ذكرت "صحيفة "القدس العربي" ان عودة إسرائيل إلى تنفيذ غارات جوية بواسطة طيرانها الحربي يؤشر إلى الدخول في مرحلة جديدة من التصعيد في ظل تمديد مهلة وقف إطلاق النار حتى 18 شباط التي وافق عليها رئيس مجلس النواب نبيه بري ورفضها «حزب الله» بلسان أكثر من مسؤول فيه في مقدمتهم أمين عام الحزب الشيخ نعيم قاسم. وإن دلّ هذا الأمر على شيء فعلى بروز تباين بين الرئيس بري الذي سبق للشيخ نعيم أن وصفه بـ «الأخ الأكبر» وبين «حزب الله».
وإذا كان التباين بين «حزب الله» و«حركة أمل» ظهر بداية خلال حرب «إسناد غزة» حيث كان الحزب ينعى شهداءه «على طريق القدس»، فيما كانت الحركة تنعى شهداءها «دفاعاً عن لبنان»، فإن هذا التباين يظهّر أكثر فأكثر في الأيام القليلة الماضية. حيث في الوقت الذي يستمر «حزب الله» في الحديث عن انتصار وعن وقف توغّل الجيش الإسرائيلي في جنوب لبنان، كان عضو قيادة «حركة أمل» حسن قبلان يتحدث عن رفع الرئيس بري «السكين عن رقبتنا».
ثم جاءت خطوة دخول الأهالي إلى القرى الحدودية بعد انتهاء أول مهلة لوقف النار الأحد الفائت حيث رفع مناصرو «حزب الله» أعلام الحزب وأصروا على الدخول إلى القرى التي لم يكن جيش الاحتلال الإسرائيلي قد انسحب منها بعد من دون الالتزام بتوجيهات الجيش اللبناني بالتريث، الأمر الذي أدى إلى وقوع 24 شهيداً وحوالي 134 جريحاً برصاص الجيش الإسرائيلي. وفيما كان مناصرو الحزب يوجّهون سهامهم إلى الجيش اللبناني ويتهمونه بعدم حمايتهم وبمنعهم من الدخول إلى قراهم كان مناصرو «حركة أمل» يشيدون بخطوات الجيش وبأن الأهالي دخلوا إلى قراهم بحمايته ومؤازرته.
كذلك، ظهر تباين آخر في موافقة الرئيس بري على تمديد مهلة اتفاق وقف إطلاق النار بحسب ما ورد في بيان رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي في مقابل رفض أمين عام «حزب الله» أي مبررات لتمديد المهلة لحظة واحدة أو يوماً واحداً.
أما التباين العلني فبرز بعد إصدار رئيس الهيئة التنفيذية في «حركة أمل» مصطفى الفوعاني بناء لتوجيهات الرئيس بري تعميماً لجميع عناصر الحركة، قضى «بمنع المشاركة أو القيام بأي تحرك أو نشاط استفزازي يتعارض مع توجيهات قيادة الحركة القاضية باحترام خصوصية اللبنانيين بكافة طوائفهم ومناطقهم وخاصة مسيرات الدراجات النارية»، وذلك بعد خروج مسيرات من الضاحية الجنوبية ترفع أعلام «حزب الله» وتدخل أحياء مسيحية وسنية في الجميزة وساقية الجنزير وعين الرمانة وصولاً إلى شبعا.
وتأتي هذه التباينات بين الحركة والحزب لتطرح علامات استفهام حول مستقبل العلاقة بين الثنائي الشيعي بعدما ما آلت إليه نتائج الحرب بين إسرائيل و«حزب الله»، وهل يعيد الرئيس بري قلب الموازين داخل الطائفة الشيعية ويتخذ مواقف أكثر استقلالية، مستفيداً من تراجع نفوذ «الحزب» وما أسفرت عنه الحرب من تدمير لقرى الجنوب وبعلبك الهرمل مروراً بالضاحية الجنوبية.
هذا التحرر من «فائض القوة» الذي ترجمه «حزب الله» هيمنة على القرار اللبناني سواء من خلال القمصان السود أو من خلال اجتياح بيروت في 7 أيار ومحاولة الدخول إلى الجبل أو من خلال تعطيل الاستحقاقات الرئاسية والحكومية إلى حين فرض مشيئته، بدأ يُترجَم بمواقف لعدد من القيادات اللبنانية التي لطالما حرصت على الوقوف على خاطر «الحزب» وربط نزاع معه.
وفي هذا السياق، كانت لافتة مواقف الزعيم الدرزي وليد جنبلاط الذي كان أول من تبنى ترشيح قائد الجيش العماد جوزف عون إلى الرئاسة ثم تسمية الرئيس نواف سلام خلافاً لرغبة الثنائي الشيعي. وجاءت دعوة جنبلاط للحزب لترك العمل العسكري والتوجه إلى العمل السياسي لتدل على رغبة الرئيس السابق للحزب التقدمي الاشتراكي بأن يتخلى «حزب الله» عن سلاحه وصواريخه تطبيقاً ليس فقط للقرار الدولي 1701 بل أبعد منه تطبيقاً للقرار 1559 الذي كان ينأى كثيرون عن المناداة به لعدم إغضاب قيادات الحزب.
ويأتي موقف جنبلاط متعارضاً مع وجهة نظر أمين عام «حزب الله» الشيخ نعيم قاسم الذي يفصل بين جنوب نهر الليطاني وشماله، بحيث ينفي أن يكون الاتفاق الذي رعته الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا ينص على نزع السلاح شمال نهر الليطاني وأنه محصور جنوب النهر.
ويعتقد جنبلاط بوجود تغييرات إقليمية أدت إلى انفراجات في لبنان أبرزها سقوط نظام بشار الأسد في سوريا وتراجع النفوذ الإيراني في المنطقة وعدم قدرة «حزب الله» بعد اليوم على التلويح بفائض القوة الذي حكم لبنان سنوات طويلة منذ انسحاب جيش النظام السوري عام 2005 واستبدال الوصاية السورية بوصاية «الحزب».
ولئن كان الزعيم الدرزي يتمايز حتى في ظل نظام الوصايتين السورية والإيرانية ببعض المواقف السيادية وفي طليعتها إنجازه مصالحة تاريخية في الجبل مع البطريرك الماروني مار نصرالله بطرس صفير التي أسست لانتفاضة 14 آذار ثم تحالفه الانتخابي في أكثر من دورة مع حزب «القوات اللبنانية» في دوائر الشوف وعاليه وبعبدا في مواجهة «حزب الله» و«التيار الوطني الحر»، فإن حلفاء «الحزب» في الطائفة السنية هم أيضاً بدأوا يتمايزون عنه سواء في انتخاب الرئيس جوزف عون أو في تسمية نواف سلام، وهذا ما ظهر من مواقف النواب فيصل كرامي وحسن مراد وعدنان طرابلسي الذين أخذوا يتقرّبون من الفلك السعودي ويبتعدون عن المحور السوري الإيراني.