عاجل:

اية تحديات اقتصادية تواجهها الحكومة الجديدة... وهل تنجح في قلب المعادلة؟

  • ٣٥

بقلم عصام شلهوب 

خاص بـ "ايست نيوز" - مع كل حكومة جديدة، تتجدد آمال اللبنانيين في خروج البلاد من أزماتها الاقتصادية التي باتت كابوسًا يوميًا يثقل كاهلهم. لكن هذه الآمال تصطدم دائمًا بجدار الواقع الصلب: أزمة مالية غير مسبوقة، انهيار مصرفي، تضخم متوحش، أزمة طاقة خانقة، ودين عام يهدد بإغراق البلاد في دوامة الإفلاس. في ظل هذا المشهد القاتم، تجد الحكومة اللبنانية الجديدة نفسها أمام اختبار صعب، فإما أن تترجم وعود الإصلاح إلى أفعال، أو أن تلحق بسابقاتها في مسلسل الفشل والخذلان.

على مدى خمس سنوات، عاش اللبنانيون تداعيات واحدة من أسوأ الأزمات المالية في العالم. فقدت الليرة اللبنانية أكثر من 98% من قيمتها، وتبخرت مدخرات المواطنين المحتجزة في المصارف، فيما انهار القطاع المصرفي تحت وطأة الديون وانعدام السيولة. في ظل هذه الفوضى، تتجه الأنظار إلى الحكومة الجديدة لمعرفة كيفية تعاملها مع هذا الملف الشائك: هل ستعتمد خطة شاملة لإعادة هيكلة المصارف، أم ستواصل سياسة الترقيع وتمديد الأزمات؟

إصلاح القطاع المصرفي ضرورة ملحّة، لكنه في الوقت ذاته محفوف بالعقبات، إذ يتطلب قرارات جريئة تمسّ مصالح نافذة. وبين تعويض المودعين، وضمان استمرارية عمل المصارف، واستعادة الثقة بالنظام المالي، تبدو الحكومة أمام معادلة معقدة تحتاج إلى رؤية واضحة وإرادة سياسية قوية.

في شوارع بيروت والمدن اللبنانية، باتت الأسعار حديث الناس اليومي، حيث لم يعد تأمين الحاجيات الأساسية أمرًا سهلًا وسط موجة تضخم جامحة. منذ اندلاع الأزمة، ارتفعت أسعار المواد الغذائية والأدوية والخدمات بشكل غير مسبوق، لتصل في بعض المراحل إلى مستويات تفوق قدرة معظم المواطنين، ما دفع أكثر من 80% من السكان إلى ما دون خط الفقر.

هل ستعتمد خطة شاملة لإعادة هيكلة المصارف، أم ستواصل سياسة الترقيع وتمديد الأزمات؟

الحكومة الجديدة مطالبة بوضع سياسات اقتصادية سريعة تحدّ من التدهور المعيشي، سواء من خلال ضبط الأسعار، أو تشجيع الإنتاج المحلي، أو توسيع برامج الدعم الاجتماعي، لكن أي حلول تبقى رهنًا بتوافر التمويل والاستقرار السياسي.

تحوّل منذ سنوات انقطاع الكهرباء إلى جزء من حياة اللبنانيين اليومية. الدولة عاجزة عن تأمين التيار الكهربائي لأكثر من ساعات قليلة يوميًا، بينما أصبحت المولدات الخاصة الملجأ الوحيد، لكنها أيضًا باتت عبئًا ماليًا على المواطنين الذين يرزحون تحت أعباء فواتير باهظة.

الملف الكهربائي في لبنان ليس مجرد أزمة تقنية، بل قصة طويلة من الفساد وسوء الإدارة والهدر. وعود الحكومات السابقة بالإصلاح ظلّت حبراً على ورق، فهل تنجح الحكومة الجديدة في تنفيذ خطة حقيقية للنهوض بقطاع الطاقة، أم أن اللبنانيين سيواصلون حياتهم في العتمة؟

تُعدّ أزمة الدين العام واحدة من أخطر التحديات التي تواجه لبنان، حيث تجاوزت نسبته 150% من الناتج المحلي الإجمالي، ما جعله واحدًا من أكثر الدول مديونية في العالم. وفي ظل عجز مالي مزمن، وانخفاض الإيرادات الحكومية بسبب الانكماش الاقتصادي والتهرب الضريبي، تبدو الخيارات أمام الحكومة محدودة: إما إصلاحات مالية قاسية تتضمن خفض الإنفاق وزيادة الضرائب، أو الاستمرار في الاستدانة ودخول مرحلة الإفلاس الكامل.

لكن أي خطوات تقشفية ستواجه معارضة شعبية، خاصة في بلد يعيش أزمة اجتماعية حادة. فهل تملك الحكومة الجرأة لاتخاذ قرارات مؤلمة لكنها ضرورية، أم أنها ستؤجل المواجهة كما فعلت سابقاتها؟

يُجمع المراقبون على أن لبنان لن يتمكن من الخروج من أزمته دون دعم خارجي، سواء عبر قروض من صندوق النقد الدولي أو مساعدات من الدول المانحة. لكن هذا الدعم مشروط بتنفيذ إصلاحات اقتصادية جذرية، تشمل مكافحة الفساد، إصلاح القطاع العام، وإعادة هيكلة النظام المالي.

حتى الآن، لم تثبت الحكومات اللبنانية جديتها في تنفيذ هذه الإصلاحات، ما أدى إلى تراجع ثقة المجتمع الدولي بها. واليوم، تقف الحكومة الجديدة أمام فرصة أخيرة: إما استعادة هذه الثقة عبر إجراءات ملموسة، أو خسارة أي فرصة للحصول على المساعدات التي يحتاجها الاقتصاد اللبناني بشدة.

لم يعد مشهد الشباب اللبنانيين في طوابير السفارات أمرًا غريبًا، فموجة الهجرة التي بدأت منذ سنوات، تصاعدت بشكل غير مسبوق مؤخرًا. فقد دفعت الأزمة الاقتصادية الآلاف من أصحاب الكفاءات، خصوصًا في مجالات الطب والهندسة والتعليم، إلى مغادرة البلاد بحثًا عن فرص أفضل.

مع ارتفاع معدل البطالة إلى أكثر من 30%، وتآكل القدرة الشرائية للرواتب، يبدو أن الأمل في مستقبل اقتصادي مستقر داخل لبنان يتلاشى. الحكومة الجديدة مطالبة بوضع خطة اقتصادية تُحفّز سوق العمل، وتوفر بيئة جاذبة للاستثمارات، وإلا فإن نزيف الهجرة سيستمر، ما يهدد مستقبل البلاد على المدى الطويل.

التحديات التي تواجهها الحكومة الجديدة ليست سهلة، لكنها ليست مستحيلة الحل. المطلوب هو إرادة سياسية صادقة، وقرارات جريئة تنهي سياسات المماطلة والتسويف. اللبنانيون لا ينتظرون وعودًا جديدة، بل يريدون أفعالًا تنعكس على حياتهم اليومية، من استقرار سعر الصرف، إلى تحسين الخدمات الأساسية، إلى خلق فرص عمل تضمن لهم مستقبلًا أفضل.

لكن السؤال الذي يظل معلقًا: هل تملك الحكومة الجديدة القدرة والشجاعة لكسر الحلقة المفرغة التي يدور فيها لبنان منذ سنوات، أم أن الأزمات ستستمر في التفاقم حتى تصل البلاد إلى نقطة اللاعودة.

المنشورات ذات الصلة