- لم يكد يمرّ أسبوعان على استلام الرئيس ترامب منصبه حتى بدأ التغيير في واشنطن يتردد، والشعور به في كل زاوية من الولايات المتحدة وخارجها. ومَن كان يرفض ترامب بصفته رئيس "الضجيج والتغريدات في تويتر"، يكتشف ترامب الذي يتحدث عن الأعمال، والذي تعلّم الدرس من ولايته السابقة، ووصل إلى البيت الأبيض أكثر نضجاً وإصراراً على الدفع قدماً بأجندته بأيّ ثمن، "ومن دون أن يأخذ رهائن".
- بدا تأثير ترامب ملحوظاً في الشرق الأوسط بصورة خاصة، فحتى قبل استلامه منصبه، تمكّن من التوصل إلى وقف لإطلاق النار في غزة، وإلى صفقة في لبنان. الآن، هو يفاجىء الجميع بمقترحه بشأن نقل الغزّيين إلى مصر والأردن، حسبما أوضح: "كلّ شيء مدمّر تقريباً، والناس يموتون هناك، لذا، كنت أودّ أن تأخذ مصر، أو الأردن، قسماً منهم، كجزء من عملية موقتة، أو طويلة الأمد". يمكن رفض هذا الكلام واعتباره وهماً، لكنه في الحقيقة مقترح يعبّر عن تفكير من خارج الصندوق، وله منطقُه، ويعكس رؤية راهنة وواقعية للواقع، أكثر كثيراً من كل الذين يسارعون إلى الاستخفاف بالمقترح، أو رفضه.
- ترامب رجل أعمال محنّك. ويرى في القطاع منطقة ذات إمكانات هائلة، يمكن تحويلها إلى "سنغافورة الشرق الأوسط"، الأمر الذي يشكل حلاً لمعاناة السكان المدنيين في القطاع. وهنا يكمن المنطق في مقترحه. وقبل كلّ شيء، هو رجل عاقل، ويدرك أن الحرب وصلت إلى نهايتها، ومع الأسف، "حماس" صمدت، والآن، هي تريد الاستمرار في السيطرة على غزة. من الواضح أيضاً أنه ليس لدى أيٍّ كان، ومن المؤكد أنه ليس لدى الدول العربية، ولا السلطة الفلسطينية، القوة، أو الرغبة في الدخول في مواجهة عسكرية مع "حماس" واقتلاعها بالقوة من القطاع. في مثل هذا الواقع، سنشهد استمرار جولات العنف بين إسرائيل و"حماس"، وفي هذه الحالة، لن يكون هناك طرف مستعد لتوظيف أمواله في القطاع من أجل إعادة إعماره، وسيبقى أطلالاً وخراباً ومكاناً لمعاناة سكانه وضائقتهم.
- يقترح ترامب سبيلاً إلى الخلاص من هذه الدائرة الدموية. وهو يطلب إجلاء السكان المدنيين من غزة، ولو بصورة موقتة، وبهذه الطريقة، يمكن البدء بعملية إعادة الإعمار والبناء من جديد في غزة الخالية من السكان، ومن "حماس". لكن الجميع يسارع إلى رفض المقترح.
- وفي الحقيقة، يمكن فهم الرد السلبي لكلٍّ من مصر والأردن. لقد أوضح الرئيس السيسي أن الغزّيين الواقعين تحت تأثير "حماس" يحملون "الإرهاب" والعنف، وإذا جرى استيعابهم في مصر، فسيشكلون تهديداً للأمن القومي، لذلك، هو لا يريدهم، بينما يتخوف الأردن من أن يهدد فلسطينيو غزة نسيج الحياة في المملكة، ويقوّضون التوازنات الهشة التي تستند إليها، وهو ما قد يؤدي إلى انهيارها. لكن ما يصعب فهمه هو رفضُ الفلسطينيين، لكن سبق أن قيل إنهم لا يضيعون فرصة لتضييع فرصة تدفع قدماً بشؤونهم، وتساعد على حلّ مشكلاتهم.
- اقترح ترامب "صفقة القرن" في ولايته السابقة من أجل حلّ النزاع الإسرائيلي - الفلسطيني. هذه الصفقة كانت بعيدة جداً عمّا يرغب فيه الفلسطينيون، حتى إنها بعيدة عمّا يمكن أن يقبله اليمين الإسرائيلي، لكن المقصود كان إقامة دولة فلسطينية مستقلة على جزء من الأرض، دولة يمكن أن تقدم للفلسطينيين مستقبلاً أفضل كثيراً، ويمكن أن تحول دون الكارثة التي تسببت بها "حماس" في 7 أكتوبر. لكن الفلسطينيين، كعادتهم، رفضوا الاقتراح، والعالم العربي لم يساعد ترامب على الدفع قدماً بالصفقة.
- الآن، يبقى أن نرى ما إذا كان ترامب يتحدث فقط بلغة الأعمال، أم أيضاً بلغة الشرق الأوسط، حيث من المعروف أنه يجب أن تُظهر العصا مع الجزرة كي تقنع الزبون بأن الصفقة المقترحة جيدة بالنسبة إليه.
- وفي الواقع، أوضح ترامب أنه إذا رُفضت اقتراحاته "فسيفتح أبواب الجحيم على حماس"، لكن السؤال هو إلى أيّ حدّ مشكلة الشرق الأوسط مهمة بالنسبة إليه، وفي نظره. الجواب ليس طويلاً. ففي رأس أجندته، هناك مسائل أكثر أهميةً، وإذا كان الفلسطينيون والإخوة العرب غير مهتمين بمستقبل أفضل، لهم ولأولادهم، يبدو أن ترامب غير مستعد لأن "يتعرّق" من أجل حلّ مشكلاتهم.
×