عاجل:

شعب "إسرائيل" ما زال غارقا في الخدعة.. هل يؤدي التصعيد الإسرائيلي الفلسطيني إلى خطر الإبادة الجماعية؟ (هآرتس)

  • ٢٨

 

هآرتس – بني موريس 

 

إسرائيل لا تنفذ في غزة إبادة جماعية. المدعي العام في لاهاي والبروفيسورات الاذكياء، من عمار بارطوف وجنوبا، الذين يتحدثون عن الإبادة الجماعية، جميعهم مخطئون. لا توجد سياسة إبادة جماعية للحكومة. ولا قرار من القادة لتنفيذ إبادة جماعية. ولا توجد نية متعمدة لابادة الفلسطينيين. ولا توجد أوامر تنزل من الحكومة الى الجيش، أو من قادة الجيش الى الرتب العملياتية، لقتل الفلسطينيين. صحيح أنه يتم قتل الكثيرين منهم ولكن هذه ليست سياسة، ولا توجد إبادة جماعية.

لكن الإبادة الجماعية ربما تكون في الطريق.

شعب إسرائيل ربما يكون في الطريق الى هناك. الآن هو يوجد عميقا في الخدعة التي تؤدي الى الإبادة الجماعية، وعميقا في عملية تهيئة القلوب. من ناحية تهيئة القلوب فان جزء من الشعب في الحقيقة أصبح يوجد هناك (حتى لو لم يدرك ذلك)، وهو الجزء الذي يذكر “العملاق” ويتحدث بصوت مرتفع أو في الغرف المغلقة عن الاجتثاث والنفي والترحيل (ربما يجدر به التذكر بأن النازيين في البداية، في 1939 – 1940، تحدثوا عن نفي يهود أوروبا الى مدغشقر أو مكان آخر قبل البدء في الإبادة الجماعية).

كثيرون في الصهيونية الدينية وفي أوساط الحريديين القوميين والبيبيين يعلنون على رؤوس الاشهاد عن المرغوب بالنسبة لهم، وعن تسوية نابلس وجنين وتسوية قرى. حتى مؤخرا في جنازة القتيلتين من كدوميم طالب الخطباء بتسوية قرى ومدن فلسطينية. هم لا يعتبرون الفلسطينين بشر. ولا شك لدي بأنه عند عودة المخطوفين الى البلاد في الجولات القادمة، الاحياء والاموات، وحالتهم الجسدية والنفسية تظهر للجمهور، فان هذه التهيئة سيتم تسريعها

إن نزع الإنسانية الذي يجب أن يتجذر في القلوب قبل الإبادة الجماعية اصبح موجودا. ذات مرة تحدث وزير إسرائيلي عن “صراصير في زجاجة”، وتم توبيخه. الآن لا يوجد تقريبا أي توبيخ. تظهر في أوساط الجمهور اليهودي لامبالاة من القتل الجماعي في غزة، حتى قتل النساء والأطفال. ولامبالاة من تجويع الفلسطينيين في الضفة الغربية، من خلال منع عملهم في البلاد، الامر الذي يؤدي الى الفقر والتجويع المحدود، وإزاء التنكيل بهم، بما في ذلك قتل العشرات في السنة الأخيرة على يد المستوطنين.

إن نزع الإنسانية يتم التعبير عنه كل يوم، حسب شهادات الجنود، بقتل المدنيين في القطاع بوحشية على يد الجنود والسجانين اثناء نقل المعتقلين وهم شبه عارين، بعضهم من رجال حماس وبعضهم من المدنيين، الى معسكرات الاعتقال، بروتين الضرب والتعذيب في معسكرات الاعتقال وفي السجون، ولامبالاة الجمهور إزاء كل ذلك. يظهر أيضا أن حراس العتبة، الذين يتم تحديهم بشكل متواصل من قبل اعمال الظلم والفساد والتلاعب من كل جهة، ببساطة هم في حالة عجز امام طوفان الاعمال الوحشية. كل ذلك هو من علامات نزع الإنسانية التي تسبق الإبادة الجماعية وتدفع بها قدما

لا شك أن العملية التي تمر فيها إسرائيل، على الأقل في جزء منها، تنبع من عملية موازية وهي نزع إنسانية اليهود التي تطورت في أوساط الجيران المسلمين الفلسطينيين. الأساس تم وضعه في بداية عهد الإسلام في الوصف الذي يظهر في القرآن، اللقاء بين النبي محمد  واليهود وذبحهم واجتثاثهم من الحجاز في القرن السابع. في القرآن تم وصف اليهود بأنهم شعب حقير، يقتل الأنبياء، واحفاد القردة والخنازير.

هذه الاقوال يتردد صداها في الوثيقة الأساسية للحزب الأكثر شعبية في أوساط الفلسطينيين، أي حماس. ميثاق حماس الذي هو دستور المنظمة من العام 1988 يوضح أنهم يجب مطاردة اليهود وقتلهم، وأن الصخور والأشجار التي سيختبيء خلفها اليهودي ستتعاون وستبلغ مطارديه عن وجوده خلفها. هذا التفكير هو تفكير بالابادة الجماعية

في الميثاق يتم وصف اليهود بأنهم شيطان، وأنهم يتحملون وزر اندلاع الحرب العالمية الأولى والحرب العالمية الثانية. واندلاع الثورة في فرنسا وفي روسيا في القرن الثامن عشر والقرن العشرين على التوالي. وإقامة منظمة الأمم المتحدة (المنظمة التي عملت وتعمل كل يوم من اجل حماس والفلسطينيين بشكل عام). لا يجب فهم القتل الجماعي لليهود في غلاف غزة، من الطفل وحتى الشيخ، وتفاخر القتلة باعمالهم في لحظة الذبح الحقيقية، إلا كتعبير عن الكراهية التي تندلع من صفحات القرآن ومن الميثاق (تم تسجيل صوت احد القتلة في صباح 7 أكتوبر وهو يتصل بوالده ويبلغه بسرور بأنه ذبح الآن يهودي بسكين في شارع 262).

لكن الكراهية كلها لا تأتي فقط من الأيديولوجيا. يوجد أيضا تاريخ وافعال. من السهل رسم عملية تهيئة القلوب للابادة الجماعية في أوساط العرب. لبنة أساسية في ذلك كانت اقتلاع معظم الفلسطينيين من بيوتهم في حرب 1948 (الحرب التي هم بدأوها). ومنذ العام 1967 اليهود يحكمون سكان الضفة الغربية ويسيطرون عليهم ويقومون بقمعهم، أحيانا بوحشية، ودائما من خلال الإهانة.

خلال هذه العقود فان عدد المعتقلين الفلسطينيين في السجون الاسرائيلية تجاوز الـ 100 ألف بكثير. أيضا سكان قطاع غزة تم قمعهم واعتقالهم من قبل اليهود. منذ عقود هم يقومون بحصارهم ولا يوجد من يدخل أو يخرج منهم. وبين حين وآخر يمطرون عليهم النار من الجو والأرض، ردا على الصواريخ التي يطلقونها على جنوب البلاد. لا شك أن القتل الجماعي واقتلاع السكان من بيوتهم من قبل إسرائيل في الـ 16 شهر الأخيرة ستعمق التهيئة للابادة الجماعية ضد اليهود. عملية تهيئة القلوب لدى اليهود كانت مشابهة، ولكنها أيضا مختلفة. ففي أوساط جزء من اليهود هذه العملية مرت في الكتب المقدسة. التوراة تتحدث عن احتلال البلاد والاستيطان فيها في عهد يهوشع والقضاة، التي رافقتها اعمال القتل والذبح، وحتى أوامر ذبح “للعملاق”. وفي أوساط جميع اليهود عملية التهيئة شملت جولات ذبح لليهود على يد الاغيار في الالفي سنة الأخيرة، بالأساس على يد المسيحيين، وأيضا على يد المسلمين (فرهود وغيرها)، التي كانت ذروتها في الكارثة. وقد اضيف الى ذلك في القرن العشرين الإرهاب غير النهائي للعرب ضد اليهود في ارض إسرائيل (الخليل، صفد، قافلة هداسا، معلوت وغيرها).

7 أكتوبر شكل الذروة في تهيئة قلوب اليهود للابادة الجماعية، التي كما يبدو ستأتي. نسبة الولادة غير المتناسبة في المجموعات السكانية اليهودية، التي تميل الى استخدام العنف ضد العرب، فقط تقرب الاندفاع نحو الإبادة الجماعية. ويمكن الاعتماد على العرب في توفير المبرر والشرارة

هذا لن يشبه 7 أكتوبر. ولن يكون هناك اقتحام كبير من القطاع للغلاف. في الجيش الإسرائيلي والشباك بالتأكيد تعلموا الدرس. ولكن ستكون حادثة تشعل الشرارة – اقتحام، أو اقتحامات، لمستوطنات مع عدد كبير من المصابين، اسقاط طائرة ركاب إسرائيلية أو طائرات مليئة باليهود، اغراق سفينة تخرج من حيفا، تسميم ناجح لمصادر المياه أو نشر الغاز السام في الهواء. سيكون محفز، وعندها ستأتي الإبادة الجماعية، بتسوية مدن من الجو، بدون أي تمييز أو محاولة للتمييز بين المدنيين والمسلحين، أو بمعسكرات إبادة. ربما سيكون دمج بين النفي (التطهير العرقي) والابادة الجماعية، كما تعود الاتراك على التعامل مع التجمعات المسيحية في آسيا الصغرى في الأعوام 1894 – 1924.

اذا لم يتم حل المشكلة الفلسطينية، التي اعادها 7 أكتوبر الى وعي العالم ووعينا، وحل الدولتين للشعبين يكون مفيدا (حتى لو أنه يظهر الآن كأمر خيالي)، فان الإبادة الجماعية ستأتي، والطرف القوي بالطبع هو الذي سينفذها.

المنشورات ذات الصلة