عاجل:

... وأنجبت الحربُ على لبنان نكبةً بيئية!(خاص)

  • ٤٢

خاص- "إيست نيوز" 


بقلم د.نزار دندش

إن الحروبَ فِعْلُ إضرارٍ بالبيئة اينما حدثتْ، وفعل إخلال بالتوازن في الأنظمة الأيكولوجية وفي الطبيعة بشكل عام. ويتدرج ضررها من تبذيرٍ في الموارد الطبيعية اثناء تصنيع السلاح الى دمار خلال الحروب وهدمٍ في البناء وخسارةٍ في الثروات النباتية والحيوانية وتلوث في الماء والهواء والتربة، والتسبّبِ بالأمراض والإعاقات الجسدية للبشر .

أما التلوث في لبنان فقد جاء مُضاعفاً ولعدة أسباب :

أولاً : لأن القصف كان مُكثّفاً وعلى مدار الساعة بشكلٍ لم يسبق له مثيل، حيث شاركت فيه مئاتُ الطائرات الحديثة التي تحمل أخطر القنابل والصواريخ وأكثرها تدميرا .

ثانياً : لأن معظم الأهداف كانت في اماكن مُحصّنة تحت الأرض مما تطلّب استعمال اسلحة تدميرية فعّالة تحتوي على نفايات نووية وصولاً الى اليورانيوم المُنَضّب ذي الخطورة العالية على البيئة وعلى صحة الانسان، وربما كانت تحتوي على مواد اكثر خطورة لم تُكشف اسرارُها بعد .

ثالثاً : لأن الدمار جاء مزدوجاً حيث الكثير من الأهداف كان عبارةً عن مخازن اسلحة أحدثت بدورها دماراً إضافياً عند تفجيرها وتلوّثاً في الماء والهواء والتربة .

ان المركّبات الكيميائية التي تنتج عن تفجير القنابل الحديثة والصواريخ المتطورة التي استُخدمت في قصف نصف مساحة لبنان والمناطق الأكثر اكتظاظاً بالسكان فيه من شأنها ان تؤثر بشكل كارثي على البيئة بكل تفاصيلها في هذا البلد الصغير وعلى صحة البشر وسلامة الكائنات الحيّة فيه. ولا يقتصر مفعولها على فسحة زمنية قصيرة تعقب تفجيرها بل تمتد مفاعيلُ أضرارها لمدىً طويل، لا سيما منها تلك المُعدّة لتفجير مُجمّعاتٍ سكنية ضخمة واختراق تحصينات في انفاق تحت الأرض، ما يعني انها حكماً تحتوي على النفايات النووية من يورانيوم مُنَضَّب او مواد قد تكون اكثر سمّيّةً واكبر خطراً على صحة الانسان وعلى الأنظمة البيئية. 

والمعروف ان الأسلحة المُعَدّة لخرقِ التحصينات ينتج عن انفجارها جسيماتٌ نانوية دقيقة تنتشر في الهواء وتنتقل حتى الى اماكن بعيدة ومساحات واسعة، اضافة الى ما تنشره من اشعاعات، فتؤثر على عددٍ كبيرٍ من السكان مُتسبِّبةً بأنواعٍ مختلفة من الالتهابات في الجهاز التنفسي والجهاز والجهاز العصبي وتؤثر على القلب وقد تتسبّب لاحقاً بأنواعٍ من الإصابات السرطانية .

كل هذه المواد الناتجة تساهم في تلويث التربة ومن ثمّ في تلويث المياه الجوفية متسبِّبةً بتشويه الزراعات وتدمير البيئة الزراعية .فعندما تتعرض المياه الجوفية للتلوث ينسحب التلوث على المياه المُستخرجة من الآبار الارتوازية والمستعملة في ريّ المزروعات ، فيصل التلوث الى الانتاج الزراعي والى المواد الغذائية .

وقد استعملت آلة الحرب الاسرائيلية الفوسفور الأبيض ، وهو مادة كيميائية شديدة الاشتعال تتفاعل مع الاوكسجين فتولّد حرارة عالية تسبّب الحرائق وتؤثر على مسام التربة في مكان الاحتراق فتحوّلها الى تربةٍ مُدَمَّرةٍ غير قادرةٍ على الاحتفاظ بالماء والهواء الضروريين لتغذية النباتات ، كما تؤثر هذه المادة على النباتات فتحدُّ من قدرتها على امتصاص العناصر الغذائية. وتتسرب هذه المادة الى المياه الجوفية حاملةً معها المعادن الثقيلة الخطرة مثل الكادميوم والرصاص وغيرهما . ومن المعروف ان الفوسفور الأبيض يُقلِّلُ من خصوبة الأرض ويزيد نسبة الحموضة فيها وينتج عنه حمض الفوسفوريك الذي يُغيّرُ في الرقم الهيدروجيني للتربة .

نكبةٌ بيئية

إن هذه الحرب كانت حرباً فعلية ضد البيئة، وبكل معنى الكلمة، فقد حوّلت مساحاتٍ واسعة الى مساحات غير صالحة للحياة في بلدٍ غير مُجهّز وغي مستعد لمثل هذه الحالات الطارئة. فالتلوث المُفرط سوف يتحول الى أزمة بيئية لأنه يطال كل مكونات البيئة في مساحات واسعة قد دمّرت تربتها الحرب فقضت على مقومات الحياة فيها. لقد تمّ احراق عشرات آلاف أشجار الزيتون والحمضيات والموز، إضافةً الى الكثير من اشجار الغابات. وتم احراق مساحات من المراعي وقتل او تشريد الحيوانات وتدمير موائلها مما أدّى الى موت أو تهجير الكثير من هذه الحيوانات .وتمّ تحويل مساحات واسعة الى أراضٍ غير صالحة لنموّ انواعٍ معينة من الاشجار والمزروعات، وسكان الشريط الحدودي في جنوب لبنان يعرفون ان اشجار الكرمة لا تعطي عنباً منذ حرب 2006 بسبب الفوسفور الأبيض .

أما الهواء فقد امتلأ بالجسيمات المُلوّنة والغازات الناتجة عن الانفجارات لِتُضاف الى التلوث الناتج عن مولّدات الكهرباء التي تملأ المدن لتعوّض عن الكهرباء الغائبة منذ سنوات .

أما المياه فقد تلوّث الكثير من مجاريها ووصل التلوث الى خزانات المياه الجوفية في مناطق كثيرة …


المنشورات ذات الصلة