل السلاح فيكون فقط في يد الجيش اللبناني، وستدعم فرنسا الجيش اللبناني من أجل بسط سلطته».

وفي حين زفّ الرئيس الفرنسي للبنانيين أن رحلات الطيران الفرنسي ستعود إلى بيروت مطلع فبراير المقبل، دعا الى تشكيل حكومة جديدة سريعاً «فلا يضيع الأمل الذي يمثله انتخاب رئيسٍ للجمهورية في رمال الترتيبات السياسية المتحركة»، مضيفاً «الجميع مجنّد إلى جانبكم لإيجاد الحلول، وسننظم خلال زيارتكم فرنسا بعد بضعة أسابيع مؤتمراً دولياً لحشد التمويل لإعادة إعمار لبنان، ونشدّد على ضرورة تنفيذ الإصلاحات على الصعيدين القضائي والمصرفي».

نضال دبلوماسي

وأعلن «ناضلنا دبلوماسياً من أجل تحقيق وقف إطلاق النار في لبنان»، مشدداً على أنّ «انسحاب القوات الإسرائيلية من جنوب لبنان لا بدّ أن يحدث، وعلى لبنان ضبط الحدود عبر الجيش اللبناني»، وداعياً إلى الإسراع في «تنفيذ بنود اتفاق وقف النار ضمن المهل المتفق عليها»، وقال: «تم تحقيق نتائج... لكن يجب تسريع العملية وتأكيدها على المدى الطويل. يتعيّن أن يكون هناك انسحاب كامل للقوات الإسرائيلية وأن يحتكر الجيش اللبناني بشكل كامل السلاح».

وكما في زيارة ماكرون، كذلك في محادثات غوتيريش، حضر بقوةٍ مآل وقف النار والملف الحكومي، حيث أكد الأمين العام للأمم المتحدة الذي التقى الرؤساء عون ونبيه بري ونجيب ميقاتي ونواف سلام «التضامن الكامل مع لبنان وشعبه في هذه اللحظة المهمة من تاريخه»، معلناً أن «إسرائيل ستنسحب من جنوب لبنان بحلول موعد 27 يناير»، ولافتاً إلى «أن وقف النار بين إسرائيل ولبنان قد يكون هشاً ونشدد على الالتزام به ويجب ضمان حرية تحرك قوات اليونيفيل»، ومعتبراً «أن سيطرة الدولة اللبنانية على السلاح أمر مهم وضروري، والجيش اللبناني ينبغي أن يسيطر على السلاح في كامل البلاد وهذا هو روح القرار 1701».

وإذ كشف أن قوات «اليونيفيل» وجدت 100 مخزن سلاح في الجنوب اللبناني، أشار إلى أن هذه القوات «سهلت انتشار الجيش اللبناني في 50 موقعاً جنوب الليطاني (...) ووقف الأعمال العدائية بين لبنان وإسرائيل يجب أن يصمد»، ومؤكداً أنا على ثقة تامة بأن لبنان سيكون لديه قريباً حكومة تمثّل كل مكونات الشعب اللبناني وتضمن أمن جميع مواطنيها«.

وفيما أبلغ رئيس الجمهورية إلى غوتيريش «أن لبنان متمسك بضرورة انسحاب القوات الإسرائيلية من أراضيه المحتلة في الجنوب ضمن المهلة التي حددها الاتفاق»، لافتاً إلى أن «استمرار الخروق الإسرائيلية يناقض كلياً ما ورد في الاتفاق»، ومؤكداً «جهوزية الجيش اللبناني للحلول مكان الإسرائيليين فور انسحابهم»، قال الأمين العام «نعلم أنه أصبح من الممكن الآن بدء تعزيز المؤسسات اللبنانية، وتهيئة الظروف للدولة اللبنانية لحماية مواطنيها. كما سيكون من الممكن، مع انسحاب القوات الإسرائيلية ووجود الجيش اللبناني في كل الأراضي اللبنانية، فتح فصل جديد من السلام».

وفي خلاصات الحِراك الدولي في اتجاه بيروت، برزت إشاراتٌ إلى تحبيذ الخارج، وكذلك رئيسيْ الجمهورية والمكلف تشكيل الحكومة، الانتهاء من ملف التأليف خلال أيام قليلة وقبل موعد 27 الجاري، كي يُلاقي لبنان هذه المحطة بمؤسساتٍ اكتمل نصابُها الدستوري وكفيلة بتلقُّف اليوم التالي للانسحاب الإسرائيلي الكامل والتقاط فرصة الإنقاذ الأخيرة وتزخيم المسار الجديد الذي انطلق منذ 9 يناير وفق قواعد باتت واضحة وصارت ناظمة للواقع اللبناني برمّته، على المستويين السيادي والإصلاحي.

ولم يكن عابراً في الساعات الماضية، وفي ضوء اتصالات فعّلها أكثر حضور ماكرون في بيروت، أن يعطي الثنائي الشيعي، بري و«حزب الله»، إشاراتٍ قادها رئيس البرلمان إلى انهما سيلتحقان بقطار الحكومة الجديدة، وهو ما مهّد له النائب علي حسن خليل (المستشار السياسي لبري) نافياً وناسفاً عبر برنامج«صار الوقت»مع الإعلامي مارسيل غانم (قناة ام تي في) سرديةً بدأت مع كلام رئيس كتلة نواب «حزب الله» محمد رعد في يوم استشارات التكليف عن «كمين» نُصب بالتسمية المباغتة لسلام خلافاً لزعْمٍ بأن اتفاقاً مُسْبَقاً كان عُقد مع قائد الجيش قبيل المشاركة في انتخابه رئيساً بأن يبقى ميقاتي على رأس الحكومة مع سلّة ضمانات أخرى تتصل بالقرار 1701 وحدود تنفيذه وتعيينات وما شاكل.

وأكد خليل «لم نتطرق مع العماد جوزف عون بأي شكل إلى موضوع رئيس الحكومة المقبل، إنما ناقشنا قضايا كبرى تتعلق بإدارة الدولة والحكم ونحن صوّتنا له رغم أنه لم يكن مرشحنا الأول».

وأوضح أنه«لم يكن هناك اتفاق ونُقض، وكل ما حصل أن الجو العام المعلن من الكتل التي تواصلنا معها كان باتجاه تسمية الرئيس ميقاتي، واتفقنا مع مجموعة كتل على الذهاب بهذا الخيار، وما حصل أن هؤلاء بدّلوا موقفهم (...) ونحن منفتحون على حوار  إيجابي مع الرئيس نواف سلام، وكل الكلام التشكيكي غير صحيح وببساطة كان لدينا مرشح وخسر».

وشدد على أن «الطائفة الشيعية ليست مهزومة ولا مأزومة».

وهذا المناخ الإيجابي الذي اعتُبر أول مؤشر إلى «توسيع الكوع» من بري و«حزب الله»، سرعان ما تعزّز بعد لقاء رئيس البرلمان مع الرئيس المكلف تشكيل الحكومة، الذي كرّر«أنني ودولة الرئيس نقرأ في كتاب واحد هو الدستور المعدّل بموجب اتفاق الطائف»،رافعاً معادلة «تعطيل والفشل ليسا خياريْن مطروحين، ولا أحد سيعطل ولا أحد سيسمح بأن يفشل تأليف الحكومة».

وتباعاً نُقل عن بري أن المسار السياسي في لبنان يتجه نحو الحل، مشيراً إلى أن «رئيس الحكومة متعاون»، ونافياً أن يكون دخل في تفاصيل الحقائب أو الأسماء مع سلام.

ولفت عبر قناة «الجديد» إلى أن «الثنائي يوافق على الأسماء التي يعرضها الرئيس المكلف بشرط أن يكون الشخص المقترح كفُؤاً، أما إذا لم يكن كذلك فيتم رفضه حتى لو كان خيي».

وشدّد على موقفه بعدم قبول عزل أي مكوّن سياسي في لبنان، قائلاً «لم نقبل بعزل أي مكوّن سابقاً ولن نقبل به اليوم ولا أحد يقبل بعزل حزب الله (...)».

24 وزيراً من اختصاصيين

ومن هنا تترقب الأوساط السياسية أول مسودّة سيحملها سلام إلى رئيس الجمهورية لتشكيلة يرجح أن تكون من 24 وزيراً من اختصاصيين لا تسمّيهم القوى السياسية التي ستمنح الحكومة الثقة، بل يتم اختيارهم ممن يدورون في فلكها عن بُعد أو لا يستفزّونها.


المنشورات ذات الصلة