عاجل:

سلام: أواجه حملات مقصدها مجحف ومتمسك بالمعايير (الجمهورية)

  • ١٧

تحرّك المشهد الداخلي على خطين متوازيَين، الأوّل في الاتجاه الحكومي وسط محاولات حثيثة لبلوغ لحظة الحسم، وهو ما ستحسمه اتصالات الساعات المقبلة لكسر ما تبقّى من حلقة التعقيدات المانعة الولادة الحكومية، التي يؤكّد طبّاخو التأليف أنّها ضاقت إلى حدّ بعيد، وبالتالي ضبط الحكومة الأولى في عهد الرئيس جوزاف عون بصورة نهائية وثابتة على سكة التأليف السريع. والثاني في مواجهة التحدّي الكبير الماثل أمام الدولة بكلّ مستوياتها، الذي يتجلّى في تعمّد إسرائيل فرض وقائع جديدة في المنطقة الجنوبية، وتقصّدها إضرام النار في اتفاق وقف إطلاق النار، والتمادي في الخروقات والاعتداءات والتهديدات، بما زرع في الأرجاء اللبنانية حقلاً واسعاً من المخاوف من أن يحين موعد 18 شباط الجاري، من دون ان تنسحب من المناطق اللبنانية التي توغلت إليها خلال عدوان الـ66 يوماً وفترة سريان اتفاق وقف إطلاق النار. وهو الأمر الذي دفع مرجعاً كبيراً إلى إبداء قلق بالغ، وقال لـ»الجمهورية»: «لست مطمئناً على الإطلاق مما تبيّته إسرائيل، وما أخشاه هو عودتها إلى خلق ذرائع والمماطلة في عدم الانسحاب، ما يعني أنّها تشرّع باب الاحتمالات السلبية على مصراعيه».

المسار الحكومي

حكومياً، أوحت تطورات الساعات الاخيرة بأنّ حكومة نواف سلام باتت قاب قوسين او أدنى من إعلانها بصورة رسمية، وأنّ الساعات القليلة المقبلة حاسمة في هذا المجال. إلّا أنّ إيجابيات النهار سرعان ما محاها الليل، وتبدّدت مع زيارة الرئيس المكلّف إلى القصر الجمهوري، معلناً استمرار العمل على تأليف حكومة إصلاح وكفاءات وفق المعايير التي وضعها، تكون على درجة عالية من الانسجام بين أعضائها ولا تحمل في داخلها إمكانية تعطيل عملها.

قبل لقاء الرئيسين بعد ظهر أمس، اتجهت الأنظار إلى القصر الجمهوري، وراجت معلومات عن أنّ سلام يحمل إلى الرئيس عون مسودة كاملة لتوزيع الحقائب الوزارية. وأنّ التشكيلة الحكومية باتت شبه جاهزة بعدما تمّ تجاوز عقدة تمثيل «القوات اللبنانية» وحسم حصتها في الحكومة، وبالتالي لم يبقَ سوى الإعلان عن التشكيلة رسمياً. الّا أنّ وصول سلام، وعدم حضور رئيس المجلس النيابي نبيه بري إلى القصر الجمهوري، على جاري ما هو معتمد تقليدياً قبل إعلان الحكومة رسمياً، أوحيا بأنّ ما حُكي عن إيجابيات كان مجرّد تكهنات وترويجات لا أساس لها.

وفيما اكّدت مصادر واسعة الإطلاع لـ»الجمهورية»، أنّ لقاء الرئيسين عون وسلام كان كسابقاته ايجابياً طغت فيه روح التعاون والانسجام الكلي، لافتة إلى أنّ توجّه شريكي التأليف ثابت على خط التعجيل بولادة الحكومة، وهذا ما توافقا على تزخيم الاتصالات في شأنه».

وعلى خطٍ موازٍ، عكست مصادر مسؤولة حالاً من عدم الارتياح يسود مطبخ التأليف، ولاسيما لتعثره غير المبرر. ومردّ عدم الارتياح هو الأجواء السياسية والعراضات الإعلاميّة والاشتراطات والمطالبات بحصص فضفاضة، التي ترافق عملية التأليف، وتساهم قصداً او عن غير قصد، في عرقلة المسار في الاتجاه الصحيح، وإحباط الاندفاعة لدى الرئيسين عون وسلام لوضع الحكومة على اوتوستراد التأليف السريع.

وتبعاً للواقع السياسي ومزاجيات بعض القوى السياسية، تقول المصادر، إنّه من المبكر الحديث عن ولادة وشيكة للحكومة قبل أن تكتمل الصورة بشكل كامل، والساعات المقبلة حاسمة على خط الاتصالات، حيث أنّ الامور ما زالت في حاجة إلى إنضاج، بل إلى قدرات خارقة لإنزال هذه القوى على ارض الواقع، وتجاوز حقل مطالباتها واشتراطاتها الماثلة في الطريق، والتي عرّضت التأليف لانتكاسة غير منتظرة.

سلام: المعايير

بعد اللقاء الذي استمر نحو ساعة مع رئيس الجمهورية، اكتفى الرئيس المكلّف بتلاوة بيان مكتوب معدّ سلفاً قبل اللقاء مع رئيس الجمهورية، صارح فيه اللبنانيات واللبنانيين، وقال: «إنني اسمعكم جيداً، طموحاتكم وتطلعاتكم هي بوصلتي، وأود ان أطمئنكم إلى أنني أعمل على تأليف حكومة تكون على درجة عالية من الانسجام بين أعضائها، ومتلزمة بمبدأ التضامن الوزاري، وهذا الامر ينسحب على كل الوزراء من دون استثناء».

واكّد العمل على تأليف حكومة إصلاح تضمّ كفاءات عالية، «ولن أسمح ان تحمل في داخلها إمكانية تعطيل عملها بأي شكل من الأشكال»، واشار إلى أنّه «في عملية التأليف يواجه عادات موروثة، وحسابات ضيّقة، يصعب على البعض ان يتخلّى عنها او أن يتقبّل اسلوباً جديداً في مواجهتها، لكنني مصرّ على التصدّي لها وعلى الالتزام بالدستور وبالمعايير التي سبق واعلنتها».

وقال: «طبعاً هناك من قال ويقول إنّ الدستور لا يفرض المعايير التي وضعتها، كمثل استبعاد المرشحين إلى الانتخابات من الدخول إلى الحكومة، او عدم توزير حزبيين. هذا صحيح، ولكن ليس في الدستور ما يمنع ذلك، فهذا اختياري لهذه المرحلة لأنّه ضمان إضافي لاستقلالية عمل الحكومة ولنزاهة الانتخابات المقبلة وحياديتها».

أضاف: «اما موضوع الحزبيين، فأنا ادرك تماماً أهمية دور الأحزاب في الحياة السياسية، بل إنني من المؤمنين انّه بلا احزاب لا تستقيم الحياة السياسية في أي بلد، لكنني في هذه المرحلة الدقيقة من حياتنا الوطنية، اخترت تغليب فعالية العمل الحكومي على مخاطر التجاذبات الحزبية داخل الحكومة، وذلك للتصدّي للمهمّات الجسيمة التي تنتظرنا. فما نحن أمامه، هو عملياً إرساء قواعد الإصلاح لإعادة بناء لبنان بما يليق بأبنائه، بما يليق بكم ايها اللبنانيات واللبنانيون، انتم الذين منحتموني ثقتكم. اما المعايير الأخرى التي تحدث عنها البعض، فلا علاقة لي بها من قريب او بعيد، فمنهم من قال بحصّة وزارية لكل أربعة او خمسة نواب، هذه معايير وضعوها هم ولا يمكن محاسبتي عليها، فمعاييري انا هي التي سبق واعلنتها امامكم منذ أسبوع. وأعيد انّ خياراتي هذه هي تعبير عن وفائي للثقة التي اوصلتني إلى المسؤولية الملقاة على عاتقي، ولن افرّط بها».

وختم: «أعرف أنني اواجه حملات عديدة ظاهرها حق، ولكن مقصدها فيأحسن الأحوال مجحف. ولكنني أؤكّد انّه رغم كل ما قيل ويُقال، فإنني مستعد لأن ادفع من رصيدي الشخصي اليوم وغداً وبعد غد ومهما اقتضى الامر، من اجل ان نصل معاً إلى حكومة تضع لبنان على طريق الإصلاح واعادة بناء الدولة. هذا هو همّي الأول والأخير، وليس حماية نفسي من جرح او تجريح من هنا وهناك. رهاني هو رهانكم أيها اللبنانيات واللبنانيون، على إعادة بناء الدولة، فالإنقاذ كما الإصلاح لا يحصل بـ»كبسة زر»، ولكن لا مجال الّا ان نثق بأنفسنا وبالفرصة المتاحة امامنا ونمضي قدماً، ولن نضيّع هذه الفرصة».

رسالة متعددة الاتجاهات

بيان سلام كما هو واضح، خالف كل التوقعات والترويجات، ووصفته مصادر مطبخ التأليف بـ«الشديد اللهجة»، حيث انطوى على رسالة في اتجاهات متعدّدة، وضع فيها النقاط على حروف التأليف، ورمى الكرة في ملعب كل اللاعبين على المسرح السياسي، ويستدل من مضمون كلامه الواضح بحدّته، والنقدي غير المباشر، انّه لن يماشي البازار المفتوح على طروحات لا تتفق مع المعايير التي طرحها. وهذا يعني بلا أدنى شك أنّ مهمّة تأليف الحكومة ما زالت في المربّع الاول.

الأجواء ليست مقفلة

وعلى الرغم من الانتكاسة التي تبدّت على خط التأليف، الّا أنّ الأجواء كما تقول مصادر مواكبة لمسار التأليف لـ«الجمهورية» ليست مقفلة نهائياً، والرئيس المكلّف عازم على إكمال الاتصالات كما هو مرسوم لها، وتشمل كلّ الأطراف، علماً انّه سبق له أن قطع شوطاً كبيراً جداً فيها. وبالتالي فإنّ كلّ ما يُشاع من هنا وهناك، لن يؤثر في عزم الرئيس المكلّف على عدم التسرّع، بل الخروج بتشكيلة حكومية في القريب العاجل.

وعلى ما تؤكّد المصادر عينها، فإنّ الرئيس المكلّف، وإنْ كان ضمنيّاً، محبّذاً للعجلة في تأليف حكومة التزم بأن تكون معبّرة عن الجميع، وتلبّي تطلعات اللبنانيين - وهو يتقاطع في ذلك مع توجّه رئيس الجمهورية - الّا انّه أبقى الباب مفتوحاً على مزيد من التشاور الهادئ، ولم يُلزم نفسه بمدى زمني محدّد، وتبعاً لذلك، فإنّ الوقت لم ينفد بعد، فما زال ثمة متسع من الوقت لوضع صيغة حكومية تلائم المرحلة بالشراكة مع رئيس الجمهورية، انّما ليس بالوقت الطويل المفتوح. والهامش الزمني هنا لا يُقاس بالأيام بل ربما بساعات إن قيض لجولة الاتصالات ان تذلّل ما تبقّى من عقبات.

صعود وهبوط

في موازاة هذه الأجواء، مشهد عام تتزاحم فيه تقديرات وقراءات تؤرجح مسار التأليف تارةً صعوداً، ربطاً بإيجابيات مفترضة ترفع منسوب التفاؤل إلى حدّ الاعتقاد بأنّ ولادة الحكومة اقتربت من لحظة الولادة، وتارةً اخرى هبوطاً ربطاً بسلبيات مفترضة تنعى تأليف الحكومة من أساسه وتعزف على وتر احتمال اعتذار الرئيس المكلّف عن تشكيل الحكومة. وهو أمر، أي احتمال الاعتذار، قرأت فيه مصادر مطلعة على أجواء الرئيس المكلّف مهاترة فارغة وافتراء غير مبرّر على مهمّته، وأصلاً هذا الأمر ليس وارداً في حسبانه، فلديه مهمّة سينجزها بالشراكة مع رئيس الجمهورية، وستولد الحكومة في القريب العاجل.

ووفق ما يؤكّد مشاركون في حركة الاتصالات لـ«الجمهورية»، فإنّه لا يجب ان يُنظر إلى مسار التأليف من زاوية الصعود والهبوط والبناء عليهما إما ايجاباً او سلباً، بل يجب أن يُنظر إلى هذا المسار من زاوية أنّ القول بتأخّر إعلان الحكومة، هو قول مبالغ في تسرّعه، صحيح انّ هناك استعجالاً خصوصاً لدى النّاس لتشكيل الحكومة، ولكن لنكن صريحين وواقعيين، فعمر التكليف أقل من شهر، والوضع السياسي لا نُحسد عليه، حيث فيه من التعقيدات والرغبات والتراكمات والحساسيات ما لا عدّ ولا حصر له، ويحتاج عبورها وفكفكة ألغامها جهداً ووقتاً، في ضوء ما يواجهه من محاولات غنج ودلع وشهية مفتوحة على الاستئثار بالحقائب الوزارية. وتبعاً لذلك فإنّ الرئيس المكلّف يراعي عامل الوقت وكما يُنقل عنه، ما زال ضمن المهلة المعقولة وبعد انقضاء هذه المهلة يمكن ان نطلق الحكم إن كان هناك تأخير ام لا.

تشويش

على انّ اللافت للانتباه في هذا السياق، الحذر الكبير الذي يعبّر عنه مرجع مسؤول جراء تطويق مسار التأليف بممارسات غير بريئة على حدّ تعبيره، حيث قال رداً على سؤال لـ«الجمهورية»: «أولاً، لست من أنصار التفاؤل الإعلامي او التشاؤم الإعلامي، فكلا الأمرين مبنيان على تخيّلات وهميّة، وخصوصاً أنّ اتصالات التأليف تجري خلف الجدران وبعيداً من الصخب السياسي والإعلامي والسيناريوهات والروايات التي تُنسج. وثانياً، وهنا مبعث الريبة، حيث أنّ تأليف الحكومة يتعرّض لنيران صديقة، فجانب كبير مما يُروّج، القصد منه التشويش على التأليف وتأخيره لا أكثر ولا أقل. ومصدر النيران الصديقة جهات يعلم القاصي والداني أنّها انقادت مُكرهة إلى تسمية نواف سلام في الاستشارات الملزمة، وصارت بعد تكليفه تشكيل الحكومة تقدّم نفسها وكأنّها هي عرّابة التكليف. وذلك عبر حملات هجومية غير مبرّرة على جهات سياسيّة، ومحاولة حشر أنفها في التأليف لفرض شروط، ومحاولة ابتزاز مطبخ التأليف، بأن تهوّل وترفع سقفها إلى حدّ أن تجيز لنفسها ما تحرّمه على غيرها في اختيار ما طاب لها من وزارات سياديّة وخدماتية، وأكثر من ذلك وضع «فيتوات» على مشاركة جهات معيّنة في الحكومة، وعلى بعض الحقائب والضغط السياسي والإعلامي والشعبوي لحجبها عن جهة معيّنة. وهذا المسار كما هو واضح مُني بالفشل».

أين العِقَد؟

مصادر مطلعة على أجواء الاتصالات، أوجزت لـ«الجمهورية» خلاصتها بالقول، «إنّ التصور الحكومي من حيث خريطة التمثيل وتوزيعه بات منجزاً، ما يعني أنّ التأليف قطع ثلاثة أرباع المسافة. فالتمثيل الشيعي المحدّد بخمس حقائب وكما بات مؤكّداً لا تعتريه مشكلة، لا بالنسبة إلى الوزراء الأربعة الذين سيسمّيهم ثنائي حركة «أمل» و«حزب الله»، او بالنسبة إلى الوزير الخامس الذي سيُسمّى بالشراكة مع رئيس الجمهورية والرئيس المكلّف، وحول هذا الامر تتكثف الاتصالات لحسمه. والأمر نفسه في ما خصّ التمثيل السنّي، وكذلك الدرزي و«المردة» والأرمن و»الكتائب». ورداً على سؤال عن تمثيل «التيار الوطني الحر»، فأشارت المصادر إلى أنّ الاتصالات لم تنتهِ حتى الآن، والامور في خواتيمها.

حقائب «القوات»

وأما الربع المتبقّي من المسافة حتى التأليف، تضيف المصادر، فمتوقف على العقدة التي كانت لا تزال كامنة في حجم تمثيل «القوات اللبنانية» وماهية الحقائب التي ستسمّي وزراء لها. وفي هذا السياق، اكّدت مصادر «القوات» لـ«الجمهورية»، انّه لا توجد عقدة «قواتية»، مشيرة إلى انّ حصة تمثيل «القوات» في الحكومة قد حُسمت لناحية حصولها على اربع حقائب وزارية، بينها حقيبة الخارجية (مصادر موثوقة اكّدت انّ تسمية الوزير ستتمّ بالشراكة مع الرئيسين عون وسلام)، والاتصالات والطاقة والصناعة. وقالت إنّ «القوات» تثمّن موقف الرئيس المكلّف الذي أدلى به من القصر الجمهوري لجهة تشديده على التضامن الوزاري اولاً وعلى رفض ان يكون داخل الحكومة أي ادوات تعطيل، وانّ هذا الامر سيواجه بشدة لأنّ هدف الحكومة الأساسي اصلاحي وليس الدخول في مناكفات وتعطيل.


المنشورات ذات الصلة