كتب تشاك فرايلخ في صحيفة "هآرتس":
اسرائيل انتصرت في الحرب، حماس وحزب الله تعرضا لضربة قاسية، سوريا انهارت، محور المقاومة الايراني انهار ومعه كل استراتيجية تدمير اسرائيل. الحروب هي وسيلة لتحقيق الاهداف الاستراتيجية. السؤال هو هل سنعرف كيفية استغلال النصر العسكري من اجل تحقيق اتفاق مع الفلسطينيين؟ الجواب كما يبدو لا، على الاقل طالما كرر اليسار في اسرائيل والولايات المتحدة وكل العالم شعار حل الدولتين. لا يوجد لمستقبل اسرائيل أي شيء أكثر اهمية من الانفصال عن الفلسطينيين. ولكن حان الوقت لاستكمال موت هذا النموذج.
في السياق الفلسطيني يبدو أن الكثيرين يعانون من التعريف الكلاسيكي لعدم العقلانية: يكررون مرة تلو الاخرى نفس الشيء ويأملون نتيجة مختلفة. هل حقا يمكن اقامة دولة فلسطينية في الضفة الغربية، ربما بسيطرة حماس، قرب المراكز السكانية الاسرائيلية، وفي غزة ايضا، التي فيها حماس تنتظر الجولة القادمة؟. بعد 7 اكتوبر فانه من الواضح أنه لا توجد أي امكانية لترتيبات امنية مشددة، التي بدونها لا يمكن الانسحاب. اضافة الى ذلك الآن لا يوجد زعيم فلسطيني يمكنه الموافقة على دولتين، ومشكوك فيه أن يكون زعيم كهذا في المستقبل. ايضا هناك شك اذا كانت أي حكومة مستقبلية في اسرائيل، التي ستأتي بسرعة، يمكنها الموافقة على ذلك.
لقد حان الوقت لتجربة شيء آخر: صيغة محدثة لفكرة الكونفيدرالية الاردنية – الفلسطينية. القسم الفلسطيني سيشمل 90 في المئة من الضفة وقطاع غزة ايضا، اضافة الى تبادل الاراضي بين الطرفين. معظم السكان في الاردن هم من الفلسطينيين، ايضا ولي العهد هو نصف فلسطيني، لذلك فان مستقبل المملكة الاردنية هو مستقبل فلسطيني. لا يمكن التملص من المصير الديمغرافي. وكما يحذرون وبحق من التداعيات الديمغرافية على مستقبل اسرائيل اذا لم تنجح في الانفصال عن الفلسطينيين، فان هذا المنطق يسري، بشكل اكبر، على الاردن. فكيف سيكون من المنطقي أن تقوم كونفيدرالية اردنية – فلسطينية، أي دولتان تلتزمان دستوريا بسياسة خارجية وأمنية مشتركة، لكنها مستقلة في المجالات الاخرى.
الملك حسين اقترح في العام 1972 اقامة في الاردن وفي الضفة الغربية “مملكة عربية موحدة”، بما يشبه المملكة المتحدة البريطانية. ولكن الآن معروف أن المملكة ستعارض بشدة الكونفيدرالية، لأنها تخشى من سيطرة الفلسطينيين عليها.
من اجل أن تصبح هذه الفكرة عملية فانه من الضروري أن تقتنع المملكة بأنه لن يكون في هذه الفكرة أي تهديد عليها، وأنها بالذات ستفيدها. لذلك، يجب أن تكون ضمانات قانونية وما شابه. مثلا، دستور الكونفيدرالية سينص على أن الاردن يبقى المملكة الهاشمية، وأن الحديث لا يدور عن مواطنة مشتركة، وبالتالي الميزان الديمغرافي لن يتغير، ايضا سيعطى للملك حق الفيتو على قرارات الحكومة المشتركة وصلاحية على حالة طواريء خاصة، ايضا ستكون حاجة الى ضمانات دولية لازدهار واستقرار هذه الكونفيدرالية. بالنسبة للفلسطينيين فانهم سيحصلون على الاستقلال الكامل باستثناء المواضيع الخارجية والامن، التي فيها سيتم توزيع الصلاحيات بشكل متساو مع الاردن في حكومة مشتركة. وهم سيتمتعون ايضا بافضلية الانضمام الى دولة كبيرة لها حكومة وجيش، والقدرة على الوصول الى البحر الاحمر والعالم العربي، بدلا من دولة صغيرة محاصرة حسب حل الدولتين الكلاسيكي.
بسبب أن قطاع غزة ايضا سيكون جزء من هذه الكونفيدرالية فانه ستكون حاجة الى حل بعيد المدى للتحديات الخاصة التي يخلقها. سكان القطاع يتضاعف عددهم مرة كل عشرين سنة، ولذلك فانه لن تكون للقطاع أي نهضة في حدوده القائمة. هنا يمكن لمصر أن تساهم بشكل حاسم، على شكل تبادل الاراضي متعدد الاطراف، بحيث تعطي مصر لغزة اراضي مساحتها تساوي الاراضي التي ستقوم اسرائيل بضمها في الضفة؛ اسرائيل ستعوض مصر باراضي مساوية في مساحتها في النقب؛ الفلسطينيون سيوافقون على أن تضم اسرائيل في الضفة الجزء الذي يمكنها من الحفاظ على 80 في المئة من المستوطنات فيها. بالتالي فان اسرائيل والفلسطينيين سيحصلون على حدود حاسمة.
الاردن يوجد له تاريخ مثبت في الحفاظ على الامن على الحدود مع اسرائيل. بناء على ذلك فان الكونفيدرالية ستقلص خطر تحول الدولة الفلسطينية الى كيان راديكالي يسعى الى تدميرها. الانسحاب من معظم الضفة الغربية ما زال تحديا سياسيا صعبا، لكن يمكن أن هذا الاقتراح سيكون مرضيا لمعظم الجمهور، الذي هو غير معني بضمها. الكونفيدرالية ستكون حل ايجابي ايضا بالنسبة للدول العربية المعتدلة التي تؤيد استقلال الفلسطينيين، لكنها تخشى من تأثير ذلك على استقرار المنطقة. الولايات المتحدة والمجتمع الدولي ايضا، الذين يلتزمون بحل النزاع ولكن ليس بدقة، يمكن أن يعتبرون ذلك بديل ايجابي.
في البداية من اجل بناء الثقة يمكن أن يكون اقتراح الكونفيدرالية مرفق بمبادرة اسرائيلية وهي الانفصال المدني عن الضفة الغربية، من القسم المخصص للفلسطينيين، أي اعادة بالتدريج للمستوطنين الذين يعيشون هناك الى داخل اسرائيل، لكن الجيش الاسرائيلي سيبقى هناك لغرض الأمن.
يبدو أن هذا الاقتراح هو الحد الاقصى الذي يمكن للجمهور الاسرائيلي الموافقة عليه في المستقبل القريب. فقط الولايات المتحدة توجد لديها الادوات المطلوبة للدفع قدما بالكونفيدرالية، وفي كل الحالات يجب وجود قيادات مختلفة في اسرائيل ولدى الفلسطينيين. مع ذلك، يوجد لترامب ميل مثبت، بالخير والشر، لتحطيم المسلمات الدبلوماسية وتفضيل الحلول غير التقليدية. فهو يعمل على تغيير استراتيجي كامل في الشرق الاوسط. وهذه الاقتراحات يمكن أن تكون جذابة بالنسبة له.
×