عاجل:

هوليود لم تحترق ... فمن أين جاء ترامب بافلامه؟! (الجمهورية)

  • ٤١

كتب جورج شاهين:

بوادر مواجهة عربية وخليجية ودولية مع ترامب في انتظار حركة موفديه إلى لبنان وعواصم المنطقة، لفهم كيفية ترجمة تفاهمات قمة ترامب – نتنياهو  ولم ترحب بها سوى اسرائيل؟!

ما بين ساعة وأخرى تلاحقت الأخبار السريعة عن رغبة الرئيس الأميركي دونالد ترامب بتغيير المنطقة والعالم في أيام قليلة، وخصوصاً عندما عبّر قبل لقائه رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو وبعده، عن مجموعة رغبات، توزّعت على جارات بلاده فأعفاها من الرسوم الجمركية، ورغب بتكبير حجم إسرائيل لتتجاوز "رأس قلم"، ونقل 3 ملايين فلسطيني إلى دول الجوار، ورغب شراء قطاع غزة لتحويله "ريفييرا الشرق الأوسط"، وهو لم يتملّك بعد لا جزيرة "غرينلاند" ولا "قناة بنما". وعليه، ما الذي يمكن تحقيقه من هذه الأفلام ومنشآت هوليوود قد سلمت من الحرائق؟

لا تخفي مراجع ديبلوماسية لبنانية وغربية شعورها الممزوج بالمزاح والجد ومعهما القلق، من إمكان أن ينجح ترامب في تحقيق رغباته وأمنياته ممّا أراده من عشرات الأوامر التنفيذية التي أصدرها لتغيير شكل الأنظمة والدول في أكثر من منطقة في العالم، وعن جموحه إلى شنّ حرب جديدة تستخدم العقوبات الإقتصادية والرسوم الجمركية بدلاً من الأساطيل والطائرات والصواريخ على أنواعها. وفيما لم تكن قد انتهت ولم تتمكن من البحث عن الأسباب الموجبة لكل موقف أطلقه أو شمله بأمر تنفيذي وقّعه، قبل أن يُفاجأ بما يليه إلى درجة ضاعت معها الولايات وانشغلت معظم القارات بردات الفعل المستغربة والمستهجنة لكل منها.

فما أن ارتاحت جارتاه الشمالية كندا والجنوبية المكسيك، بإعفائهما من الرسوم الجمركية، حتى ردّت الصين ومعها الاتحاد الأوروبي على نيّته التعاطي معها باللغة عينها، مؤكّدةً رفضها ومتعهّدةً بالتفاوض، حتى فاجأ الشرق الأوسط بمشروعه الهادف إلى ترحيل 3 ملايين فلسطيني من القطاع في اتجاه الأردن ومصر ودول أخرى من المنطقة. موضّحاً أنّها خطوة تسمح له بالتصرّف بالمنطقة لتحويلها "ريفييرا الشرق الأوسط". واعداً الدول من جاراتها التي تستقبلهم لتوطينهم بمليارات الدولارات لإنعاش مرافقها ومنشآتها وتغيير وجهة اقتصاداتها، بطريقة لم يتفهّم بعد أي منها طريقة ترجمة هذه "الصيغة الفذّة" التي سقطت أجزاء منها بمجموعة من الضربات القاضية على مدى العامَين الماضيَين، وأنهت حلماً إسرائيلياً يفيض عمره على قرون خمسة من أجل توحيد الأراضي المحتلة وضمّ الجزء الفلسطيني منها، واستخدام "وادي غزة" ممراً لإنشاء قناة "السويس 2" تمهيداً للانتقال إلى تكوين إسرائيل الكبرى من البحر إلى النهر، إلى غيرها من المشاريع التي بقيَت حتى الأمس القريب مجرّد أحلام وأمنيات تزامن إطلاقها ومشروع إقامة الدولة اليهودية على أرض فلسطين ولم تتحقق بعد.

عند هذه المعطيات، توقفت المراجع الديبلوماسية نفسها في قراءتها لمسلسل مواقف ترامب الخاصة بالشرق الأوسط، ورصدت ترحيباً إسرائيلياً منفرداً، بعدما سبق الوزير المستقيل من حكومة نتنياهو إيتمار بن غفير بالترحيب بها والتهليل لها ولعملية "الترانسفير" التي يحلم بها، قبل أن ترحّب أوساط أخرى إسرائيلية بما حققته قمة واشنطن من إنجازات لم تكن محتسبة، وخصوصاً في ما يتعلق بمستقبل غزة والضفة الغربية والملف النووي الإيراني. ولم تلقَ اقتراحاته سوى ردات الفعل الرافضة من بقية الأوساط العربية والخليجية والدولية بعد الفلسطينيّين، وخصوصاً تلك المدعوة إلى استكمال برامج التطبيع مع إسرائيل وفي مقدّمها المملكة العربية السعودية، وكل من مصر والأردن المستهدفَين بعملية الترحيل القسري بنحو حازم لا يرقى إليه أي شك، أياً كانت التكلفة المترتبة على هذه الدول.

وإن قالت مراجع ديبلوماسية لبنانية إنّها رصدت قلقاً مصرياً وأردنياً منذ اللحظة الأولى لتعبير ترامب عن رغبته بعملية الترحيل قبل أيام قليلة من لقائه نتنياهو، ولم تتأثر بالتوضيح اللاحق الذي ربط خطوته بـ"الوجه الإنساني" إلى حين إعادة بناء غزة، فقد تنفّست الصعداء بعدما نجحت في استدراج مجموعة الدول الست التي التقت في القاهرة السبت الماضي، على خلفية أنّها جميعها من الدول الصديقة لواشنطن. وإنّ العودة إلى البيان المتشدّد الذي صدر عن اللقاء تعّبر تلقائياً عن جدّية الموقف وحزمه بعدم التهاون في هذا الخصوص على رغم من علاقاتهم المتميّزة مع الرجل العائد إلى البيت الأبيض والنية بمساعدته لتجاوز مشكلاته الاقتصادية والإعمارية الداخلية بما فيها إعادة بناء ما دمّرته الحرائق في مدينة لوس أنجلوس. وهو أمر قاد أحد الديبلوماسيّين العرب إلى التساؤل بـ"سخرية"، مستوحياً ممّا جرى معادلة مفادها "أنّه لو شملت الحرائق منشآت هوليوود السينمائية هل كانت مخيّلة ترامب قادرة على إطلاق مجموعة أفلامه الجديدة؟".

ولم تكتفِ هذه المراجع بملاحظاتها الأولية، فلفتت إلى مخاطر الهجمة الشرسة التي طاولت مجموعة من المؤسسات الكبرى الراعية لمشاريع التعليم والإغاثة والإنماء المستدام للاجئين، ولا سيما منهم الفلسطينيّين، ومعهم الدول الفقيرة والمتعثرة اقتصادياً مثل وكالة USAID، ومنح الآلاف من مسؤوليها إجازة مفتوحة. كما بالنسبة إلى الانسحاب من "منظمة المناخ" و"مجلس حقوق الإنسان" التابع للأمم المتحدة، ووكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيِّين (الأونروا) حيث ما وُجدوا، لتُعبّر عن النية بأنّ بدائلها متوافرة ولو لم تكن بالقيمة عينها في المجالات كافة. فبعض ما تحتاجه لإغاثة اللاجئين قد يتوافر بنسبة أكبر ممّا وفّرته واشنطن لها حتى اليوم، وفي مثل هذه الخطوة ما يدلّ إلى النيّة بمواجهة مرتقبة مع واشنطن، ولم يَعُد على المراقبين سوى رصد شكلها ومضمونها ونتائجها التي يمكن أن تنعكس على مجمل السياسات الدولية المعتمدة في أكثر من منطقة في العالم.

وقياساً على ما تقدّم، فإنّ هذه المراجع تختم لتقول إنّ المنطقة تنتظر جولة لموفدي ترامب إليها في اتجاه الرياض والقاهرة وعمان على الأقل. ويسبقهم جميعاً إلى لبنان اليوم أعضاء من فريق عمله المهتمين بالملف اللبناني بإدارة كل من المبعوثة الأميركية إلى لبنان والشرق الأوسط خليفة هوكشتاين السيدة مورغان أورتاغوس وإيريك تراغر، حيث من الممكن أن يُفهم بعض ما هو مطروح وما يمكن أن يُنفّذ منه، والآليات التي تؤدّي إلى تنفيذه أو تعطيله في آنٍ. ولتبقى الأجوبة عن مجموعة من الهواجس والمخاوف مؤجّلة إلى حين.


المنشورات ذات الصلة