كتب ابراهيم ناصر الدين:
في زيارة خاطفة جال خلالها بسرعة لافتة على المسؤولين اللبنانيين، اعاد وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان وصل ما انقطع من علاقة رفيعة المستوى بين لبنان والسعودية منذ 15 عاما، اللقاءات التي طغت عليها اللغة الديبلوماسية، جدد خلالها الزائر السعودي التاكيد على لازمة الاصلاحات، كمعبر ضروري لتعزيز الثقة بين البلدين. الحراك الديبلوماسي السعودي الذي لم يشف غليل الكثير من القوى السياسية التي غيبت عن لقاءاته، تزامن مع دخول العد التنازلي لاستحقاق يوم الاحد المقبل جنوبا ساعاته الحرجة في ظل محاولات كيان الاحتلال التنصل من الالتزام بموعد الانسحاب ووقف الخروقات.
ساعات حاسمة جنوبا
وفي ظل المؤشرات المتناقضة الصادرة من «اسرائيل»، بانتظار حصيلة الاتصالات مع ادارة الرئيس دونالد ترامب، تبنى حزب الله استراتيجية الغموض في كيفية تعامله كمقاومة مع «اليوم التالي» لبقاء الاحتلال، لكنه عبرعن رفضه لاي مبررات تمنح العدو المزيد من الوقت لممارسة عربدته في القرى الحدودية. وفي بيان صيغ بعناية شديدة، ذكر الحزب بحق لبنان في التعامل مع الاحتلال بشتى الطرق التي كفلتها الشرائع الدولية، وطالب السلطة السياسية بعدم تقديم اي تنازلات، والالتزام الصارم بتنفيذ الاتفاق. وهو موقف ابلغه رئيس مجلس النواب نبيه بري بالامس لرئيس لجنة مراقبة وقف النار الجنرال الأميركي جاسبر جيفيرز الذي زاره مع السفيرة الاميركية ليزا جونسون، حيث اكتفى بالقول بعد اللقاء «لا تعليق»، وهو تعليق يميل الى السلبية خصوصا انه لم يسمع التزاما قاطعا من الوفد الاميركي الذي اشار الى استمرار الاتصالات مع الاسرائيليين، وفي حين انه شدد خلال اللقاء على ان احدا لا يمكنه ان يغطي بقاء جنود الاحتلال ساعة واحدة بعد الموعد المحدد، لفتت مصادر مطلعة الى انه كان يلمح الى نية ابناء القرى المحتلة بالعودة الى بلداتهم حتى لو كان ذلك تحت النيران.
هل يوافق ترامب؟
وفي هذا السياق، تبذل حكومة الاحتلال جهودا حثيثة لاقناع ادارة الرئيس الاميركي ادارة دونالد ترامب بتمديد الاحتلال لخمسة مواقع في الجنوب الى ما بعد ال60 يوما. لكن حتى مساء كانت الردود الاميركية سلبية، ولم يمنح الرئيس ترامب موافقته على ذلك، ويمارس ضغوطا لحصول الانسحاب في موعده، فيما يواجه رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتانياهو تحذيرات من المؤسسة الامنية من البطء في الانسحاب من لبنان، مع نصائح بعدم مقاومة الضغط الاميركي لتنفيذ الانسحاب، فيما رؤساء بلديات الشمال يهددون بعدم العودة دون ضمانات امنية. ووفقا للاعلام الاسرائيلي، فان الحكومة الاسرائيلية ستواصل المباحثات اليوم مع الاميركيين لتمديد مهلة الانسحاب بذريعة عدم جهوزية الجيش اللبناني للانتشار، واشارت وسائل الاعلام الاسرائيلية الى ان القيادتين العسكرية والسياسية اتفقتا على تمديد البقاء في الاراضي اللبنانية الى ما بعد ال60 يوما، وقد تم نقل رسالة الى الاميركيين بهذا الخصوص، كما تم ابلاغ «اليونيفيل» بذلك.
تناقضات اسرائيلية
وقد حكم التناقض المواقف الاسرائيلية طوال يوم امس، واعلنت حكومة الاحتلال ان «اتفاق وقف النار مع حزب الله لا يتم تنفيذه بالسرعة الكافية»، لكن البيان اشار الى ان الجيش اللبناني وقوات اليونيفيل انتشرا في مواقع حزب الله بحسب الاتفاق «ونريد استمرار وقف النار مع حزب الله». من جهتها نقلت صحيفة «هارتس» الاسرائيلية عن مصدر مطلع ان «اسرائيل» طلبت من واشنطن السماح بتمديد مهلة سحب قواتها من جنوب لبنان 30 يوما. اما السفير الاسرائيلي في واشنطن فقد اكد ان» تل ابيب ستتوصل الى تفاهم مع ادارة ترامب بشأن الانسحاب العسكري من جنوب لبنان. وفيما اكد الجيش الاسرائيلي ان « قواتنا تواصل عملها في جنوب لبنان لحماية امننا، وعملياتنا تتم وفقا للتفاهمات مع الحفاظ على شروط وقف النار»، نقلت صحيفة «يديعوت أحرونوت» عن مصدر إسرائيلي تقديراته أنه لن يتم الانسحاب من كل الجنوب اللبناني حتى يوم الأحد وقال «وبقاؤنا مشروط بالتنسيق مع إدارة ترامب». وفي هذا السياق، أفادت إذاعة الجيش الإسرائيلي بأن إدارة ترامب تضغط للانسحاب من جنوب لبنان يوم الأحد وفق الاتفاق، رغم موافقة إدارة بايدن على التأجيل.
حزب الله يحذّر
وامام هذه «المراوغة» الاسرائيلية، اصدر حزب الله بيانا واضحا في رفضه لاي تمديد لاحتلال الجنوب، مبقيا على حالة من الغموض لكيفية تعامله مع خرق كيان الاحتلال للاتفاق. وقال «إن فترة الـ 60 يوماً لانسحاب العدو الصهيوني من الأراضي اللبنانية بشكل نهائي شارفت على الانتهاء، وهذا ما يُحتّم عليه تنفيذاً كاملاً وشاملاً وفقاً لما ورد في اتفاق وقف إطلاق النار». ولفت حزب الله الى ان»بعض التسريبات التي تتحدث عن تأجيل العدو لانسحابه والبقاء مدة أطول في لبنان، تستدعي من الجميع وعلى رأسهم السلطة السياسية في لبنان وبالضغط على الدول الراعية للاتفاق، التحرك بفعالية ومواكبة الأيام الأخيرة للمهلة بما يضمن تنفيذ الانسحاب الكامل وانتشار الجيش اللبناني حتى آخر شبر من الأراضي اللبنانية وعودة الأهالي إلى قراهم سريعا، وعدم افساح المجال أمام أي ذرائع أو حجج لإطالة أمد الاحتلال».
لا للتنازلات
واكد الحزب إن أي تجاوز لمهلة الـ 60 يوماً، يُعتبر تجاوزاً فاضحاً للاتفاق وإمعاناً في التعدي على السيادة اللبنانية ودخول الاحتلال فصلاً جديداً يستوجب التعاطي معه من قبل الدولة بكل الوسائل والأساليب التي كفلتها المواثيق الدولية بفصولها كافة لاستعادة الأرض وانتزاعها من براثن الاحتلال. وخلص حزب الله الى القول «إننا في الوقت الذي سنتابع فيه تطورات الوضع الذي من المفترض أن يُتوج في الأيام المقبلة بالانسحاب التام، لن يكون مقبولاً أي اخلال بالاتفاق والتعهدات، وأي محاولة للتفلت منها تحت عناوين واهية، وندعو إلى الالتزام الصارم الذي لا يقبل أي تنازلات».
الجيش جاهز للانتشار
في هذا الوقت، التقى وزير الدفاع الوطني في حكومة تصريف الاعمال موريس سليم في مكتبه في اليرزة قبل الظهر، قائد الجيش بالإنابة اللواء الركن حسان عوده، وتناول البحث التطورات في الجنوب ومراحل تطبيق ترتيبات وقف إطلاق النار حيث إن الجيش انتشر في كل المناطق التي انسحب منها العدو الإسرائيلي، وهو في جهوزية كاملة للانتشار على كامل تراب الجنوب. وأكد وزير الدفاع « موقف لبنان الثابت بضرورة انسحاب القوات الإسرائيلية من أراضيه في الجنوب ضمن المهلة التي حددتها ترتيبات وقف اطلاق النار بحلول 26كانون الثاني الجاري.
الاعتداءات «الاسرائيلية»
ميدانيا، أحرق جيش الاحتلال منزلا في الحي الشرقي لبلدة القنطرة لجهة بلدة الطيبة. كما نفذ عمليات نسف لبعض المباني في المشاريع الزراعية محلة الميسات - الوزاني. من جهة ثانية، دخل عدد من أهالي الناقورة، بعدما تجمعوا عند نقطة الحمرا - البياضة جنوبي صور، الى البلدة لتفقد منازلهم التي دمرت نتيجة الحرب بعد حصولهم على تصاريح من الجيش اللبناني، وكانت مديرية التوجيه في الجيش نظمت عملية الدخول الى البلدة بعد انسحاب قوات الاحتلال منها. وتبين حجم الدمار الكبير الذي لحق بالبنى التحتية والمنازل وشبكات الكهرباء والمياه والطرقات...
جولة بن فرحان الخاطفة
سياسيا، طغت زيارة وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان الى بيروت على ما عداها، فيما غابت الاتصالات العلنية حول تشكيل الحكومة التي «فرمل» تشكيلها بانتظار حل العديد من العقد المستجدة. بن فرحان الذي حرص على ان تكون زيارته بروتوكولية على المسؤولين اللبنانيين وكان كلامه عاما بعد لقاء رئيس الجمهورية جوزاف عون حيث عبر عن الثقة بقيادة لبنان الجديدة للقيام بإصلاحات في البلاد، وقال في كلمة مقتضبة للصحافيين «ثقتنا كبيرة بقدرة فخامة الرئيس ودولة رئيس الوزراء المكلف على الشروع في الإصلاحات اللازمة لتعزيز أمن لبنان واستقراره ووحدته. واضاف «بحثت مع الرئيس اللبناني أهمية الالتزام باتفاق وقف النار وأكّدت على أهمية تطبيق القرار 1701، وقال ان المملكة تنظر بتفاؤل إلى مستقبل لبنان في ظلّ النهج الإصلاحي في خطاب القسم الذي ألقاه الرئيس، ونحن متفائلون باغتنام القيادات اللبنانية للفرصة والعمل بجدية لأجل لبنان».
عون: وأخيرا
تجدر الاشارة الى ان رئيس الجمهورية خاطب بن فرحان عند دخوله بالقول «واخيرا» قاصدا عودة العلاقات مع السعودية الى طبيعتها. وعلم في هذا السياق، ان بن فرحان لم يحمل دعوة خطية للرئيس لزيارة الرياض، بل كان ترحيب شفهي بزيارته، وفيما غاب ملف تشكيل الحكومة عن لقاءاته في القصر الجمهوري، وعين التينة، ومع رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي، كان اللقاء الاطول مع سلام واستمر لمدة عشرين دقيقة، حيث وقف الوزير السعودي عند اعتاب التأليف متمنيا الاسراع في التشكيل. علما انه سيزور دمشق اليوم.
ماذا تريد السعودية؟
وكان الوزير السعودي قد استبق زيارته الى بيروت بوضع الخطوط العامة لما تريده الرياض من الحكم الجديد، حيث اكد في المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس، أن السعودية تعتبر انتخاب رئيس لبناني بعد فراغ دام أكثر من عامين شيئا إيجابيا جدا. وأعرب عن أمله في تشكيل حكومة لبنانية جديدة في المستقبل المنظور. وأضاف أنه يتعين أن يرى العالم عملا حقيقيا وإصلاحا حقيقيا، والتزاما بلبنان يتطلع إلى المستقبل، وليس إلى الماضي، حتى تتمكن السعودية من زيادة مشاركتها.
ملف تشكيل الحكومة
في هذا الوقت، تستمر مساعي تشكيل الحكومة بعيدا عن الاضواء، ويبدو انها ستتأخر بعض الشيء. وفيما يزور الرئيس المكلف نواف سلام القصر الجمهوري لوضعه في آخر تفاصيل الاتصالات مع القوى السياسية، اشارت المعلومات انه يواصل تفكيك «الالغام» حول الحصص المسيحية والسنية، فيما حسم منح الشيعة وزارة المال دون حسم اسم الوزير الذي سيتولاها. ووفق مصادر مطلعة، حصل تواصل بين سلام و»الثنائي الشيعي»، على ان تحصل زيارة لموفد عن «الثنائي» للقاء رئيس الجمهورية جوزاف عون في اليومين المقبلين». وفيما لم يحصل تواصل جدي مع كتلة «الاعتدال الوطني» بشأن الحقائب الوزارية»، تحدث بعض النواب عن طلب موعد من رئيس الحكومة المكلّف، لكن الأخير فضّل عدم عقد لقاءات حاليًّا بانتظار تبلور الصورة النهائية مع الكتل الكبيرة، خصوصا ان الاتصالات لا تزال مستمرة مع القوات اللبنانية والتيار الوطني الحر لحسم توزيع الحقائب، علما ان «القوات» اكدت عدم رغبتها بوزارة الطاقة لكنها رفضت ان تمنح «للتيار».
جعجع ووزارة المال؟
في هذا الوقت، اعلن رئيس القوات اللبنانية سمير جعجع انه اتصل بسلام بالامس، وبحث معه في ملف تشكيل الحكومة. وفي تسليم باسناد حقيقبة المال الى الشيعة، شدد على عدم ممانعة ان يستلم وزارة المال شيعي، انطلاقا مما تعرضت له الطائفة الشيعية مؤخرا، حسب تعبيره، لكنه اشترط الا يكون الوزير منتميا الى «ثنائي»حركة امل وحزب الله، وجزم ان رئيس الحكومة المكلف لن يمنح شخصية منتمية الى «الثنائي» وزارة المال. وفي السياق، صدر عن الدائرة الاعلامية في القوات اللبنانية بيان اكد «أنّ المشكلة الفعلية التي تواجه تأليف الحكومة تكمن في كون «الثنائي الحزبي الشيعي» يتعامل مع التأليف على غرار ما كان يفعله في المرحلة السابقة بتخيير الرئيس المكلّف بين شروطه أو لا حكومة، وذلك على نسق مرشحي او لا رئاسة...