مراوحة داخلية تتزامن مع حراك نوعي يشهده العالم والمنطقة، له تداعياته الكبيرة المباشرة وغير المباشرة على الوضع اللبناني، وفي مقدمته، رحلة رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتانياهو الى واشنطن ولقاءاته «النوعية» فيها، فيما كان رئيس اركانه الجديد يعلنها صراحة «سنة 2025 سنة قتال»، اما الرئيس احمد الشرع فيوسع مروحة اتصالاته ليصل انقرة، راعية الحكم الجديد في دمشق، بعد محطته الاولى في الرياض، لبحث اقامة قواعد جوية تركية في وسط سورية، ما قد يقلب المشهد والتوازنات من طهران الى الرياض وبينهما بيروت. هكذا يمكن توصيف الوضع اللبناني.
نتانياهو في واشنطن
ففي واشنطن يخوض نتانياهو محادثات صعبة، تستمر حتى يوم السبت، عنوانها يقرأ من تصاريح رئيس اركان جيشه المبشر بالاستعداد للعودة الى الحرب على اكثر من جبهة، في وقت اعلنت فيه الادارة الاميركية عن حزمة مساعدات عسكرية جديدة باكثر من مليار دولار، تشمل آلاف القذائف زنة الف رطل، بعدما فك الحظر عن قذائف الالفي رطل، في مؤشر يصعب فك الغازه راهنا.
مصدر مطلع على اجواء اللقاءات الجارية في العاصمة الاميركية، كشف ان الساعات الماضية شهدت احد اهم الاجتماعات التي عقدها نتانياهو وفريقه، اذ جمعه لقاء مع المبعوث الاميركي الى المنطقة ستيف ويتكوف، حضرت جانبا منه نائبته، مورغان اورتيغاس، استمر لاكثر من اربع ساعات، استكمل درس تفاصيل الملفات ذات الاهتمام المشترك، من الوضع في غزة الى سورية، وصولا الى كيفية التعامل مع طهران. وقد جرى خلال المباحثات التطرق الى الملف اللبناني، حيث اكد الجانب الاميركي، ان الترتيبات التي وافقت عليها الحكومة اللبنانية، كما ورقة الضمانات الاميركية، كفيلة بضمان وحماية امن «اسرائيل» وسلامة اراضيها، مؤكدا ان واشنطن ستمارس ضغوطا كبيرة على الحكومة اللبنانية لاجبارها على تنفيذ التزاماتها، في ما خص القرار 1701 وملحقاته، مستخدمة كل الوسائل المتاحة، مبلغة الجانب الاسرائيلي ان اكثر من مسؤول اميركي سيزور بيروت لابلاغ المعنيين «رسائل» في هذا الخصوص.
وحول موعد 18 شباط، اكدت المصادر ان واشنطن تدرس مقترحا يقضي بتمديد المدة لاسابيع الى حين اتمام بعض الاجراءات الميدانية الضرورية، مستبعدة في هذا الاطارعودة الحرب اقله في المدى المنظور.
استحقاقات ضاغطة
فتطبيق القرار 1701 وتنفيذ اتفاق وقف النار، وما يرتبط به من ملف اعادة الاعمار، فضلا عن العلاقات بين بيروت ودمشق، وشد الحبال الاقليمي – الدولي في هذا الخصوص، شكلت استحقاقات ضاغطة باتجاه التسريع في تشكيل الحكومة العتيدة، في ظل تكثيف الضغوط حتى لا يطول التشكيل وسط ايجابية سائدة في بعبدا وقريطم، لا تلاقيها الاجواء ذاتها في المقرات السياسية الاخرى، مع دخول رئيس الجمهورية على الخط حيث سجلت له سلسلة اتصالات بعدد من النواب.
وقائع تثبتها مجريات التشكيل يوما بعد يوم، اذ يظهر جديد من شياطين التفاصيل، حيث تبقى 3 عقد اساسية، واخرى فرعية، المسيحية والسنية، والاسم الشيعي الخامس الذي يريد الرئيس سلام الاحتفاظ به مع رئيس الجمهورية.
عقدة القوات
فالنقطة الاولى التي تتفاعل، تتمثل بموقف القوات اللبنانية، في ظل اجواء تتحدث عن امكان مقاطعتها الحكومة وعدم منحها الثقة، مع ما قد يتركه ذلك من اثر في مشاركة الكتائب والتيار الوطني الحر، حيث تتحدث مصادر معراب عن ان موقفها لن يحسم في انتظار حصولها على اجوبة المعنيين حول الاستفهامات التي طلبتها وهي: هل ثمة فيتو حول توليها احدى الحقائب السيادية، ومن هي الجهة التي وضعته؟ هل هناك فعلا وجود لوزير ملك للثنائي الشيعي بالتشارك مع الرئيسين؟ ما هي قاعدة وحدة المعايير المتبعة في التشكيل؟ وماذا عن اتفاق حول صيغة للبيان الوزاري التي من المفترض ألا يتضمن اي اشارة مباشرة او غير مباشرة لثلاثية جيش شعب ومقاومة؟
وتابعت المصادر ان من حق القوات ان تطالب بحقيبة سيادية، وهي الخارجية، بعدما سبق لرئيس الحزب الدكتور سمير جعجع ان اقر بانه من حق رئيس الجمهورية «احتكار» الملف الامني وتعييناته، وبالتالي بات بحكم المنطقي في ظل تلك المعادلة، ان تؤول الخارجية اليها، بوصفها اكبر تكتل مسيحي.
نظرية ردت عليها اوساط سياسية، معتبرة ان رئيس الجمهورية هو القائد الاعلى للقوات المسلحة وهو ضنين اليوم اكثر من اي وقت مضى على رسم السياسة الخارجية للبلاد في هذه المرحلة الدقيقة التي يعول فيها لبنان بشكل اساسي على دعم الخارج، كما ان احتفاظه بالخارجية والدفاع ينزع سردية الاحزاب المسيحية عن تهميش المسيحيين، فرئيس الجمهورية جوزيف عون هو الرئيس الماروني في الدولة وعليه يقع توجيه دفة العهد وليس على القوات، ولذلك لا يمكن للقوات او التيار ادّعاء تهميش المسيحيين، بخاصة انهم لا يختصرون الساحة المسيحية على الإطلاق.
ميرنا الشالوحي
ميرنا الشالوحي من جهتها تتقاطع مع معراب، فرغم ان رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل، قد ابقى الباب مفتوحا مواربة، امام كل الاحتمالات، رغم وضوح اشارات عدم الرضى، سواء على وجه باسيل، ام بين سطور كلامه، غير ان مصادرها شددت على ضرورة الالتزام بوحدة المعايير.
وقد شدد باسيل، في مؤتمر صحافي، على «أننا لا نقبل التجاوزات والهدف الوصول الى حكومة فاعلة تنفذ خطاب القسم»، لافتًا إلى أنّ «الحكومة ستكون غير عادية وأمامها تحديات سياسية أولها تنفيذ اتفاق وقف النار، إضافة إلى التعاطي مع سورية والنظام الجديد على اساس النديّة وعودة النازحين، وشهدنا نوع الجرائم التي تحصل»، مؤكدا أنّ «على الحكومة ان تستند الى اسس تمثيل سياسية ومجتمعية صلبة اي مدعومة من كتل نيابية ثابتة وليس من جماعات وافراد متحركة ومتلونة»، موضحًا أنّه «لا يجوز التنكر للتجربة المرة للحكومتين الاخيرتين في موضوع التكنوقراط».
اعتراض ارمني
الارمن ايضا غير راضين، حيث صدر عن حزب الطاشناق بيان قال فيه «شعار تفادي تحويل الحكومة إلى مجلس نيابي أو ملّي مصغّر لا يجوز أن يُترجم إلى إنزال أسماء وشخصيات لا تمت بصلة الى المجتمعات التي تمثّلها، وفرضها على تلك المجتمعات».
خلاف تغييري
الخلاف وصل الى البيت التغييري. النائب ميشال الدويهي قال «حتى اللحظة، وإن بقيت التشكيلة كما نسمع، فلا حاجة الى انتظار إعلانها، إو الى بيانها الوزاري: لا ثقة بالمنهجية الحالية ولا ثقة بالمعايير الموضوعة»، ليرد عليه زميله مارك ضو الذي قال : «لا تنغّصوا فرحتكم بهواجس من مرحلة سابقة، وتعلموا إن ما تكسبونه هو أحلامكم منذ عشرات السنوات، أنا أؤيّد الرئيس نواف سلام ومعه لإنجاز هذه الحكومة وبسرعة لما فيها مصلحة لبنان وخطوات كثيرة نحو الدولة التي نطمح اليها».
الاشكالية السنية
لا تزال مسألة التمثيل السني محل اخذ ورد، خصوصا في ظل التساؤلات المطروحة وعلامات الاستفهام حول اسماء عدد من الذين سربت اسماؤهم، قد يكون من باب جس النبض، حيث يسعى رئيس الحكومة الى حصر التسمية به، وهو ما اثار «نقزة» سياسية، ما دفع بفاعليات سنية الى التحرك نحو دار الفتوى، حاملة الشكوى ضد اداء سلام.
امام هذا المشهد، تنفي اوساط الرئيس المكلف نواف سلام وجود استنسابية في التعاطي، مشيرة الى انه ليس متلقيا للاسماء فحسب، وانما من صلاحياته ان يغربلها لاختيار الاكثر كفاءة والاقرب الى برنامجه، والى روحية العمل من ضمن قواعد التضامن الحكومي، ووحدة الفريق، لا نقل الخلافات الى داخل مجلس الوزراء وتعطيله تاليا، كما كان يحصل.
هنا يبقى السؤال الابرز: هل سيشبه مسار التشكيل سيناريوهي انتخاب الرئيس والتكليف، ام هي معركة الانتخابات النيابية قد فتحت منذ اليوم؟
تسوية اقليمية؟
اوساط ديبلوماسية في بيروت اكدت ان الوضع اللبناني تحت مجهر الخارج الذي يراقب بحذر مجريات الامور وتطورها، بعد شهر من «اقلاع العجلة الدستورية»، والتي حتى الساعة وفقا لاحد سفراء «خماسية باريس» «واضح ان التحديات الكثيرة لم تغير شيئا من الواقع القائم، فلا شيء يتحرك كما يجب، والزخم سياسيا والدعم الدولي خف الى حد ما»، كاشفة عن توجه دولي بتمرير تشكيلة قادرة على نيل ثقة ضعيفة في البرلمان.
وفود خارجية
في هذا الاطار تتوالى الوفود الخارجية دعما للعهد بحيث، وصل رئيس مجلس وزراء قطر، وزير الخارجية محمد بن عند الرحمن آل ثاني، الى بيروت، وكذلك يتوقع في الايام المقبلة وصول مسؤول الشرق الاوسط في مجلس الامن القومي الاميركي اريك تريغر، ونائبة مبعوث الرئيس ترامب الى الشرق الاوسط مورغان اورتيغاس.
الزيارة القطرية
فالزيارة القطرية وفقا للمتابعين، ستشكل مناسبة لرئيس الوزراء، خلال مشاوراته مع الرؤساء على ملفين اساسيين، الاول، تقديم الدوحة الدعم والمساعدة في عملية النهوض واعادة الاعمار، مع التاكيد على شرط الاصلاح، والثاني، تأدية دور الوساطة على خط بيروت – دمشق، لما يربطها من علاقات جيدة مع النظام السوري الجديد.
وكان رئيس الوزراء وزير الخارجية القطري، نقل الى الرئيس عون تحيات امير البلاد الشيخ تميم، مجدداً له الدعوة لزيارة قطر والتي كان وجهها اليه في رسالة خطية قبل ايام. وقال: ان قطر تقف الى جانب لبنان، خصوصاً بعد استعادة استقراره وانتظام مؤسساته الدستورية بعد انتخاب الرئيس عون، معرباً عن الامل في انتهاء الحرب في الجنوب بأسرع وقت ممكن وتطبيق القرار 1701.
واستذكر رئيس الوزراء وزير الخارجية لقاءاته مع الرئيس عون حين كان قائداً للجيش، منوهاً بقيادته الحكيمة التي حفظت لبنان. وشدد على ان بلاده عازمة على دعم لبنان في مختلف المجالات فور تشكيل الحكومة الجديدة، مشيراً الى ان دعم القوات المسلحة سوف يستمر تنفيذاً لتوجيهات امير قطر.
وخلال اللقاء، رحب الرئيس عون برئيس الوزراء وزير الخارجية القطري محمد بن عبد الرحمن ال ثاني شاكرا له زيارته، وحمّله تحياته الى امير دوله قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، منوّهاً بالدعم القطري للبنان في المجالات كافة، اضافة الى دور قطر في ملء الفراغ الرئاسي من خلال عضويتها في اللجنة الخماسية.
وثمّن الرئيس عون عالياً المساهمة القطرية في دعم اقتصاد لبنان، لا سيما في مجال النفط والغاز، متمنياَ معاودة التنقيب قريباً بالتعاون مع شركة «توتال» الفرنسية.
اما في عين التينة، فقد أكد الرئيس بري لرئيس وزراء قطر انه سوف يزوده بتوثيق مفصل عن كافة الإنتهاكات والخروقات الإسرائيلية اليومية لبنود الاتفاق.
وكان أكّد رئيس وزراء قطر محمد بن عبدالرحمن بن جاسم آل ثاني، خلال لقائه رئيس الحكومة المكلف نواف سلام في قريطم، «استعداد بلاده لمواصلة دعم لبنان في مختلف المجالات»، داعيا سلام إلى «زيارة الدوحة في أقرب فرصة ممكنة».
هذا، والتقى رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي رئيس مجلس الوزراء القطري، في دارته، وعقدا خلوة تناولت الأوضاع الراهنة في لبنان والمنطقة والعلاقات الثنائية بين البلدين.
كذلك، عقد اجتماع موسع شارك فيه وزير الدولة القطري محمد بن عبد العزيز الخليفي وسفير قطر في لبنان سعود بن عبد الرحمن آل ثاني.