بكثير من “الدراية الفائقة” تجري عملية تركيب فسيفساء دقيقة لتأليف أولى حكومات العهد الجديد وبهدف استيلاد هذه الحكومة في فترة قياسية لا تتجاوز نهاية الأسبوع الحالي ما لم تطرأ عقبات. ولم يكن أدلّ على وضع عملية التأليف في غرفة العناية الفائقة من انصراف رئيس الحكومة المكلف نواف سلام إلى استكمال اتصالاته ومشاوراته ولقاءاته بعيداً من الاضواء “24 ساعة على 24 وسبعة أيام في الأسبوع” كما كان تعهّدَ العمل عقب تكليفه رسمياً. ولذا تواصلت مشاورات سلام أمس الأحد بلا انقطاع وسط معالم ايجابية تحققت أولى اختراقاتها في معالجة “الثغرة الشيعية” بما سيدفع بالرئيس المكلف إلى استكمال تصوّره للتشكيلة الحكومية الكاملة بعد تواصله مع مختلف المكوّنات السياسية، ولو أن التشكيلة المتوقعة صار معروفاً أنه سيغلب عليها طابع حكومة اختصاصيين. وترصد الدول المعنية برعاية الوضع في لبنان، عملية التاليف باهتمام بالغ وفق مصادر معنية إذ أن الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون استعجل إعلان تنظيم مؤتمر دولي لإعادة الاعمار ربطاً بترقب الحكومة الجديدة، كما أن وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان سيقوم بزيارة لبيروت الخميس المقبل تتخذ دلالات مهمة للغاية لكونه أرفع شخصية سعودية تزور بيروت منذ مدة طويلة. ولوحظ أن الرئيس الأميركي المنتهية ولايته جو بايدن حرص في اليوم الأخير من ولايته أمس على الإشارة إلى التطورات في لبنان إذ لفت إلى “مرحلة واعدة في لبنان بعد إضعاف قدرات “حزب الله” وسوريا، ولبنان في مسار أفضل بعد الإطاحة بأذرع ايران، و”حزب الله” تخلى عن “حماس”. وقال “إن لبنان أصبح من دون قيادة “حزب الله” كما أصبحت إيران في أضعف حالاتها منذ عقود وسوريا أصبحت من دون الأسد”.
أما المعطيات المتوافرة حول عملية تأليف الحكومة، فتشير إلى أنها ستكون غير فضفاضة من 24 وزيراً طابعها العام من الاختصاصيين، رغم أن الرئيس المكلف لا يحبذ هذه التسمية، ويفضل أن يسمي حكومته من غير الحزبيين الملتزمين، واعتماد مبدأ فصل النيابة عن الوزارة. وسيشارك “حزب الله” في الحكومة بعد اللقاء الذي جمع الرئيس المكلف ورئيس مجلس النواب نبيه بري. والسبب الأساسي الذي يدفع الحزب نحو هذا الخيار وعدم المقاطعة يكمن في الحاجة الملحة لإطلاق ورشة إعادة الإعمار بتمويل عربي ودولي، بعدما باتت معالم الضيق المالي الذي يعاني منه واضحة في أوساط بيئته ممن فقدوا أملاكهم.
وتشير المعطيات إلى أن مشاورات سلام مع الثنائي الشيعي لم تكن بلغت حدود مقاربة الأسماء بعد في انتظار بلورة أمرين، أولهما تحديد الحقائب في تصوّر الرئيس المكلف التي ستسند إلى الثنائي وما إذا كانت وزارة المال ستبقى في يده كما يطالب، وهذا يقود إلى الأمر الثاني والمتصل بما إذا كان سلام سيعمد إلى اعتماد المداورة في الحقائب الأساسية ما سيؤدي حكماً إلى تغيير في توزيع الحقائب السيادية والخدماتية التي باتت تحظى بشهية أكبر نظراً إلى أن أمام هذه الحكومة مرحلة التحضير للانتخابات البلدية والنيابية المقبلة.
ووفق المعطيات فإن اجتماع الرئيس المكلف السبت الماضي مع النائبين علي حسن خليل ومحمد رعد والقيادي في “حزب الله” حسين الخليل، ومن ثم في اجتماع ثانٍ جمعهم البارحة، جرى التوصل إلى تفاهم تخطى ما رافق الاعتراض لدى الثنائي الشيعي على عملية التسمية. وأبدى ممثلو “الثنائي” استعداده للتعاون مع سلام وأبلغوه أنهم يبادلونه الموقف نفسه إذا توفرت بالفعل إرادة حقيقية لحل الأزمات المطروحة. وكان التركيز من جهة “الثنائي” على برنامج الحكومة المقبلة وتطبيق القرار 1701 “في جنوب الليطاني” والاستعداد للدخول في البحث في استراتيجية وطنية دفاعية. وتردّد أنه تم وضع الثلث الضامن أو المعطل جانباً.